الإمساك
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الامتناع عن
الأمر أو
احتباس الشيء.
مصدر أمسك، و هو يأتي على معانٍ :
منها :
القبض ، يقال : أمسكته بيدي إمساكا، أي قبضته، وهو غالبا ما يكون في
الإنسان باليد، و في
الحيوان بالفم .و منها :
الكفّ و
الامتناع ، يقال : أمسكت عن الأمر، أي كففت عنه .و منها :
الحبس ، يقال : أمسك الشيء، أي حبسه . و منه : أمسك اللّه
الغيث ، أي حبسه و منع نزوله .و منها :
البخل ، فيقال : رجل فيه إمساك، أي بخل، و رجل ممسك : أي
بخيل .
و استعمله
الفقهاء في المعاني اللغوية نفسها، حيث استعملوه في
الجنايات في حكم من أمسك شخصاً فقتله آخر، و
مرادهم : القبض باليد، و كذا في إمساك
المحرم الصيد، و في إمساك
الكلب المعلّم الصيد ؛ إذ
المراد : القبض بالفم، و منه : قوله تعالى” : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ
.”و استعملوه أيضا بمعنى الحبس كما في إمساك الزوجة المطلّقة رجعيّا في عدّتها، كما اُشير إليه في قوله تعالى”:
الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسرِيحٌ بِإِحْسانٍ .”و كذا في إمساك أربعة و تسريح
الأكثر لو أسلم و له أكثر من أربع
زوجات ، و هو هنا بمعنى
الإبقاء على
الزوجية ، و في إمساك
الإنسان الحرّ أو العبد أو
الحيوان إذا كان
إرساله يؤدّي إلى
إتلاف عين أو
منفعة ، و نحو ذلك .و بمعنى الكفّ كما في الإمساك عن
المفطرات من
أكل و
شرب و
جماع و غيرها مع
النيّة ، كما صرّح الفقهاء بذلك
.
نعم، هو في اللغة مطلق الكفّ، لكن هنا كفّ مخصوص مع
النية .و أمّا بمعنى
البخل فاستعملوه في موارد
الإنفاق الواجب أو
المستحبّ و بعض الواجبات المالية و غيرها .
منها
الاحتباس: الاحتباس في
اللغة المنع من حرّية
السعي ، و قد يختص بما يحبسه الإنسان لنفسه
، تقول : احتبست
الشيء ، إذا اختصصته لنفسك خاصة
.
الاحتباس في
الاصطلاح : و قد يطلق الاحتباس عند الفقهاء بمعنى عدم
تسليم المرأة نفسها لزوجها
. ، كما قالوا : إنّ
النفقة جزاء الاحتباس، كما يطلقون الاحتباس أو الحبس على
الوقف ؛ لما فيه من منع
التصرّف فيه
، وعلى هذا فالاحتباس أخص من الإمساك .
يختلف حكم الإمساك باختلاف الموارد و المعاني التي ذكرت من
الصيام، و
الصيد، و
الطلاق، و
القصاص، و غيرها، و هي
إجمالاً كما يلي :
يجب على
الصائم الإمساك عن
المفطرات ، و هي : الأكل، و الشرب، و الجماع، و
الكذب على اللّه و رسوله و
الأئمّة عليهم السلام، و
الارتماس، و
إيصال الغبار إلى الحلق، و البقاء على
الجنابة عامداً حتّى يطلع
الفجر من غير ضرورة، و
الاستمناء بشرائط مخصوصة، و
الاحتقان بالمائع ، و
تعمّد القيء، و هو معنى
الصيام عند الفقهاء
.و كذلك يلزم إمساك بقية
اليوم لكلّ من أفطر في نهار
شهر رمضان مع وجوب
الصوم عليه، كالمفطر من دون
عذر ، و
المفطر بظنّ أنّ الفجر لم يطلع و كان قد طلع، أو بظنّ أنّ
الشمس قد غابت ولم تغب،
أو أصبح يوم
الشكّ مفطراً ثمّ ظهر أنّه كان من شهر رمضان، أو قدم
المسافر قبل
الزوال ، أو برئ
المريض كذلك و لم يكونا قد تناولا شيئاً
.و
يستحبّ الإمساك
تأدّباً في أحوال، كما لو بلغ
الصبي في أثناء
النهار ، أو أفاق
المجنون أو المغمى عليه في أثنائه، أو أسلم
الكافر كذلك، أتى بالمفطر أم لم يأتِ، أو برئ المريض أثناء النهار وقد أفطر، و كذا لو لم يفطر إذا كان بعد الزوال، أو قدم المسافر بلده أو محلّ
الإقامة بعد الزوال مطلقاً أو قبله و قد أفطر ـ و أمّا إذا ورد قبله و لم يفطر وجب عليه الصوم ـ أو طهرت
الحائض و
النفساء أثناء النهار
.
