قصاص النفس
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فالكلام في قصاص النفس يقع في فصول:
موجب قصاص النفس،
قصاص شركاء الجناية،
شروط قصاص النفس،
ثبوت موجب قصاص النفس،
استيفاء القصاص.
في القود في النفس ، وهو بفتح الواو القصاص ، يقال : أقدت القاتل بالقتيل أي قتلته به ، وسمّي قوداً لأنّهم يقودون الجاني بحبل أو غيره ، قاله الأزهري
.
•
موجب قصاص النفس، والقود موجبه: ازهاق البالغ العاقل النفس المعصومة المكافئة عمدا؛ ويتحقق العمد
بالقصد إلى القتل بما يقتل ولو نادرا
؛ أو
القتل بما يقتل غالبا وإن لم يقصد القتل
؛ ولو قتل بما لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل فاتفق، فالاشهر: أنه خطأ كالضرب بالحصاة والعود الخفيف
؛ أما الرمي بالحجر الغامز أو بالسهم المحدد فانه يوجب القود لو قتل؛ وكذا لو القاه في
النار أو ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله فمات؛ وكذا لو ألقاه إلى
الحوت فابتلعه أو إلى
الآسد فافترسه لانه كالآلة عادة؛ ولو أمسك واحد وقتل الآخر ونظر الثالث، فالقود على القاتل، ويحبس الممسك أبدا، وتفقأ عين الناظر
؛ ولو أكره على القتل
فالقصاص على القاتل، لا المكره؛ وكذا لو أمره بالقتل، فالقصاص على المباشر ويحبس الآمر أبدا
؛ ولو كان المأمور عبده، فقولان، أشبههما أنه كغيره؛ والمروي: يقتل به السيد
؛ قال في
الخلاف: ان كان العبد صغيرا أو مجنونا سقط القود ووجبت
الدية على المولى
؛ ولو جرح جان فسرت الجناية دخل
قصاص الطرف في
النفس، أما لو جرحه وقتله، فقولان: أحدهما لا يدخل قصاص الطرف في النفس
، والآخر: يدخل
، وفي
النهاية، ان فرقه لم يدخل
، ومستندها
رواية محمد بن قيس، وتدخل
دية الطرف في
دية النفس اجماعا.
•
قصاص شركاء الجناية، مسائل أربع من مسائل الاشتراك في الجناية، الأولى: لو اشترك جماعة في قتل حر
مسلم فللولي قتل الجميع، ويرد على كل واحد ما فضل من ديته عن جنايته، وله قتل البعض ويرد الآخرون قدر جنايتهم فان فضل للمقتولين فضل قام به الولي وان فضل منهم كان له
؛ الثانية: يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص في النفس، فلو قطع يده جماعة كان له
التخيير في قطع الجميع ويرد فاضل
الدية، وله قطع البعض ويرد عليهم الآخرون
؛ الثالثة: لو اشتركت في قتله امرأتان قتلتا ولا رد إذ لا فاضل لهما، ولو كان أكثر رد الفاضل إن قتلهن، وإن قتل بعضا رد البعض الآخر
، ولو اشترك رجل وامرأة فللولي قتلهما ويختص الرجل بالرد
،
والمفيد: جعل الرد اثلاثا
، ولو قتل الرجل ردت عليه نصف ديته، ولو قتل المرأة فلا رد له وله مطالبة الرجل بنصف الدية؛ الرابعة: لو اشترك حر وعبد في
قتل حر عمدا، قال في
النهاية له قتلهما ويرد على سيد العبد نصف قيمته، وله قتل الحر ويرد عليه سيد العبد خمسة آلاف درهم أو يسلم العبد اليهم أو يقتلوا العبد وليس لمولاه على الحر سبيل
؛ والحق أن نصف
الجناية على الحر، ونصفها على العبد
، فلو قتلهما الولي رد على الحر نصف ديته وعلى مولى العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية ولو قتل الحر رد مولى
العبد عليه نصف الدية أو دفع العبد ما لم تزد قيمته عن النصف فتكون الزيادة للمولى؛ ولو قتل العبد رد على المولى ما فضل عن نصف الدية ان كان في العبد فضل
؛ ولو قتلت امرأة وعبد فعلى كل واحد منهما نصف الدية؛ فلو قتل العبد وكانت قيمته بقدر جنايته فلا رد فان زادت ردت على مولاه الزيادة
.
