الاستمناء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
إخراج المني بغير الوطء ، بالكف ونحوه.
الاستمناء هو طلب خروج
المني من غير جماع.
وقد يستفاد من إطلاقهم شموله للطلب المستتبع للخروج وغيره وإن قيّده
الفيّومي به حينما قال: «استمنى الرجل (أي) استدعى منيَّه بأمرٍ غير
الجماع حتى دفق».
وهو أيضاً بمعنى
استدعاء المني
من غير جماع،
سواء كان باليد أو بالملاعبة أو بغيرهما من الأفعال التي يقصد بها
إخراجه .
إلّاأنّه ربّما يظهر من
العلّامة في
المنتهى اختصاص الاستمناء بطلب المني باليد، وذلك لجعله الاستمناء باليد في مقابل سائر أسبابه الاخرى، حيث قال: «لو قبّل أو لامس أو استمنى بيده ولم ينزل لم يفسد صومه إجماعاً».
وهل للإمناء دخل في حقيقة الاستمناء؟ يظهر من بعضهم عدم دخله فيه، قال
المحقق : «لو استمنى...فأمنى».
وقال العلّامة: «لو أمنى عقيب الاستمناء».
فإنّ تعقيب الإمناء للاستمناء ومجيئه بعده في عباراتهم دليل على أنّ لكلّ منهما وجوداً مستقلّاً عن الآخر.إلّاأنّه يمكن القول بعدم صدق الاستمناء في حالة عدم الإمناء؛ لأنّه كلفظة
الاستخراج ، حيث لا يقال لمن لم يتمكّن من استخراج المعدن أنّه استخرجه، وهنا أيضاً لا يقال لمن لم يخرج منه المني إنّه استمنى.
وهو
إراقة المني مع القصد أو بدونه في
النوم أو غيره. وذلك هو المستفاد من إطلاق كلام
اللغويين ، قال في
محيط المحيط : أمنى الرجل إمناءً، أنزل المني وأراقه.
والعلاقة بين الإمناء والاستمناء هي
العموم والخصوص من وجه على تقدير عدم دخل الإمناء في حقيقته،
والعموم والخصوص المطلق على تقدير الدخل، فالإمناء أعمّ مطلقاً من الاستمناء كما هو واضح.
وهي بمعنى الاستمناء باليد،
ومن أفراد الاستمناء ومصاديقه، فيكون الاستمناء أعمّ من الخضخضة من هذه الناحية.
يطلق الدلك ويراد به الاستمناء، وقد ورد
التعبير به في
رواية زرارة حيث سأل
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الدلك، فقال: «ناكح نفسه لا شيء عليه»،
وهو محمول على وجوه
يأتي الكلام حول بعضها في بحث عقوبة المستمني.
وهو طلب
الانتفاع والالتذاذ،
وكثيراً ما يطلق في
الفقه على الاستمتاع بالزوجة والجارية المحلّلة.
والفرق بينه وبين الاستمناء أنّ الاستمتاع لا يعتبر فيه أن يكون مقروناً بقصد الإمناء، بخلاف الاستمناء الذي يعتبر قصد الإمناء جزءً من ماهيّته.
ومن هنا قيل بأنّ الاستمتاع يشمل الاستمناء.
لا خلاف بين الفقهاء في حرمة الاستمناء في الجملة، وإنّما الخلاف في حدود هذا التحريم.ولكي يتّضح ذلك جيّداً لابدّ من
التركيز في البحث على محورين:
يحرم الاستمناء بغير الزوجة
والأمة المحلّلة،
بل عدّه بعضهم من الكبائر.
نعم، هناك من اقتصر على ذكر الاستمناء باليد،
ولعلّه لبيان بعض موارده من دون أن يكون لها تأثير في تحديد
الحكم ، كسائر الأوصاف الغالبة المذكورة في موضوعات الأحكام، لكنّنا لا ننكر بأنّ هناك من قيّد بعض الأحكام بها، كما سيتّضح ذلك من البحوث المقبلة.
وعلى أيّ حال فقد استدلّوا على
حرمة هذا النوع من الاستمناء:
۱- بالكتاب، كقوله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ• إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ• فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ».