و يستعمل في موردين :
الأول:
اصطياد الصيد أو
إبقاؤه في
اليد بدلاً من إرساله، كما في باب تروك
الإحرام و محرّماته، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ إمساك صيد
البر حرام إذا كان في حالة الإحرام، أو كان في داخل حدود
الحرم ويجب إرساله، و إن لم يرسله ضمنه
.و كذا لو أمسك
المحرم صيداً في الحلّ أو في الحرم و كان له طفل في الحلّ أو الحرم، فتلف
الطفل بإمساكه، ضمن الطفل و لو مع
مضاعفة الجزاء ؛ للتسبيب، فضلاً عن
الاُمّ لو فرض تلفها بإمساكه الذي هو
مباشرة .و كذا لو أمسك المحلّ صيداً في الحلّ و كان له طفل في الحرم، فتلف الطفل بإمساكه ؛ للتسبيب أيضاً ، بناءً على
مساواة المحلّ للمحرم في
الضمان به أيضاً لما كان في الحرم .
نعم ، لا يضمن الاُمّ لو تلفت ؛ لكونه محلاًّ .أمّا إذا فرض كونها في الحرم و تلفت بالإمساك، ضمنها أيضاً مع الطفل كالمحرم، و كذا لو أمسك المحلّ الاُمّ في الحرم فمات الطفل في الحلّ، ضمن الاُمّ لو فرض تلفها قطعاً
. و أمّا الطفل ففي ضمانه وجهان : من كون
الإتلاف بسبب في الحرم فصار كما لو رمى من الحرم، و من أنّ الإتلاف في الحلّ فلا يكون مضموناً
. و في خبر
مسمع عن
أبي عبد اللّه عليه السلام، في رجل حلّ في الحرم رمى
صيداً خارجاًمن الحرم فقتله، فقال : "عليه
الجزاء ؛ لأنّ
الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم
.”
الثاني :اصطياد
الكلب المعلّم الصيد، فقد ذكر الفقهاء أنّ من شروط كون الكلب معلّماً هو أنّه إذا اُرسل اتّبع الصيد، و إذا أخذه أمسكه على
صاحبه، و لا يأكل منه شيئا، فلو أخذ صيدا فأكل منه لا يؤكل عند
المشهور ؛ لقوله تعالى: "فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ"
،
إشارة إلى أنّ حدّ
تعليم الكلب و ما هو في معناه هو الإمساك على صاحبه و ترك
الأكل منه، و الكلب الذي يأكل إنّما أمسك على نفسه لا على صاحبه، فكان فعله
مضافا إليه لا إلى
المرسل، فلا يجوز أكله
.
منها : صحيحة
رفاعة بن موسى، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب يقتل، فقال : "كل"، فقلت : إن أكل منه ؟ فقال :" إذا أكل منه فلم يمسك عليك، إنّما أمسك على نفسه
.” و منها : صحيحة
أحمد بن محمّد، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عمّا قتل الكلب و
الفهد ، فقال : “ قال
أبو جعفر عليه السلام : الكلب والفهد سواء، فإذا هو أخذه فأمسكه فمات وهو معه فكل ؛ فإنّه أمسك عليك، و إذا أمسكه و أكل منه فلا تأكل ؛ فإنّه أمسك على نفسه
.” و منها : موثّق
سماعة، قال : سألته عمّا أمسك عليه الكلب المعلّم للصيد، و هو قول اللّه” : وَ مَا عَلَّمْتُم مِّنَ
الجَوَارِح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسمَ اللَّهِ عَلَيْهِ”، قال : “ لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ممّا لم يأكل الكلب منه، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه
.” و تفصيل
البحث فيه في مصطلح صيد .
