الارتداد (الأحكام العامة له)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الارتداد (توضيح) .
تقدّم أنّ للارتداد أحكاماً خاصّة منصوصة يختصّ بعضها
بالمرتدّ الفطري وبعضها بالملّي وبعضها بالمرأة.
وهناك أحكام اخرى يشترك فيها جميع أقسام المرتد إجمالًا، بلا فرقٍ في ذلك بين الملّي والفطري والمرأة والرجل، وهي:
المعروف بين الفقهاء أنّ المرتدّ
نجس بناءً على القول بنجاسة الكفّار، وقد عدّ الفقهاء في كتاب
الطهارة من النجاسات
الكافر ، سواء كان أصليّاً أو ارتداديّاً،
بل ادّعي
الإجماع على ذلك.
ويستدلّ على نجاسة المرتدّ بعموم الأدلّة التي استدلّ بها على نجاسة الكافر، كقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ»،
وقوله تعالى أيضاً: «كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ».
وقال
السيد الخوئي : «أمّا المرتدّ فإن صدق عليه أحد عناوين أهل الكتاب، كما إذا ارتدّ بتنصّره أو بتهوّده أو بتمجّسه فحكمه حكمهم، فإذا قلنا بنجاستهم فلا مناص من الحكم بنجاسته؛ لأنّه
يهوديّ أو
نصرانيّ أو
مجوسيّ ، بلا فرق في ذلك بين كونه مسلماً من
الابتداء ، وبين كونه كافراً ثمّ أسلم، وأمّا إذا لم يصدق عليه شيء من عناوين أهل الكتاب فهو وإن كان محكوماً بالكفر لا محالة، إلّا أنّ الحكم بنجاسته ما لم يكن مشركاً أو منكراً للصانع يحتاج إلى دليل وهو مفقود... ومع ذلك فلا بدّ من
الاحتياط ؛ لذهاب المشهور إلى نجاسة الكافر على الإطلاق».
وقد صرّح بعض الفقهاء بعموم هذا الحكم وأنّه لا فرق في الحكم بنجاسة المرتد بين الفطري والملّي والذكر والانثى،
كما هو ظاهر إطلاق آخرين.
ذكر الفقهاء أنّ
الإسلام مطهّر للكافر، فلو أسلم المرتدّ طهر من النجاسة التي عرضت له بسبب الارتداد.وذلك محلّ وفاق بالنسبة إلى المرتدّ الملّي والمرأة المرتدّة ملّية كانت أم فطريّة.
وأمّا بالنسبة إلى المرتدّ الفطري فقد يبنى ذلك على القول بقبول
توبته وعدمه، وقد تقدّم البحث عن ذلك في
استتابة المرتد وقد يجعل
طهارته غير مربوطة بقبول توبته وعدمه؛ لخروجه بالرجوع إلى الإسلام عن عنوان الكافر الذي هو ملاك الحكم بالنجاسة.
تمنع الردّة من
إجراء أحكام موتى المسلمين على المرتدّ لو مات بلا توبة، فلا يغسّل،
ولا يكفّن، ولا يصلّى عليه،
ولا يدفن في مقابر المسلمين.
ولا فرق في ذلك بين المرتدّ الملّي والمرتدّ الفطري كما هو ظاهرهم، بل صريح بعضهم.
ويدلّ عليه ما استدلّ به؛ لعدم إجراء أحكام المسلم على الكافر؛ لأنّها تشمل بإطلاقها المرتدّ حيث انّه من أقسام الكافر.