فالمستمني من العادين؛ لأنّه ابتغى وراء الأزواج فهو من الملومين.
إلّاأنّ في صدق عدم الحفظ على الاستمناء من دون تماس بالغير نظر.
۲- بالروايات:
منها: رواية
أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره عن
أبيه ، قال: سئل
الصادق عليه السلام عن الخضخضة؟ فقال: «
إثم عظيم قد نهى اللَّه عنه في كتابه، وفاعله كناكح نفسه، ولو علمت بما يفعله ما أكلت معه»، فقال السائل: فبيّن لي يابن
رسول اللَّه من كتاب اللَّه فيه، فقال: «قول اللَّه:«فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ»، وهو ممّا وراء ذلك...».
وقيل: إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى لا يروي إلّاعن
ثقة ، وإن روى عن عدد قليل من الضعاف، لكن ذلك لا يقدح في وثاقته.
ومنها:
مرسلة علاء بن رزين عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سألته عن الخضخضة؟فقال: «هي من
الفواحش ، ونكاح الأمة خير منه».
وقد اعتبر بعضهم هذه الرواية من
الصحاح .
ومنها: رواية
أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «ثلاثة لا يكلّمهم اللَّه
يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم
عذاب أليم: الناتف شيبه، والناكح نفسه، والمنكوح في دبره».
ومنها: ما هو منقول عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنّ «ناكح الكفّ ملعون».
ومنها: ما سيأتي من أنّ [[|أمير المؤمنين]] عليه السلام ضرب بالدرّة على يد من عبث بذكره فأمنى.
وأمّا ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام من أنّ «ناكح نفسه لا شيء عليه»
فقد اجيب عنه
بأنّه محمول على
التقيّة ؛ لموافقته لجماعة من
الجمهور .أو على
الإنكار دون
الإخبار .أو على نفي وجود
حدّ شرعي في خصوصه بحيث لا يزيد ولا ينقص، وإن صحّت معاقبته
بالتعزيرات التي يراها
الإمام مناسبة.أو على نفي
العقوبة ؛ لكونه جاهلًا بالحكم.أو على أنّ الرواية ناظرة إلى الشخص الذي يعبث بذكره بقصد
الاستبراء أو بقصد
الانتشار ليتهيّأ لمقاربة زوجته مثلًا.
اختلف الفقهاء في الاستمناء بالزوجة والأمة على قولين:
الجواز مطلقاً أي بجميع أعضائها،
ذهب إليه بعضهم مستدلّين عليه- مضافاً إلى الأصل،
وانصراف أدلّة التحريم إلى غير الزوجة- بقوله تعالى: «إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ».
ويمكن
استفادته من كلّ من جوّز
الاستمتاع بالزوجة بصورة مطلقة،
بناءً على شموله للاستمناء.
عدم الجواز إذا كان فيه مضيعة للمني.اختاره
العلّامة في
التذكرة ، مستدلّاً عليه بوجود المقتضي للتحريم، وهو
إخراج المني وتضييعه فتشمله الأدلّة.
لكن لعدم
إحراز كون ذلك هو المقتضي وعدم شمول
الآية ؛ إذ لم تخص حفظ الفرج بالزوجة وملك اليمين بالجماع تردد
الشهيد الثاني في المسألة حيث اكتفى بذكر وجه القولين.
وعلى أيّ حال فالأدلّة المقتضية لجواز الاستمتاع بالزوجة وملك اليمين تقتضي جواز ذلك بهذا النحو أيضاً، ولعلّ وضوح ذلك هو السبب في عدم تعرّض الكثير من الفقهاء لهذه المسألة، بل في بعض
الاستفتاءات الجديدة التصريح بجواز الاستمناء بالزوجة.
ولابدّ من الإشارة هنا إلى مسألتين:
الاولى: ما صرّح به بعض الفقهاء من عدم توقّف حرمة الاستمناء على خروج المني،
بل المستفاد من عبارة
المقدّس الأردبيلي الإجماع على ذلك عندما ذكر
احتمال ثبوت التعزير على من استمنى ولم يُمْنِ؛ معلّلًا ذلك بقوله: «لثبوته( التعزير) في مطلق المحرمات، وهذا عندهم كذلك».
