ومراد الفقهاء من اتّحاد السبب المتداول بينهم اتّحاد موجب الحكم في مرحلة تشريعه وجعله من قبل الشارع أو في مرحلة فعليته وثبوته في حقّ المكلّف ، في مقابل اختلافه وتعدّده و اشتراك مؤثّر آخر معه. فهم يستعملون الاتّحاد بما له من إطلاقات عند أهلاللغة ، لكنّهم يستعملون السبب في خصوص موجب الحكم.
وأمّا السبب فالمراد به ما يكون منشأ لثبوت الحكم وفعليّته على المكلّف خارجاً، أي ما يلزم من وجوده بأجزائه وشرائطه وجود الحكم فعلًا، كالدلوك سبب لوجوب الظهر ، و الكسوف سبب لوجوب صلاته و الايجاب و القبول سبب لإباحةالتصرف ، ففرقه عن العلّة أنّ العلّة يتوقّف عليها الحكم في مرحلةالتشريع ، والسبب يتوقّف عليه في مرحلة الفعليّة .
وفرقه عن الشرط أنّ السبب كالمقتضي والموضوع للحكم يلزم من وجوده وجود الحكم، بل عُبر عنه بالموضوع،
اتّحاد السبب- كما تقدّم في بيان معناه- هو كون المؤثِّر والموجب للحكم الواحد أو الأحكام المتعدّدة واحداً ذاتاً وحقيقة.
وأمّا التداخل فيطلقه الفقهاء على المؤثِّرات المتعدّدة التي تتداخل في الحكم أو في الفعل بحيث يكفي فعل واحد عنها جميعاً، كتداخل النوم و البول في التأثير في إيجاب وضوء واحد، وكتداخل غسلالميت وغسل الجنابة في الإتيان بغسل واحد بنيّتين.
إذا ورد في خطابين شرعيّين حكمان مطلق و مقيد معلّقان على سبب واحد، كما إذا ورد: (إن ظاهرت فاعتق رقبة ) و (إن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة ) فيجعل اتّحاد السبب شاهداً على اتّحاد التكليف ، ويحمل اللفظالمطلق على إرادة المقيّد منه.
وهو اتّحاد السبب في مرحلة تشريع الحكم وجعله.
وإذا ورد في خطابين شرعيّين حكمان متباينان وقد علّقا على سبب واحد نحو أن يقال: (إن أفطرت يوماً من أيّام رمضان فاقضه) و (إن أفطرته فكفِّر) فيثبت على المكلّف إذا وقع منه السبب كلا الحكمين، فيقضي ويكفِّر إذا أفطر. وهذا اتّحاد للسبب في مرحلة الفعلية .
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ اتّحاد مهر المثل في وطء الشبهة مع تكرّره يدور مدار اتّحاد سببه وتكرّره وهو الشبهة ، فإذا اتّحدت الشبهة وجب مهر واحد بالوطء وإن تعدّد، وإذا تعدّدت الشبهة وجب مهر واحد لكلّ شبهة.
إذا ادّعى اثنان شيئاً في يد ثالث بسبب موجب للشركة فأقرّ المدّعى عليه لأحدهما بمقدار حصته دون الآخر، كان ذلك مشتركاً بينهما، ولم يختصّ به المقَرّ له؛ لاتّحاد السبب بالنسبة إليهما على وجه يمتنع استحقاق أحدهما دون الآخر.
في حين ذهب بعض آخر إلى عدم اشتراطه بعد صدقالاشتراك على وجه الإشاعة فيها، فلو حصلت الشركة بأسباب مختلفة بأن كان بعضها بالإرث وبعضها بالصلح أو الهبة أو البيع أو غيرها قسمت الأعيان بين الشركاء ثمّ عيِّنت بالقرعة.
صرّح بعض الفقهاء بجواز الاقتداء في صلاة الاحتياط مع اتّحاد سببها وكون الإمام فيها وفي أصل الصلاة واحداً. بخلاف ما إذا اختلف سببها أو كان الإمام فيها غير الإمام في أصل الصلاة ففي الاقتداء إشكال . واستشكل فقهاء آخرون في الاقتداء فيها مطلقاً.