الإرفاق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو نفع
الغير والتلطّف به ويراد منه نوع من
الإقطاع.
الإرفاق مصدر أرفق،
والمعاملة برفق،
والرفق ضدّ
العنف، يقال: رفق بالأمر وله وعليه يَرْفُق رِفقاً، ورَفُق يَرفُقُ ورَفِقَ: لطف، ورَفَقَ بالرجل وأَرْفَقَه بمعنى، وكذلك ترفّق به.
يرد الإرفاق في
الفقه بنفس
معناه اللغوي.
نعم، قد يرد ويراد منه نوع من
الإقطاع، بمعنى أنّ
الحاكم الإسلامي يقطع لشخص موضعاً من
الطرق الواسعة ورحاب الجوامع ومقاعد الأسواق يجلس فيه وينتفع به
ببيع أو
شراء أو نحو ذلك،
إلّا أنّ تفصيل هذا
المعنى في مصطلح (ارتفاق) و (إقطاع).
يأتي الإرفاق في
الكثير من
أبواب الفقه ومسائله بعنوان كونه
حكمة لحكم تارة، ومتعلّقاً لحكم تارة اخرى.
الإرفاق بعنوان كونه حكمة لحكم- فأمثلته كثيرة، بل يمكن
القول بأنّ الحكمة من أصل تشريع الأحكام هي الإرفاق بمعنى نفع الغير والتلطّف به؛ إذ لا شكّ في أنّ هدف
التشريع هو
تكامل الإنسان من خلال
سيره إلى اللَّه تعالى وإخلاص
العبوديّة له
بالائتمار بأوامره والانتهاء بنواهيه، فيدرك بذلك
سعادة الدارين، هذا من جهة.
ومن جهة اخرى نجد أنّ
الشريعة المقدّسة سهلة سمحاء، ومن أهمّ الامور التي يدور
التكليف مدارها هي
القدرة والرشد، فلا تكليف على عاجز، ولا على غير رشيد
لصغر أو
جنون أو غير ذلك، وكذا لا تبعة على
ناسٍ أو
مضطرّ أو
جاهل وغير ذلك ممّا رفع عن امّة
محمّد صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الحديث
المعروف بحديث الرفع.
وقد دلّت على هذا المعنى الكثير من
الآيات كقوله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»،
وقوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها».
هذا، مضافاً إلى أنّ بعض الأحكام قد صرّح الفقهاء بمناسبة أو باخرى بأنّ الحكمة منها هي
التسهيل والإرفاق بالمكلّف.
ومن ذلك على سبيل
المثال لا
الحصر تشريع
الزكاة والخمس إرفاقاً
بالفقراء والمساكين،
ونهي
الشارع عن أخذ كرائم الأموال في الزكاة إرفاقاً
بالمالك،
ووجوب الإفطار،
وقصر الصلاة
في
السفر إرفاقاً بالمسافر،
واستحباب عدم
الإطالة في
صلاة الجماعة إرفاقاً
بالضعفاء،
وفي ذلك روايات كثيرة.
وجواز جلوس
المرأة المحرمة تحت
الظلّ إرفاقاً بها،
ومنع
المورِّث من
الوصيّة بأكثر من
الثلث إرفاقاً بالوارث.
وفي
المعاملات ذكر بعضهم: أنّ الشارع جعل
خيار الحيوان ثلاثة أيّام إرفاقاً بالمشتري،
وحقّ
الشفعة إرفاقاً للشفيع بدفع ضرر الشركة عن نفسه.
وذكر آخر: أنّ
الصلح شرّع للسهولة والإرفاق بالناس ليسهل
إبراء ذممهم.
وثالث أنّ
الضمان عقد إرفاقي
ومساعدة للمضمون عنه.
ورابع أنّ
الحوالة معاوضة إرفاق
ومسامحة للحاجة،
وغير ذلك.