لو ارتدّ الشخص أثناء العمل العبادي فقد وقع البحث بين الفقهاء في أنّه هل يوجب ذلك بطلانه أم لا؟ وثمرة ذلك أنّه لو تاب يجب عليه
الاستئناف على الأوّل، ويجوز البناء على ما تقدّم على الثاني.ويختلف ذلك باختلاف أنواع
العبادات ، ففي مثل
الصلاة والصوم والاعتكاف ،
المعروف بين الفقهاء
البطلان ؛ لاشتراط الاتّصال أو دخول الزمان في مفهوم هذه العبادات، فالارتداد- ولو آناً ما- يوجب
الإخلال فيها. وإن ذهب بعض آخر إلى أنّه لو تاب وعاد إلى الإسلام يبنى على صحّته مع عدم فوات
الموالاة .أمّا بالنسبة إلى الصلاة فخالف السيد اليزدي في العروة الوثقى،
ووافقه عليه المحشّون، والحكيم في مستمسك العروة،
وأمّا بالنسبة إلى الصوم فخالف الشيخ في المبسوط،
وابن إدريس في السرائر،
والمحقق في المعتبر،
وتوقّف المحدّث البحراني في الحدائق،
وأمّا بالنسبة إلى الاعتكاف فخالف الشيخ في المبسوط،
وأمّا في مثل
الوضوء أو
الغسل أو
التيمّم أو
الأذان أو
الإحرام ونحوها فذهب الأكثر إلى أنّ الارتداد الواقع في أثنائها لا يوجب بطلانها؛ لعدم اشتراط اتصال الزمان فيها بحيث يضرّ بها الارتداد، وعليه لو عاد إسلامه بنى على ما تقدّم ما لم يحصل مبطل آخر كالجفاف في الوضوء أو فوات
الموالاة المعتبرة في الأذان
والإقامة ونحو ذلك.
قال
المحقّق النجفي : «لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ؛ لما عرفته في
الحجّ من الأصل وغيره بعد عدم دخول الزمان في مفهومه، كالصوم كي يتّجه بطلانه بمضيّ جزء منه ولو يسيراً، وعدم ثبوت اشتراط الاتّصال فيه كالصلاة كي يتّجه بطلانه حينئذٍ بحصول المنافي للارتباط، بل هو أشبه شيء بالوضوء والغسل ونحوهما ممّا لا تبطل الردّة ما وقع من أجزائهما إذا حصلت في أثنائهما، فإذا عاد إسلامه بنى حينئذٍ ما لم يحصل مبطل خارجي، كالجفاف ونحوه».
وقال
السيد اليزدي : «لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ، كما هو كذلك لو ارتدّ في أثناء الغسل ثمّ تاب، وكذا لو ارتدّ في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة، بل وكذا لو ارتدّ في أثناء الصلاة ثمّ تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتّصاليّة جزءاً فيها. نعم، لو ارتدّ في أثناء الصوم بطل وإن تاب بلا فصل».
هذا كلّه بالنسبة إلى وقوع الارتداد في أثناء العمل.وذهب بعض الفقهاء إلى بطلانها بذلك؛ لوجوب
استدامة النيّة المشتملة على القربة في مثل الوضوء
أو لوحدة العمل في مثل الأذان والإقامة، والارتداد ينافيها.
وأمّا لو وقع الارتداد بعد العمل فالمشهور- بل لا خلاف فيه- أنّه لا يؤثّر في البطلان، وعليه لو تاب وعاد إلى الإسلام لا تجب عليه إعادة ما تقدّم على الارتداد؛ لأنّ العمل وقع على الوجه المأمور به وسقط
التكليف فلا دليل على وجوب
الإعادة .
نعم، قد يدّعى أنّ المستفاد من آية
الإحباط وهي قوله تعالى: «وَ مَنْ يَكْفُرْبِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ»
بطلان العمل؛ بتقريب أنّ الكفر بعد
الإيمان - وهو الارتداد- يوجب حبط ما تقدّم من عمله، فيلزمه الإعادة بعد أن عاد إلى الإسلام.
ولكن اجيب عنه بأنّ المراد بالآية
الموت على الكفر لا مطلق الكفر، مؤيّداً
ذلك بقوله تعالى: «وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ»
على أنّ الإحباط غير بطلان العمل.
يجب على المرتدّ قضاء ما فاته حال الارتداد بعد توبته، كما ذكره
الشيخ الطوسي وابن إدريس والمحقّق الحلّيان وغيرهم،
بل ادّعى جماعة
الإجماع عليه.
وفي
جامع المدارك : أنّه من المسلّمات،
واستدلّ له بالعمومات والإطلاقات الدالّة على وجوب قضاء ما فات السليمة عمّا يصلح للمعارضة.