•
شروط قصاص النفس، القول في الشرائط المعتبرة في القصاص، وهي خمسة:
•
الحرية والرقية في قصاص النفس، التساوي في
الحرّية والرقية: فيقتل الحر بالحر
ولا رد، وبالحرة مع الرد، والحرة بالحرة وبالحر
؛ ويقتل العبد بالعبد، والأمة بالأمة وبالعبد؛ ولا يقتل الحر بالعبد بل يلزمه قيمته لمولاه يوم
القتل، ولا يتجاوز
دية الحر
؛
ودية المملوكة قيمتها ما لم تتجاوز به الحرة
؛ وكذا لا يتجاوز بدية عبد الذمي دية الحر منهم؛ ولا بدية الأمة دية الذمية
؛ ولو قتل العبد حرا لم يضمن مولاه
، وولي الدم
بالخيار بين قتله واسترقاقه
، وليس للمولى فكه مع كراهية الولي؛ ولو قتل عبدا مثله عمدا فان كانا لواحد فالمولى بالخيار بين الاقتصاص والعفو
.
•
الدين في قصاص النفس، يشترط في
قصاص النفس التساوي في الدين؛ فلا يقتل
المسلم بكافر، ذميا كان أو غيره
، ولكن يعزر ويغرم دية
الذمي؛ ولو اعتاد ذلك جاز الاقتصاص مع رد فاضل دية المسلم
؛ ويقتل الذمي بالذمي وبالذمية بعد رد فاضل ديته؛ والذمية بمثلها وبالذمي ولا رد
؛ ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول، ولهم
الخيرة بين قتله واسترقاقه
؛ وهل يسترق ولده الصغار؟ الأشبه: لا
؛ ولو أسلم بعد
القتل كان كالمسلم
؛ ولو قتل خطأ لزمت
الدية في ماله
؛ ولو لم يكن له مال كان
الإمام عاقلته دون قومه
.
•
النسب والقرابة في قصاص النفس، أن لا يكون القاتل أباً للمقتول، فلو قتل ولده لم يقتل به
، وعليه الدية
، والكفارة والتعزير
؛ ويقتل الولد بأبيه؛ وكذا الأم تقتل بالولد، وكذا الأقارب؛ وفي قتل الجد بولد الولد تردد
. ومقتضى
إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في الحكم بعدم قتل الوالد بالولد بين كونه ذكراً أو أُنثى، وكون الوالد مساوياً لولده في
الدين والحرّية أم لا، وبه صرّح جماعة من أصحابنا
.
•
كمال العقل في قصاص النفس، فلا يقاد المجنون
، ولا الصبي
، وجنايتهما عمدا وخطأ على العاقلة، وفي رواية يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا
، وفي أخرى: اذا بلغ خمسة أشبار
، وتقام عليه
الحدود، والأشهر: ان عمده خطأ حتى يبلغ
التكليف؛ أما لو قتل العاقل ثم جن لم يسقط
القود؛ ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الأشبه
؛ ولا يقتل العاقل بالمجنون
؛ وتثبت
الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها؛ وعلى العاقلة إن كان خطأ؛ ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا
، وفي
رواية: ديته من
بيت المال؛ ولا قود على النائم وعليه الدية؛ وفي الأعمى تردد، أشبهه: أنه كالمبصر في توجه القصاص
، وفي رواية
الحلبي عن
أبي عبدالله (عليه السلام): أن جنايته خطأ يلزم العاقلة فان لم يكن له عاقلة فالدية في ماله تؤخذ في ثلاث سنين
، وهذه فيها مع الشذوذ تخصيص لعموم
الآية.
•
محقون الدم في قصاص النفس، أن يكون المقتول محقون الدم شرعاً، أي غير مباح
القتل شرعاً، فمن أباح
الشرع قتله
لزناء أو
لواط أو
كفر لم يقتل به قاتله وإن كان بغير إذن
الإمام؛ لأنّه مباح
الدم في الجملة، وإن توقّفت المباشرة على إذن الحاكم، فيأثم بدونه خاصّة. ولو قتل من وجب عليه
القصاص غير الوليّ قتل به؛ لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره
.
•
ثبوت موجب قصاص النفس، وهو أُمور ثلاثة:
الإقرار، أو
البيّنة عليه أو
القسامة وهي
الأيمان.