الإرفاق الذي يأتي في الفقه بعنوان كونه متعلّقاً لحكم شرعي- فالمناسب ذكر موارده هنا على نحو
الإجمال مع
إحالة كلّ مورد إلى محلّ تفصيله من
الموسوعة، وهي كالتالي:
يستحبّ لصاحب
الدين الإرفاق بالمديون وترك
الاستقضاء في
مطالبته ومحاسبته؛
لما رواه
حمّاد بن عثمان، قال: دخل رجل على
أبي عبد اللَّه عليه السلام فشكى إليه رجلًا من
أصحابه، فلم يلبث أن جاء المشكو، فقال له أبو عبد اللَّه عليه السلام:
«ما لفلان يشكوك؟» فقال: يشكوني أنّي استقضيت منه حقّي، قال: فجلس أبو عبد اللَّه عليه السلام
مغضباً ثمّ قال: «كأنّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ، أ رأيتك ما حكى اللَّه عزّ وجلّ: «وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» ؟
أ ترى أنّهم خافوا اللَّه أن يجور عليهم؟! لا واللَّه ما خافوا إلّا الاستقضاء، فسمّاه اللَّه عزّ وجلّ سوء الحساب، فمن استقضى فقد أساء»،
وغيره من الروايات.
وكذا يستحب له إنظاره وتحليله؛ للآية
الكريمة: «وَ إِنْ كانَ ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»
وللروايات.
نعم، قد يجب
الانظار مع ثبوت
الإعسار على تفصيل يذكره الفقهاء.
يستحبّ الإرفاق
بالميّت في
تجهيزه وتشييعه ودفنه، فيكره حال
تغسيله إقعاده وعصره، ويستحبّ تليين
أصابعه برفق وتركها مع التعسّر.
كلّ ذلك للروايات التي منها: ما رواه
عثمان النوا عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إذا غسّلت ميّتاً فارفق به ولا تعصره...»،
وغيرها.
وفي حالة التشييع يكره
الإسراع بالجنازة بما زاد عن
المعتاد إلّا في حال الضرورة؛ لما روي عن
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «عليكم بالقصد في
المشي بجنازتكم»،
أو ما يقرب من ذلك.
وممّا يستحبّ في حالة
إنزاله إلى
القبر السبق برأسه كما خرج إلى
الدنيا وإنزاله برفق؛
لما عن
الإمام الرضا عليه السلام: «الميّت يسلّ من قبل
رجليه، ويرفق به إذا ادخل قبره».
ولقول
الإمام الصادق عليه السلام في خبر
محمّد بن عجلان: «سلّه سلّاً رفيقاً».
حثّت الشريعة المقدّسة على الإرفاق
بالحيوان، سواء في
الإنفاق عليه أو الانتفاع به أو
ذبحه أو غير ذلك، وإليك هذه الموارد إجمالًا مع
التنبيه على محالّ تفصيلها:
الاوَل- الإرفاق بالحيوان في النفقة:
تجب
النفقة على
البهائم المملوكة سواء كانت مأكولة
اللحم أو لم تكن، وسواء انتفع بها أو لا، بمقدار ما تحتاج إليه من أكل وسقي ومكان، فإن اجتزأت بالرعي فذلك وإلّا
علفها، وإن امتنع أجبر على بيعها أو ذبحها- إن كانت ممّا يقصد بالذبح- أو الإنفاق عليها.
وأيضاً ممّا ورد في
الرأفة بالحيوان في
إطعامه وسقيه قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ليلة اسري بي مررت على
النار، فرأيت امرأة تعذّب، فسألت عنها، فقيل: إنّها ربطت
هرّة ولم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من
حشائش الأرض حتى ماتت، فعذّبها بذلك.
وكذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: واطّلعت على
الجنّة فرأيت امرأة
مومسة- يعني
زانية- فسألت عنها، فقيل: إنّها مرّت
بكلب يلهث من
العطش، فأرسلت
إزارها في
بئر فعصرته في
حلقه حتى روى، فغفر اللَّه لها.
وتفصيل ذلك في مصطلح (حيوان).
الثاني- الإرفاق بالحيوان عند الانتفاع:
وردت في هذا
المجال روايات كثيرة بحيث عقد لها
الشيخ الحرّ العاملي باباً في
الوسائل أسماه: باب حقوق
الدابّة المندوبة والواجبة،
منها: ما رواه الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: للدابّة على صاحبها خصال:يبدأ بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها
الماء إذا مرّ به، ولا يضرب
وجهها فإنّها تسبّح
بحمد ربّها، ولا يقف على ظهرها إلّا في
سبيل الله، ولا يحمّلها فوق
طاقتها، ولا يكلّفها من
المشي إلّا ما تطيق».