لكنّه قد تقدّم عدم صدق الاستمناء من دون إمناء؛ لأنّه كعدم صدق استخراج المعدن من دون خروجه.
المسألة الثانية: أنّ حرمة الاستمناء قد ترتفع بالاضطرار لأيِّ سبب كان، كما لو كانت هناك ضرورة
لإجراء بعض الفحوصات على المني في المختبرات الطبّية؛ فإنّه لا مانع حينئذٍ من الاستمناء؛
لارتفاع الحرمة بسبب
الاضطرار .
لكنّ الجواز لابدّ أن يكون مقيّداً بعدم إمكان الاستمناء بالزوجة، وإلّا فمع إمكانه لا يجوز اللجوء إلى الاستمناء المحرّم.وكذا لا يجوز اللجوء إليه إذا لم تصل الحاجة إلى الاستمناء حدّ
الضرورة .
المستفاد من مجموع كلمات الفقهاء وجوب
الغسل على المرأة بخروج المني منها، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه بين
أصحابنا ،
كما يظهر من آخرين أيضاً حيث نفوا الخلاف فيه.
بل بين
المسلمين ،
وهذا يعني
اتّفاقهم على وجود منيٍّ لها.
وقد استدلّ بعضهم على وجوده بالروايات الواردة في هذا المجال،
ولعلّه يريد الروايات الواردة في مسألة الغسل عند خروج المني من المرأة، كصحيحة
الحسن بن محبوب عن
معاوية قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة- جامعها الرجل أو لم يجامعها، في نوم كان ذلك أو في يقظة- فإنّ عليها الغسل».
وهناك روايات اخرى من هذا القبيل، إلّا أنّها معارضة بروايات تنفي وجوب الغسل عليها، كرواية
عمر بن يزيد عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:... قلت: فإن أمنت هي ولم يدخله، قال: «ليس عليها الغسل».
ورغم
التعارض بين هاتين
الطائفتين من الروايات، إلّاأنّهما تشتركان بصورة غير مباشرة في
إثبات المني عند المرأة، كما اتّضح ذلك من خلال الروايتين الآنفتين.
وقد بُذلت محاولات كثيرة لرفع التعارض بينهما، كحمل الأخبار النافية للغسل على
إحساس المرأة بانتقال المني عن محلِّه من دون ظهوره خارج الفرج، فلا يكون سبباً لحدوث
الجنابة ووجوب الغسل، وحمل الروايات المثبتة للغسل على الظهور خارج الفرج، فيكون سبباً لحدوث الجنابة ووجوب الغسل، فيرتفع التنافي بينهما.
ومهما يكن من أمر فوجود المني عند المرأة يمهّد الطريق
للاعتقاد بإمكان تحقّق الاستمناء عندها، خصوصاً لو صحّ ما نقله بعضهم من توصّل
العلم الحديث إلى وجود منيٍّ عندها كالرجل.
إلّاأنّ من الطريف أن يواجه هذا النقل العلمي بنقل معاكس يؤكّد على نتائج علميّة تنفي وجود المني عندها، فاتّخذ بعضهم ذلك ذريعة للاعتقاد بنظريّة
الانتشاء والاستشهاء عند المرأة دون الاستمناء،
وبالتالي التوصّل إلى عدم حرمة العادة السريّة عند
النساء ؛ لأنّ الدليل إنّما دلّ على تحريم الاستمناء دون الاستشهاء.
وأمّا الروايات المتّفقة على وجود المني عند المرأة فقد حاول التخلّص منها
بافتراض تماشي
الإمام مع ما يتخيّله الراوي ومخاطبته بما يفهمه، لا أنّه يرى أنّها تمني كسائر الرجال. ولكن لو فرضنا صحّة ما توصّل إليه العلم الحديث في هذا المجال، وصحّة التوجيه المذكور للروايات، فإنّ ذلك لا يبرّر
السماح للمرأة بعمليّة الانتشاء، وذلك لسببين:
الأوّل: عدم توقّف التحريم على وجود مني عند المرأة؛ لإمكان
التوسّل بعنوان الخضخضة الوارد في بعض الروايات، فإنّ الخضخضة وإن كانت تطلق على الاستمناء إلّا أنّ أصلها يعود إلى التحريك الذي يصدق عليه عنوان الخضخضة حتى مع عدم وجود منيّ.
