و الفرق بين أهل الحلّ و العقد وأهل الخبرة في كفاية القدرة والنفوذ بين الناس في أهل الحلّ والعقد وإن كانوا جهّالًا لا علم لهم، بخلاف أهل الخبرة فإنّه لابدّ من توفّر صفة العلم والخبرة فيهم، وكثيراً مّا تمكّنهم هذه الصفة للارتقاء إلى مستوى الحلّ والعقد بسبب توجّه الناس إليهم والتفافهم حولهم.
فالعلاقة بين الاصطلاحين علاقة العموم و الخصوص من وجه، فيلتقون في موارد ويفترقون في اخرى.
نعم، ذكر بعض فقهاء الجمهور
أمّا الجهة الشرعية لأهل الشورى فهي أن يمنح القانون بعض الأفراد حقّ التشاور لتقديم نتائج نهائية تقوم على رأي أغلبيتهم، وتكون هذه النتائج ملزمةً أحياناً وغير ملزمة في أحيان اخرى، وفقاً لموقف القانون من ذلك.
ومن نماذجهم ما يعرف في عصرنا بالمجالس النيابية وتعيين هؤلاء ومدى إلزامية آرائهم على سائر مؤسسات الدولة ينظر فيه مصطلح شورى، ولاية.
والفرق بين أهل الشورى وأهل الحلّ والعقد في أنّ أهل الشورى يكونون عادة وفقاً لسماتهم العلمية والخبروية أو وفقاً لانتخابهم من قبل الشعب أو أيّ جهة اخرى.
أمّا أهل الحلّ والعقد فقد لا يملكون جميعاً صفة العلمية والخبروية أو لا يكونون مختارين من قبل طرفٍ آخر، لكنّ أوضاعهم المالية أو الاجتماعية أو الطبقية تفرض قدرتهم على النفوذ في أكثر من مجال من مرافق الحياة السياسية والاجتماعية.
راج مصطلح أهل الحلّ والعقد في فقه الجمهور أكثر من رواجه في فقه الإمامية، ونحاول هنا أن نشير إلى بعض ما يرتبط به ولو في فقه الجمهور لتحديد موقف الفقه الإمامي منه على ضوء ذلك، ونوضح هذا الأمر - إجمالًا- كما يلي:
وإذا تعدّد الفقهاء تعيّن أفضلهم علماً و ورعاً و معرفة بامور المسلمين، فإن بايعه الناس وقدّموه على غيره صار هو الولي الحاكم، وإن اختلفوا عيّنه أهل الحلّ والعقد من الفقهاء- المعبّر عنهم في دستور الجمهورية الإسلامية - بخبراء القيادة ، فإنّ الأخذ برأيهم أوفق بقواعد الحكمة و المنطق ، وأقرب إلى قوله سبحانه وتعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ».
إلّاأنّه من الواضح أنّ هناك فرقاً بين مفهوم خبراء القيادة وأهل الحلّ والعقد؛ لأنّ خبراء القيادة بعض أهل الحلّ والعقد، لا جميعهم، فلا يصحّ القول بأنّ أهل الحلّ والعقد هم الذين يختارون الحاكم الشرعي من بين الأفراد المتعدّدين بقول مطلق .
وهناك فرق آخر هو المهم ، وهو أنّ خبراء القيادة- كما يظهر من عنوان الخبراء- يكون دورهمتشخيص الأكفّاء لولاية الأمر من بين الفقهاء العدول ، فيكون قولهم حجة و نافذاً على الآخرين باعتباره قول أهل الخبرة، وحيث إنّ المسألة خطيرة فلا يكتفى فيه بقول خبير واحد أو خبيرين، بل لابدّ من مجلس الخبراء الذي يضمّ أكبر مجموعة ممكنة منهم، ويكون انتخابهم من قبل الناس؛ لأنّهم يريدون تشخيص ما يرجع إلى شأن خطير من شؤونهم ، فكما يكون اختيار الخبير في المرافعات بيد أطرافالنزاع كذلك يناسب أن يكون اختيار الخبراء في شأن خطير من شؤونهم راجعاً إليهم، فالحاصل مجلس الخبراء للقيادة يمكن تخريجهم بأحد نحوين:
۱- أنّه انتخاب من قبل الشعب لانتخاب القيادة.
۲- أنّه اختيار من قبل الشعب للخبراء لكي يشخّصوا من هو الأكفأ من بين الواجدين لشرائط القيادة، وبين التفسيرين فرق.
نعم، من الناحية النظرية إمّا أن يلتزم بأنّ ولاية الحاكم لا تحتاج في مقام شرعيتها و فعليتها إلى رأي أحد، فيكون من اجتمعت فيه الصفات هو الإمام على المسلمين بتصدّيه ، فلا يحقّ لأحد مزاحمته بعد تصدّيه و حيازته للشرائط الشرعية.