وما ورد من عدم وجوب
القضاء على الكافر إذا أسلم لما فاته زمان كفره وأنّ الإسلام يجبّ ما قبله لا يشمل المرتدّ.إلّا أنّ
الشيخ الأنصاري صرّح بعدم عثوره على مثل هذه المطلقات أو العمومات في قضاء الصوم؛
ولذلك جعل بعض آخر العمدة في الحكم هو عدم الخلاف ظاهراً وكونه من المسلّمات،
وشمول أدلّة التكاليف للمرتدّ كغيره من المسلمين.
وقضيّة إطلاقهم أنّه لا فرق في الحكم بين المرتدّ الملّي والفطري، بل صرّح بعضهم بذلك،
إلّا أنّه قد يشكل فيه بالنسبة إلى الفطري بناءً على عدم قبول توبته،
كما أنّ الشيخ- في موضع من
المبسوط والخلاف - قيّد الحكم بوجوب القضاء بالمرتدّ الذي يستتاب وهو ظاهر في المرتدّ الملّي.
بحث الفقهاء في باب
الزكاة في مسألة اشتراط الحول في بعض الأموال الزكويّة في أنّه هل ينقطع الحول بطروّ الارتداد في أثنائه أم لا؟وقد فصّلوا في ذلك بين الارتداد عن فطرة والارتداد عن ملّة، فذهبوا إلى
انقطاعه إذا كان الارتداد عن فطرة؛ وذلك لانقطاع الملك عن الفطري
وانتقاله إلى الوارث، فيستأنف الورثة حولًا جديداً.
وأمّا لو كان الارتداد عن ملّة فلا ينقطع الحول حينئذٍ؛ لبقاء الملك، فتجب الزكاة عند تمام الحول؛ لأنّه مكلّف، والمنع من التصرّف في المال بتقصير منه، مع أنّه متمكّن منه بالإسلام.
هذا كلّه في الرجل المرتدّ.وأمّا المرأة المرتدّة فلا ينقطع مطلقاً؛ لعدم انقطاع ملكها بالارتداد سواء كان عن فطرة أو عن ملّة.
لا يجوز سبي المرتدّ ولا
استرقاقه وإن كان بحكم الكافر في كثير من الأحكام، ذكره جماعة من الفقهاء،
بل المحقّق النجفي نفى الخلاف عنه؛ مستدلّاً عليه بأصالة الحرّية السالمة عن المعارض، بعد اختصاص الفتاوى والنصوص ولو بحكم
التبادر بغيره.
ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، ولا بين من لحق بدار الكفر وغيره.
وكذا لا يجوز سبي نسائه وأولاده وإن انعقدوا حال الردّة، كما صرّح بذلك
الشيخ جعفر كاشف الغطاء .
تسقط ولاية المرتدّ على
أولاده بالارتداد سواء كان عن فطرة أو عن ملّة، فلا يجوز له أن يزوّج بنته المسلمة، صرّح بذلك جماعة من الفقهاء،
بل ادّعي عدم الخلاف فيه.
واستدلّ لذلك بقوله تعالى: «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا»،
ولأنّه محجور عليه في نفسه، فلا تثبت له
الولاية على غيره.
ولفحوى ما دلّ على انتقال أمواله إلى ورثته ممّا يقتضي عدم أهليّته وولايته على أمواله، فكيف تكون له الولاية على ما هو أهمّ منها؟! وهذا الوجه يتمّ في المرتدّ الفطري دون الملّي، اللهمّ إلّا إذا قيل بعدم احتمال الفرق فقهيّاً.واستدلّ له بعضهم بالأصل
أيضاً، إلّا أنّه نوقش فيه بأنّ مقتضاه خلاف ذلك؛ لأنّ المرتدّ قد كانت له الولاية على بنته المسلمة قبل الارتداد، فلو شكّ في بقائها بعده فمقتضى
الاستصحاب بقاء الولاية فكيف يتمسّك بالأصل في إثبات عدمها
؟! وفي سقوط ولاية المرتدّ على مماليكه خلاف بين الفقهاء، فذهب جماعة إلى سقوطها،
فلو زوّج مملوكته أو مملوكه لم يصحّ ويكون باطلًا، وقوّاه أيضاً المحقّق النجفي
والگلبايگاني ؛
وذلك
لانتفاء السبيل، ولأنّه محجور عليه من التصرّف في أمواله.