الثاني: أنّ الدليل المذكور في حرمة الاستمناء- كقوله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ• إلَّاعَلَى أَزوَاجِهِم»
- يشملها أيضاً؛ لأنّ الاستشهاء لم يكن مع الأزواج حتى يدخل في
الاستثناء ، فيكون الاستشهاء حينئذٍ محرّماً
كحرمة الاستمناء؛ لأنّه كما يكون المستمني غير محافظ على فرجه بعمليّة الاستمناء، فكذلك المرأة لا تكون
محافظة عليه بعمليّة الاستشهاء.ولعلّ الحكم بحرمة الاستمناء بهذا المعنى للمرأة كالرجل متّفق عليه عند الفقهاء.
هناك آثار مترتّبة على الاستمناء، نحاول فيما يلي
الإشارة إليها، ونترك التوسّع فيها إلى محلّه:
المستفاد من
إطلاق كلمات الفقهاء
حكاه الصدوق عن والده في المقنع.
بل صريح غير واحد منهم
نجاسة عرق المستمني، بل ادّعي عليه
الشهرة العظيمة بين
القدماء ،
بل عن جماعة الإجماع عليه،
وإن كان المشهور بين المعاصرين
طهارته ،
بل ادّعي أنّ عليه عامّة
المتأخّرين ،
بل المشهور كما عن بعضهم،
بل ادعى
ابن إدريس الإجماع عليه.
اتّفق الفقهاء على
إفساد الصوم بالاستمناء إذا أدّى إلى
الإنزال ،
من دون فرق بين ما إذا كان بالنظر أو
اللمس أو
الملاعبة أو
السماع ، إلّاما نسب إلى بعضهم
من عدم
البطلان إذا كان بالنظر،
ولكنّه محمول على الإمناء من دون قصد.
واختار بعض البطلان حتى في صورة عدم
القصد ، بل نسب ذلك إلى المشهور.
قال
ابن فهد الحلّي : «الملاعبة والملامسة إن كان مع قصد الإنزال كفّر قطعاً، وإن كان لا معه فكذلك على المشهور».
وفصّل آخر بين الإمناء بالنظر المحرّم والجائز، فذهب إلى بطلانه في الأوّل دون الثاني.
واختار
المحقّق النراقي الإفساد بتعمّد النظر مع
اعتياد الإنزال أو القصد؛ لصدق تعمّد الإنزال، وهو موجب للفساد، ولا يفسد بدونه.
وأمّا إذا لم يؤدّ الاستمناء إلى الإنزال فالحكم فيه يختلف باختلاف المباني، فبناءً على أنّ نيّة القاطع كالقاطع يكون
الإتيان بهذه الامور مبطلًا للصيام كما عليه أكثر المتأخّرين، وإلّا فلا يكون مبطلًا.
ثمّ إنّه على القول بالبطلان يجب
القضاء والكفّارة .
لا خلاف في إفساد الاستمناء
للاعتكاف إذا وقع نهاراً؛
لإبطاله
الصيام الذي لا يصحّ الاعتكاف بدونه.
وكذا إذا وقع ليلًا، بناءً على كونه مستقلّاً في الإفساد بغضّ النظر عن إفساده الصوم؛ وذلك إمّا
لإلحاقه بالجماع الذي يفسد الاعتكاف به ليلًا أو نهاراً،
أو لكون سائر محرّمات الاعتكاف مفسدة له، حتى لو كان صدورها ليلًا، كما اختار ذلك بعضهم.
وأمّا بناءً على عدم
استقلاله فلا يكون وقوعه موجباً للإفساد ليلًا.
وفي ثبوت الكفّارة بالاستمناء لكونه من محرّمات الاعتكاف خلاف، حيث اختار جماعة ثبوتها،
ونفاها آخرون.
ونسبه إلى أكثر المتأخرين.