صرّح غير واحد من الفقهاء بجواز
اجتياز المحرم موضعاً يباع فيه
الطيب ـ مثلاً ـ أو يجلس عند متطيّب إذا لم يكتسب
جسده ولا
ثوبه من
ريحه، و كان
قابضاً على أنفه
. ففي صحيح
ابن بزيع، قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام كُشف بين يديه طيب لينظر إليه و هو محرم، فأمسك بيده على
أنفه بثوبه من ريحه
. هذا كلّه في الرائحة الطيّبة، أمّا
الرائحة الكريهة فالمشهور
حرمة إمساك
الأنف عن شمّها
، وادّعى
ابن زهرة نفي
الخلاف فيه
. و ذلك للنهي عنه فيما ورد في النصوص
المعتبرة التي منها : صحيح
ابن سنان عن
الإمام الصادق عليه السلام قال : " المحرم إذا مرّ على
جيفة فلا يمسك على أنفه
".
لو أمسك رجل رجلاً و قتله آخر فالقاتل يقتل
قصاصا ؛ لأنّه
المباشر دون الممسك، أمّا الممسك فلا قصاص عليه
اتّفاقا، لكن يحبس أبداً
.
منها : رواية
الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : “ قضى
علي عليه السلام في رجلين أمسك أحدهما و قتل الآخر، قال : يقتل
القاتل ، و يحبس
الآخر حتى يموت غمّاً، كما حبسه حتى مات غمّاً
". و منها : خبر
سماعة، قال : قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في رجل شدّ على رجل ليقتله و
الرجل فارٌّ منه، فاستقبله رجل آخر فأمسكه عليه حتى جاء الرجل فقتله، فقتل الرجل الذي قتله ، و قضى على الآخر الذي أمسكه عليه أن يطرح في
السجن أبداً حتى يموت فيه ؛ لأنّه أمسكه على
الموت . و منها : ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه أمر به فضرب جنبه، وحبسه في السجن، و وقع على رأسه، يحبس
عمره ، و يضرب كلّ سنة خمسين
جلدة .و منها : ما رواه
السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : “ إنّ ثلاثة نفر رفعوا إلى
أمير المؤمنين عليه السلام : واحد منهم أمسك رجلاً، و أقبل الآخر فقتله، و الآخر يراهم، فقضى في صاحب
الرؤية أن تسمل عيناه، و في الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسكه، و قضى في الذي قتل أن يقتل
.” و تفصيله في مصطلح قصاص .
عدّ بعض الفقهاء الإمساك من صيغ
الرجعة في
الطلاق الرجعي، فتصحّ الرجعة بقوله : مسكتكِ أو أمسكتكِ ؛ لورودهما في قوله تعالى”: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ”،
و قوله تعالى” : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ”
، يعني الرجعة
و حينئذٍ لا تفتقر إلى نيّة الرجعة ؛
صراحة الألفاظ
. و قال بعض آخر : يفتقر إليها فيهما ؛
لاحتمالهما غيرها، كالإمساك باليد و في
البيت و نحوه
.
يحرم إمساك مال الغير بمعنى
الامتناع عن ردّه و
تسليمه، بل يجب من غير
إذنه ردّه فوراً، و وجوب بالفوريّة العرفية
. و من
الأمثلة الفقهية على ذلك وجوب ردّ
المغصوب المقبوض بالعقد الفاسد
و غيرذلک، و التفاصيل في محالها.
الموسوعة الفقهية ج۱۷، ص ۲۵۰-۲۵۵.