ولكنّ ظاهر المحقّق في
الشرائع بقاء الولاية حيث قال: لو زوّج أمته فالأشبه الجواز.
واستقربه العلّامة في
التحرير ؛
لأنّ تزويجها كان بالملك لا بالسبيل،
وأنّ مقتضى الأصل بقاء الولاية في مواضع
الشكّ .
هذا، ولا يخفى أنّ هذا الفرض جارٍ في خصوص المرتدّ الملّي دون الفطري؛ لما تقدّم من انتقال أموال الفطري إلى ورثته، فلم يبق له أمة- مثلًا- كي يبحث عن تزويجها؛ ولذا قيّد المحقّق النجفي المسألة بالملّي.
لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المرتدّ لا يرث المسلم على حال من الأحوال،
بل عليه الإجماع
بقسميه،
وذلك لأجل المانع وهو كفره بالارتداد، من دون فرق في ذلك بين أن يكون ارتداده عن فطرة أو عن ملّة.
وكذا لا خلاف في أنّ الكافر لا يرث المرتدّ مع الوارث المسلم
بناءً على أنّ الوارث المسلم يحجب الكافر كما هو محقّق في محلّه.وتدلّ عليه معتبرة
أبان بن عثمان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: في رجل يموت مرتدّاً عن الإسلام وله أولاد، فقال: «ماله لولده المسلمين».
وغير ذلك من الأخبار.
هذا كلّه إذا كان للمرتدّ وارث مسلم، وأمّا إذا لم يكن للمرتدّ وارث سوى الكافر فالمشهور أنّ ميراثه للإمام عليه السلام، ولا شيء لوارثه الكافر، سواء كان ارتداده عن فطرة أو عن ملّة،
بل ادّعي الإجماع عليه في الفطري؛
وذلك لتحرّمه بالإسلام فلا يرثه الكافر.
خلافاً
للصدوق والشيخ- في كتابي الحديث
- الدالّ على أنّ ميراث الملّي لورثته الكفّار دون
الإمام عليه السلام، واختاره بعض المتأخّرين.
واستدلّ
عليه بصحيحة
إبراهيم بن عبد الحميد قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:نصرانيّ أسلم، ثمّ رجع إلى النصرانيّة ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده النصارى»، ومسلم تنصّر ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده المسلمين».
قد تقدّم في البحث عن أثر الردّة على أموال المرتدّ حكم تصرّفاته في أمواله
بالبيع والهبة ونحو ذلك. وكذا مرّ أيضاً أنّ ذلك مبنيّ على الخلاف في زوال ملكه وعدمه، فبناءً على زوال ملكه- كما هو كذلك في المرتدّ الفطري- تبطل تصرّفاته فيها بأيّ نحو كانت، وأمّا بناءً على عدم زوال ملكه مع ثبوت الحجر عليه- كما هو في المرتدّ الملّي- فاختلف الفقهاء في صحّتها أو توقّفها على التوبة أو بطلانها كما مرّ.
ولا فرق في ذلك بين أنواع العقود، كما أنّه لا فرق أيضاً بين أن يتصرّف هو بنفسه أو وكّل مسلماً في ذلك؛ ولذلك قال الشيخ: «وإن وكّل المرتدّ مسلماً في بيع ماله والتصرّف فيه كان ذلك مبنيّاً على الخلاف في زوال ملك المرتد (وبطلان تصرّفاته)، فمن قال: يزول ملكه ولا يصحّ تصرّفه قال: لم يصحّ توكيله، ومن قال:لا يزول ملكه (و) يصحّ تصرّفه قال: يصحّ وكالته».