والبحث هنا تارة في ثبوت الكفّارة
للمحرم إذا استمنى، واخرى في بطلان حجّه إذا وقع في إحرام
الحج .أمّا الكفّارة، فقد صرّح الفقهاء
بأنّ كفّارة الاستمناء فيه بدنة
لو حصل الإنزال،
وادّعى بعضهم
الإجماع عليه.
ولكن قيّد بعضهم الاستمناء بما إذا كان باليد،
كما هو المتبادر
من رواية
إسحاق بن عمّار عن
أبي الحسن عليه السلام قال:قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى، قال: «أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم بدنة والحجّ من قابل».
ولا يشمل الحكم المذكور ما إذا كان الإنزال بدون استمناء، كما لو نظر المحرِم إلى امرأته أو مسّها بلا شهوة فأمنى، فإنّه لا يكون عليه شيء.
نعم، أطلق بعضهم ثبوت الكفارة لو حصل الامناء بالنظر إلى غير الزوجة؛ لأنّه كان بأمر محظور.
واستظهر بعضهم كون الكفارة على النظر المحظور لا على الامناء؛
استناداً إلى موثقة أبي بصير الذي سأل
الامام الصادق عليه السلام عن رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى، قال: «إن كان موسراً فعليه بدنة، وإن كان وسطاً فعليه بقرة، وإن كان فقيراً فعليه شاة»، ثمّ قال: «أما إني لم أجعل عليه لأنّه أمنى، وإنّما جعلته عليه لأنّه نظر إلى ما لا يحل».
لكنه محمول على أنّ النظر المحظور جزء العلة، وجزؤها الآخر الامناء، فلا تثبت الكفارة بدون الإمناء.
وأمّا بالنسبة إلى بطلان الحجّ بالاستمناء وعدمه فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:
أحدهما: البطلان، وهو الذي صرّح به الأكثر،
كالشيخ والقاضي
وابني حمزة وسعيد والمحقق الكركي ،
بل في
المختلف : «كان أفحش من الجماع»،
فمن الأولى أن يكون باطلًا، ومال إليه في
الروضة .
ويدلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار المتقدّم.
ولكن لا يبعد
الاكتفاء في القول به بمورد
الرواية وهو العبث بالذكر، وقوّاه في
الرياض بل اختاره
المحقق النراقي،
ولعلّه هو الوجه في تقييد الاستمناء باليد في عبارات بعضهم.
وينبغي أيضاً تقييد الإفساد بموضع يفسده الجماع، وهو قبل الموقفين
اتّفاقاً.
ثانيهما: عدم البطلان؛
للأصل،
وبراءة الذمّة، ورواية معاوية بن عمّار قال:سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل محرم وقع على أهله فيما دون الفرج، قال: «عليه بدنة، وليس عليه الحجّ من قابل...»،
خصوصاً وأنّ الجماع في غير الفرج أشدّ من الاستمناء؛ لتعلّق أحكام
الزنا به دونه، فهو لا يفسد،
فالمقام بطريق أولى.
وأمّا ما دلّ على الإفساد فهو محمول على شدّة
الاستحباب ،
وتردّد فيه غير واحد من الفقهاء.
هذا كلّه بالنسبة إلى الحجّ. وأمّا
العمرة المفردة فالمستفاد من كلمات الفقهاء- حيث جعلوا حكم المستمني حكم المجامع- وجوب إعادتها في الشهر الداخل
إذا حصل الاستمناء قبل السعي، وإن نفى بعضهم وجوب القضاء فيه.
وهل يجب
إتمامها أو رفع اليد عنها؟لعلّ الشهرة على عدم الوجوب،
وإن ذهب بعضهم إلى الوجوب.
أمّا إذا حصل بعد
السعي فالمعروف عدم الإبطال.
أجمع الفقهاء على معاقبة المستمني وتأديبه بما دون الحدّ الشرعي،
وهو الذي يعبّر عنه اصطلاحاً بالتعزير، وقد استدلّوا عليه بدليلين:
الأوّل: الروايات التي وردت في تأديب المستمني،
كرواية
طلحة بن زيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام اتي برجل عبث بذكره، فضرب يده حتى احمرّت، ثمّ زوّجه من
بيت المال ».
ونحوه خبر زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام.