أو يلتزم بأنّ ولايته متفرّعة- إلى جانب جامعيته للشرائط- على قبول الشعب، وهنا إمّا أن يجري انتخابه من قبل الشعب بالانتخاب المباشر ، أو عبر الواسطة التي هي مجلس خبراء القيادة، أو أيّ مجلس آخر مفترض .
وفي هذه الحال يقال: إنّ أهل الحلّ والعقد إذا كانوا يمثّلون في المجتمع آراء الناس- كشيوخ العشائر بالنسبة لأفراد العشيرة - كانوا جميعاً- أو المقدار المحرز تمثيله لرأي الشعب- هم الجهة المخوّلة لتعيين الحاكم، وفي حال اختيار الشعب لبعضهم فقط ليتولّى هذه المهمّة، كما هي الحال في مجلس خبراء القيادة، يكون بعضهم هو المتولّي في هذا الأمر لا جميعهم.
وكما يشارك أهل الحلّ والعقد- في الجملة - في تعيين الحاكم كذلك يشاركون في عزله الخارجي بعد انعزاله الواقعي بفقدان بعض الشروط فيه، فإنّهم حيث يملكون النفوذ الاجتماعي والسياسي يقع على عاتق كلّ منهم مسؤولية عزل الحاكم غير الشرعي لتهيئة الظروف للحاكم الشرعي الجديد.
وإذا تمّ الالتزام بأنّ أهل الحلّ والعقد يشاركون في اختيار الحاكم من موقع تعبيرهم عن رأي الشعب، فلا حاجة فيهم إلى شرط العدالة ولا العلم ولا غيره ممّا ذكر في فقه الجمهور ؛ لأنّ العبرة برأي الشعب حينئذٍ، مع الأخذ بعين الاعتبار اختيارهم أحد من هو من جامعي شرائط الحاكمية حسب الفرض .
ومنها: أنّ أهل الحلّ والعقد يتحمّلون المسؤولية الكبرى في نشر الإسلام و إقامة الشعائر و نصرة الحقّ و الدفاع عن المظلوم وقضاء حوائج الناس وغير ذلك من أعمال البرّ ؛ لما يتمتّعون به من القدرة و الجاه والنفوذ بين الناس، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «يسأل المرء عن جاهه كما يسأل عن ماله، يقول: جعلت لك جاهاً، فهل نصرت به مظلوماً، أو قمعت به ظالماً، أو أغثت به مكروباً ؟!».
وهذا معناه لزوم استخدامهم لسلطاتهم ونفوذهم في كلّ مواقع الحقّ ورفض الباطل . ومن ذلك مساهمتهم في وضع و إجراء القوانين التنفيذية في المجتمع وسعيهم لتطبيقها أو تشريعها تحت إطار القواعد الشرعية العامة.
ذكرنا أنّ بعض فقهاء الجمهور شرطوا في أهل الحلّ والعقد شروطاً، منها: العلم والعدالة و العدد الخاص، وبيّنا أنّ هذه الشروط غير مطّردة .
لكن إذا التزم فقهيّاً بأنّ الذين يعينون الحاكم- أي أهل الاختيار- ليسوا مطلق الشعب أو من يمثّله، وإنّما خصوص من يتمكّنون من تشخيص الأفضل من الشرائط المأخوذة في الحاكم، فهنا يجب أن يكونوا من أهل العلم والخبرة والعدالة في الشأن المتّصل باختيار الحاكم، سواء على المستوى الشرعي أم على المستوى العملي.
ولم يأخذ الفقه الإمامي عدداً خاصاً في أهل الاختيار من أهل الحلّ والعقد، وإنّما هي قضية متغيّرة تختلف باختلاف الزمان و المكان والظرف والحال.
نعم، في أهل الحلّ والعقد في غير شؤون اختيار الحاكم تتناسب الشروط مع طبيعة المورد، ففي الإجماع يجب أن يكونوا فقهاء عدول بحيث يبلغون في العدد حدّاً يكشف عن موقف المعصوم ، وفي الشؤون العملية التفصيلية - مثل المجالس البلدية والنيابية وأمثالها- لا تشترط الفقاهة بل تؤخذ الشروط الشرعية و العقلائية التي تتطلّبها طبيعة المهمّة، وهي امور تختلف أيضاً زماناً ومكاناً وظرفاً وحالًا.
و الظاهر أنّ مراده أنّ العبرة بالإجماع ليس أن يتّفق عليه آحاد المسلمين جميعاً، وإنّما يتحقّق بأهل الحلّ والعقد، وهنا لا يُقصد من هذا المصطلح مطلق أهل النفوذ، بل خصوص الفقهاء الذين هم أهل الحلّ والعقد في القضايا الدينية والشرعية.
وهذا ما عليه اصول الفقه الإمامي من أنّ الإجماع يلاحظ من خلال كلمات الفقهاء لا غيرهم.
نعم، السيرة المتشرعية قد تلاحظ عبر مواقف عامة المتشرّعة في عصر النص ولو لم يكونوا فقهاء.