الثالث - الإرفاق بالحيوان عند الذبح:
ذكر الفقهاء
ضمن أحكام الذبح مجموعة من
المستحبّات والمكروهات تدلّ على استحباب الرفق بالحيوان عند ذبحه كاستحباب
سوقه إلى المذبح برفق
وضجعه برفق وعرضه على الماء قبل الذبح، وتحديد
الشفرة وسرعة الفعل، ومواراة الشفرة عنه، وترك الذبيحة في مكانها، وعدم تحريكها ولا جرّها من
مكان إلى آخر إلى أن
تفارقها الروح، وغير ذلك، كلّ ذلك لموافقته
لإراحة الحيوان
وإحسان الذبح المأمور به في
الأخبار، ولترك
التعذيب المنهي عنه،
وللرفق المأمور به في المروي في
دعائم الإسلام: «يرفق بالذبيحة ولا يعنّف بها قبل الذبح ولا بعده».
وأمّا المكروهات فمنها: الذباحة
ليلًا إلّا مع
الضرورة؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام في خبر
أبان بن تغلب «كان
علي بن الحسين عليه السلام يأمر
غلمانه أن لا يذبحوا حتى يطلع
الفجر ويقول: إنّ اللَّه عزّ وجلّ جعل الليل
سكناً لكلّ شيء»، قال: قلت:جعلت فداك، فإن خفنا؟ قال: «إن كنت تخاف الموت فاذبح».
ومنها: نخع الذبيحة، بمعنى
إصابة نخاعها حين الذبح،
وكسر الرقبة قبل
البرد؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام في حديث
الحلبي: «... ولا ينخع ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة».
ومنها: كراهة أن تقلب
السكّين فيذبح إلى فوق؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام في خبر
حمران بن أعين: «ولا تقلب السكّين لتدخلها تحت
الحلقوم وتقطعه إلى فوق...».
ومنها: أن يُذبح حيوان وآخر ينظر إليه، وأن يسلخ الحيوان قبل برده.
إلى غير ذلك من المستحبّات والمكروهات التي يختصّ بعضها
بالإبل في حالة
النحر، وبعضها
بالطير أو
الغنم أو
البقر، ممّا يدلّ على استحباب الإرفاق بالحيوان. وتفصيل ذلك في محالّه.
ذكر بعض
الفقهاء استحباب
الرفق بالمريض، وأن يلي تمريضه أرفق أهله وأعلمهم بتدبيره؛
لأنّه أقرب إلى رجاء الصلاح والتداوي.
الزوج وإن ثبت له حقّ
الطاعة بالنسبة
للزوجة في الكثير من الأمور التي حدّدتها
الشريعة والتي من أهمّها
التمكين وعدم الخروج من
المنزل إلّا
بإذنه وغير ذلك، إلّا أنّه لا شكّ في أنّ
التساهل والإرفاق في
استعمال هذا الحقّ مع
الإمكان أفضل، من هنا صرّح بعض الفقهاء باستحباب أن يأذن الزوج للزوجة في حضور موت
أبويها أو غيرهما من
أقاربها؛ لما فيه من الإرفاق
والتأليف وجبر القلوب
والإعانة على
صلة الرحم.
يستحبّ الرفق بملك
اليمين،
بل ذكر بعضهم أنّ عقد
الكتابة جعل إرفاقاً بالمكاتب.
ومن ذلك
رجحان إجابة الرقيق إذا طلب
النكاح من
المولى؛ لأنّه- مضافاً إلى أنّ ذلك يعفّه ويكفّه عن الزنا- فيه إرفاق به.
أفتى بعض الفقهاء بكراهة
الربح على
المؤمن إلّا مع
الضرورة، هذا إذا اشترى منه للقوت وكان بمائة
درهم فصاعداً، أمّا لو اشترى منه
للتجارة فلا بأس بالربح عليه.
نعم، يستحبّ
الرفق به حينئذٍ؛
لقول الإمام الصادق عليه السلام: «ربح المؤمن على المؤمن ربا، إلّا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة، فاربحوا عليهم وارفقوا بهم».
هذه بعض الموارد، وهناك موارد اخرى قد يتعرّض لها في مصطلح (رفق).
الموسوعة الفقهية ج۱۰، ص۲۶۱-۲۶۷.