الثاني: أنّ الاستمناء عمل محرّم، وكلّ ما كان كذلك يعزّر فاعله ؛ لأنّ التعزير ثابت لكلّ من فعل حراماً أو ترك واجباً.
ويمكن استفادة ذلك من مجموعة روايات، من قبيل ما دلّ على أنّ لكلّ شيءٍ حدّاً، وأنّ لمن تجاوز الحدّ حداً،
بناءً على كون المراد من الحدّ التعزير.
نعم، وقع الكلام في امور:
الأوّل: طريقة التعزير وحدودها، إذ هناك عدّة آراء في الطريقة التي يؤدّب بها المستمني:
۱- ما اختاره المشهور من أنّ العقوبة بالتعزير،
وهي موكولة إلى نظر الحاكم وتشخيصه، فهو الذي يحدّد الطريقة التي يعاقب بها المستمني، خصوصاً بعد أن لم يكن هناك نصّ في كيفيّة تعزيره.
۲- ضرب يد المستمني بالدرّة،الدِرّة- بالكسر-: وهي درّة
السلطان التي يضرب بها، عربيّة معروفة.
حتى تحمرّ، اسوة بأمير المؤمنين عليه السلام الذي سلك هذه الطريقة من التأديب،
فلا يصحّ التعدّي عنها إلى غيرها؛ إذ لا دليل على ما زاد عليها.
واورد عليه: بأنّ هذه الطريقة واقعة في ظرف خاصّ رأى الإمام عليه السلام أنّها مناسبة فيه، من دون أن تكون منافية للطرق والكيفيّات الاخرى للتعزير.
۳-
التخيير بين مطلق التعزير وبين ضرب اليد بالدرّة حتى تحمرّ، وهو ما اختاره ابن حمزة عندما قال: «من استمنى بيده عُزّر بما دون التعزير في الفجور، أو ضربت يده بالدرّة حتى تحمرّ».
الثاني: اشتراط التعزير بخروج المني بعد الاستمناء، حيث أطلق أكثر الفقهاء عقوبة الاستمناء من دون تقييدها بخروج المني،
بينما قيّدها به جماعة.
ويمكن أن يكون مراد المطلقين
التقييد ؛ لعدم صدق الاستمناء بمجرّد طلب المني من دون خروجه؛ لأنّه كالسعي لاستخراج المعدن مع عدم تحصيله، فإنّه لا يسمّى استخراجاً.
وعلى أيّ حال فإن كان إطلاق الأكثر دليلًا على عدم تقييد التعزير بالإنزال كشف ذلك عن وجود رأيين متقابلين في المسألة، ولعلّ منشأهما ما ذكره المقدّس الأردبيلي من وجود وجهين في المسألة، حيث قال- ما حاصله-: إنّه مع عدم تحقّق الإمناء يحتمل عدم ثبوت التعزير؛ للأصل والتبادر، ولخبر التعزير بالدرّة.
وأمّا إطلاق بعض الأخبار في هذا المجال فتحمل عليه وتقيّد به.ويحتمل ثبوت التعزير؛ لعدم المنافاة بين الخبرين بعد أن كان كلاهما مثبتين، ولأنّ التعزير ثابت لمطلق المحرّمات، والاستمناء من دون إمناء محرّم عند علمائنا.
ويظهر من المحقق الأردبيلي التردّد في ترجيح أحد هذين
الاحتمالين على الآخر.ولابدّ من الإشارة إلى أنّ التعزير على فرض ثبوته في حالة عدم الإمناء يحتمل أن يكون أخفّ عقوبة ممّا لو كان مع الإمناء.
الثالث: توقّف التعزير على العلم بحرمة الاستمناء، فقد ذكر بعضهم أنّ تعزير المستمني يتوقّف على علمه بحرمة الاستمناء، فمع جهله بها لا تجري العقوبة في حقّه، فلابدّ من
إعلامه -
ابتداءً - بالحكم الشرعي ثمّ معاقبته إن عاد إلى الاستمناء مرّة اخرى.
وقد حمل بعضهم رواية زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام: «ناكح نفسه لا شيء عليه»
على عدم تعزير المستمني الجاهل بالحرمة،
كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۲۱۷-۲۳۱.