•
الإقرار في قصاص النفس، يكفي في
الإقرار المرة
، وبعض الأصحاب يشترط التكرار مرتين
؛ ويعتبر في المقر:
البلوغ،
والعقل،
والاختيار،
والحرية؛ ولو أقر واحد بالقتل عمدا والآخر خطأ تخير الولي تصديق أحدهما
؛ ولو أمر واحد بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الأول درئ عنهما
القصاص والدية، وودي من
بيت المال، وهو قضاء
الحسن بن علي (علیهماالسّلام).
•
البينة في قصاص النفس،
البينة: شاهدان عدلان، ولا تثبت
بشاهد ويمين، ولا بشاهد وامرأتين؛ ويثبت بذلك ما يوجب الدية: كالخطأ، ودية الهاشمة، والمنقلة، والجائفة، وكسر العظام؛ ولو شهد اثنان أن القاتل زيد، وآخران أن القاتل عمرو، قال
الشيخ في
النهاية يسقط
القصاص ووجبت الدية نصفين
؛ ولو كان خطأ كانت
الدية على عاقلتهما، ولعله احتياط في عصمة الدم لما عرض من تصادم البينتين؛ ولو شهد بأنه قتله عمدا، فأقر آخر أنه هو القاتل دون المشهود عليه، ففي رواية
زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام): للولي قتل المقر، ثم لا سبيل على المشهود عليه، وله قتل المشهود عليه ويرد المقر على أولياء المشهود عليه نصف الدية، وله قتلهما ويرد على أولياء المشهود عليه خاصة نصف الدية
، وفي قتلهما اشكال، لانتفاء العلم بالشركة؛ وكذا في الزامهما بالدية نصفين لكن
الرواية من المشاهير.
•
القسامة، هي
الأيمان التي تُقسم على الأولياء في الدم، ولا تثبت القسامة الا مع اقتران دعوى قتل لقتيل وجد في موضع ولا يعرف قاتله باللوث وقد دلت عليها الكثير من الروايات، وعددها في
القتل العمد خمسون يميناً، وفي
القتل الخطأ وقتل الشبهة خمسة وعشرون يميناً.
•
استيفاء القصاص، القول في كيفية الاستيفاء:
قتل العمد يوجب
القصاص، ولا تثبت الدية فيه إلا صلحا، ولا تخير للولي
، ولا يقضى بالقصاص ما لم يتيقن التلف بالجناية، وللولي الواحد المبادرة بالقصاص
، وقيل يتوقف على إذن الحاكم
؛ ولو كانوا جماعة توقف على الاجتماع
؛ قال
الشيخ: ولو بادر أحدهم جاز
، وضمن
الدية عن حصص الباقين
؛ ولا قصاص إلا بالسيف أو ما جرى مجراه؛ ويقتصر على ضرب العنق غير ممهل ولو كانت الجناية بالتحريق أو التغريق أو الرضخ بالحجارة
؛ ولا يضمن سراية القصاص ما لم يتعد المقتص
.
•
مسائل استيفاء القصاص، وهنا مسائل أربع، الاولى: لو اختار بعض الأولياء
الدية فدفعها القاتل لم يسقط
القود على الأشبه
، وللآخرين القصاص بعد أن يردوا على المقتص منه نصيب من فاداه، ولو عفا البعض لم يقتص الباقون حتى يردوا عليه نصيب من عفا
؛ الثانية: لو فر القاتل حتى مات، فالمروي: وجوب الدية في ماله، ولو لم يكن له مال أخذت من الأقرب فالأقرب
، وقيل: لا دية
؛ الثالثة: لو قتل واحد رجلين أو رجالا قتل بهم، ولا سبيل إلى ماله، ولو تراضوا بالدية فلكل واحد دية
؛ الرابعة: اذا ضرب الولي الجاني وتركه ظنا أنه مات فبرأ
، ففي
رواية يقتص من الولي ثم يقتله الولي أو يتتاركان
، والراوي
أبان بن عثمان، وفيه ضعف مع إرسال الرواية
، وغيرهم
، والوجه: اعتبار الضرب، فإن كان بما يسوغ به الاقتصاص لم يقتص من الولي؛ ولو قطع صحيح مقطوع اليد، فأراد الولي قتله رد دية اليد إن كانت قطعت في
قصاص أو أخذ ديتها، وإن شاء طرح دية اليد وأخذ الباقي، وإن ذهبت من غير جناية جناها ولا أخذ لها دية كاملة قتل قاتله ولا رد، وهي رواية
سورة بن كليب عن
أبي عبدالله (عليهالسلام).
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۱۸۱-۳۱۸.