هذا كلّه في تصرّف المرتد في أمواله، وأمّا تصرّفه في أموال الغير فيجوز له
ابتداءً واستدامة، وعليه فلو ارتدّ الوكيل المسلم لم تبطل وكالته،
وإن قيّد بعض ذلك بما يصحّ للكافر
الوكالة فيه، وأمّا إذا كان فيما لا يصحّ له- مثل أن يكون وكيلًا على غريم مسلم- فيمكن بطلانها،
كما قيّده بعض آخر بما إذا كان ارتداده عن ملّة، وإلّا بطل.
لا يتصوّر
الطلاق في المرتدّ عن فطرة؛ لما سبق من أنّ زوجته تبين منه وتعتدّ عدّة
الوفاة بارتداده فلا محلّ لطلاقه.وأمّا المرتدّ عن ملّة فحيث انّ زوجته تعتدّ عدّة الطلاق ففي صحّة طلاقه احتمالان:
الأوّل: الصحّة؛ وذلك لبقاء
العصمة وحينئذٍ يستأنف العدّة.
الثاني: عدم الصحّة؛ لأنّ زوجته جارية إلى
بينونة .
لو ظاهر المرتدّ عن ملّة من زوجته في
العدّة صحّ ويحتسب زمان الردّة من المدّة، بخلاف الفطري فإنّه لو ظاهر في العدّة لم يصحّ ذلك منه؛ لكونها بائنة.
ولو ظاهر ثمّ ارتدّ الزوجان أو أحدهما فلا كفّارة عليه إذا كان الارتداد قبل الدخول، من دون فرق في ذلك بين أن يكون عن فطرة أو عن ملّة.
وأمّا لو كان الارتداد بعد الدخول وكان عن ملّة أو كانت المرتدّة المرأة فهو بحكم
الطلاق الرجعي ؛ ضرورة الرجوع إلى الزوجة بالإسلام في العدّة، بخلاف الفطريّ فإنّه لا
كفّارة عليه.
لو آلى ثمّ ارتدّ عن ملّة فالأكثر على أنّه تحسب عليه مدّة الردّة؛ لتمكّنه من الوطء
بإزالة المانع فلا عذر في البين.
خلافاً للشيخ فإنّه ذهب إلى عدم
احتساب مدّة الردّة عليه؛ مستدلّاً عليه بأنّ المنع بسبب الارتداد واختلاف
الدين لا بسبب
الإيلاء واليمين، فلا تحتسب مدّته من مدّة الإيلاء المقتضية
لاستحقاق المطالبة بعدها بالوطء؛ لتضادّ المؤثّرين المقتضي لتضادّ الأثرين، كما لا يحتسب زمان العدّة.
نعم، لو كان ارتداده بعد الإيلاء عن فطرة يبطل معها التربّص؛ لكونها بائنة.
لو ارتدّ فلاعن ثمّ عاد إلى الإسلام في العدّة عرف صحّته؛ لظهور
بقاء الزوجيّة، وإن أصرّ ظهر بطلانه؛ لظهور البينونة، فلا يحرم عليه إن رجع إلى الإسلام.
وفي
اندفاع الحدّ عن المرتدّ المصرّ الملاعن في ارتداده
إشكال .
الكلام يقع في مقامين:
في وقوع الارتداد بعد
التدبير :
المشهور بين الفقهاء التفصيل في ذلك بين الارتداد عن فطرة والارتداد عن ملّة، فذهبوا إلى عدم بطلان التدبير إذا كان الارتداد عن ملّة،
ولا خلاف في ذلك؛
للأصل، ولعدم خروج ماله عن ملكه،
وعليه فلو مات السيد على ردّته عتق المدبّر من ثلثه.
وأمّا لو كان الارتداد عن فطرة فيبطل التدبير؛
لخروج ملكه عنه بالارتداد عنها، فلم يحصل شرط الصحّة الذي هو
الاستمرار على الملك إلى الموت حتى يعتق عنه؛ لأنّه لا
عتق إلّا في ملك.
وتردّد المحقق في بطلانه؛
لسبق حق المدبّر على حقّ الوارث فلا ينتقل إليه، خصوصاً عند من يمنع من بيع المدبّر.
ثمّ إنّ الشيخ في المبسوط قوّى في هذه الصورة عدم بطلان التدبير فيعتق بوفاته؛ لعدم زوال ملكه بالردّة، وأطلق الحكم بذلك من غير تفصيل بين الملّي والفطري.
في وقوع التدبير بعد الارتداد:
لو ارتدّ المولى عن فطرة ثمّ دبّر لم يصحّ؛
لخروج المال عن ملكه بارتداده،
بل حتى مع القول ببقاء ملكه؛ للحجر عليه بالردّة،
وقد نسب في كشف اللثام إلى الشيخ في المبسوط القول بالجواز بعد الارتداد مطلقاً.
ولكنّ الموجود فيه مخالف للمنسوب إليه، ولم نعثر على غيره.ولاشتراط نيّة القربة فيه وهي متعذّرة من الكافر، من غير فرق بين المرتدّ وغيره.
وهذا ممّا لا خلاف فيه.
وأمّا إذا كان ارتداده عن ملّة فقد ذهب الشيخ في الخلاف إلى صحّة التدبير،
واختارها المحقّق على تردّد.
خلافاً للشيخ في المبسوط والمحقّق النجفي فذهبا إلى بطلان التدبير، إمّا لأنّه محجورٌ عليه بالردّة،
وإمّا لاشتراط نيّة القربة وتعذّرها من المرتد
كما سبق.وقد ذكر العلّامة
والشهيد الثاني أنّ المسألة مبنيّة على اشتراط نيّة التقرّب وعدمه، فيبطل التدبير على الأوّل دون الثاني.
لو ارتدّت امّ الولد لم يبطل حكم
الاستيلاد ؛
للأصل ولقبول توبتها مطلقاً.
وأمّا لو ارتدّت بعد العتق ففي رواية
محمّد بن قيس عن
الباقر عليه السلام قال: «قضى
علي عليه السلام في وليدة كانت نصرانيّة فأسلمت عند رجل فولدت لسيّدها غلاماً، ثمّ إنّ سيّدها مات فأصابها عتاق السريّة فنكحت رجلًا نصرانيّاً دارياً وهو العطّار فتنصّرت، ثمّ ولدت ولدين وحملت آخر فقضى فيها أن يعرض عليها الإسلام فأبت، قال: أمّا ما ولدت من ولد فإنّه
لابنها من سيّدها الأوّل، واحبسها حتى تضع ما في
بطنها ، فإذا ولدت فاقتلها».
وعمل الشيخ بمضمون هذه
الرواية إلّا في
القتل حيث ذهب إلى أنّه يفعل بها ما يفعل بالمرتدّة.
إلّا أنّ هذه الرواية وصفها بعض الفقهاء بالشذوذ، والمخالفة للقواعد ومقتضى المذهب فيما اشتملت عليه من
استرقاق الأولاد؛ لأنّ الحرّ لا يصير عبداً بلا خلاف، وكذا وجوب القتل؛ لأنّ المرأة لا تقتل بلا خلاف أيضاً،
بل الشيخ نفسه قال في
التهذيب بعد ذكرها: «هذا الحكم مقصور على القضيّة التي فصّلها أمير المؤمنين، ولا يتعدّى إلى غيرها».
يتفرّع على اعتبار
الإسلام في الذابح حرمة ذبيحة المرتدّ، فلو ذبح كان المذبوح ميتة وإن جاء بالتسمية، كما صرّح بذلك
الشيخ المفيد والشيخ الطوسي
وابن إدريس وغيرهم،
وهو من ضروريّات المذهب،
بل عليه
إجماع المسلمين.
واستدلّ له بالأخبار المستفيضة التي مضمونها مقطوع به،
كصحيحة
زكريّا بن آدم عن
أبي الحسن عليه السلام قال: «إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك، إلّا في وقت
الضرورة إليه».
وكذلك حكم
صيد المرتدّ، فلا يحلّ صيد المرتدّ ولو
بإرسال الكلب.
•
الارتداد (جنايات المرتد)،كل جناية التي ارتكبها المرتد لشخص أو اشخاص يأتي أحكامه.
•
الارتداد (الجماعي)،المراد هو قوم كفروا أي ارتدوا بعد
إسلامهم .
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۴۲۵-۴۵۵.