تروك الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجب على المحرم في حال
الإحرام الاجتناب عن امور تسمّى بتروك الإحرام.
وهي ترك امور تتعلّق باللباس و
البدن و
الغذاء ونحو ذلك من ملذّات الدنيا، وحكمة
التشريع في ذلك
تذكير المحرم قبل دخوله حرم اللَّه و
أمنه بما يُقدم عليه من
النسك و
تربية النفوس على
التقشف و
التجرّد عن زينة الدنيا و
إقرار المساواة بين الناس و
التذلّل و
الافتقار للَّه عز وجل و
التذكّر بيوم
المحشر والبعث بين يدي
الرب الجليل سبحانه وتعالى.
ففي رواية
الفضل بن شاذان عن
الرضا عليه السلام قال: «وإنّما امروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم اللَّه وأمنه، ولئلّا يلهوا ويشتغلوا بشيء من امور الدنيا وزينتها ولذاتها، ويكونوا جادّين فيما هم فيه قاصدين نحوه، مقبلين عليه بكليتهم، مع ما فيه من
التعظيم للَّه عز وجل ولبيته، والتذلّل لأنفسهم عند قصدهم إلى اللَّه سبحانه عز وجل، ووفادتهم إليه راجين ثوابه راهبين من عقابه، ماضين نحوه، مقبلين إليه بالذلّ و
الاستكانة و
الخضوع ».
وإليك تفصيل هذه الامور:
•
لبس المخيط للمحرم، يجب على المحرم لبس ثوبي الإحرام ، والمراد بثوبي الإحرام الإزار والرداء، تقدّم في لباس الإحرام عدم جواز لبس المخيط من الثياب في حقّ الرجال، وأمّا المرأة فيجوز لها .
•
قضاء الشهوة للمحرم، يحرم على المحرم الالتذاذ الجنسي، سواء كان بواسطة النساء أو بغير ذلك، وبشكل عام تتضاعف الحرمة حال الإحرام فيما كان محرّماً منه بالأصل .
•
عقد النكاح والشهادة عليه للمحرم ، يحرم على المحرم عقد النكاح ، و الشهادة عليه، و إقامة الشهادة عليه، و الخطبة .
•
إزالة الشعر للمحرم ، من محرّمات الإحرام
إزالة الشعر من غير ضرورة كثيره وقليله، من الرأس أو اللحية أو
الإبط أو غيرها، سواء بالحلق أو القصّ أو النتف أو النورة أو غير ذلك بلا خلاف في ذلك، بل عليه الإجماع .
•
إخراج الدم للمحرم ، لا يجوز للمحرم إخراج الدم من بدنه ، وهذا متسالم عليه بين الفقهاء بشكل عام، إلّا أنّ البحث في سعته وضيقه.
يظهر من جماعة من
الفقهاء - منهم
الحلبي و
الشيخ الطوسي وبعض أتباعه- حرمة
قلع الضرس بعنوانه على
المحرم وإن لم يخرج به الدم، حيث أوجبوا له ثبوت
الكفّارة .
وحمله
العلّامة الحلّي على ما إذا قلعه اختياراً بلا حاجة،
بل يظهر من الشهيد أنّه لا تردّد في الحرمة، وكونه حراماً مستقلّاً غير
الإدماء حيث قال- بعد ذكر حرمة
الحجامة و
إخراج الدم مطلقاً-: «الثالث والعشرون: قلع الضرس وفيه دم، والرواية به مقطوعة. وقال
ابن الجنيد و
ابن بابويه : لا بأس مع الحاجة، ولم يوجبا شيئاً».
وظاهره التردّد في
الفدية لا في الحرمة.
واستدلّ له
بحسنة
الحسن الصيقل أنّه سأل
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم تؤذيه ضرسه أ يقلعه؟ فقال: «نعم، لا بأس به»،
فإنّ
السؤال عن صورة
الإيذاء كاشف عن مفروغية عدم جواز قلع الضرس في صورة
الاختيار .
وبمكاتبة
محمّد بن عيسى عن عدّة من أصحابنا عن رجل من
أهل خراسان أنّ مسألة وقعت في
الموسم لم يكن عند مواليه فيها شيء، محرم قلع ضرسه، فكتب عليه السلام: «يهريق دماً».
ولكن ذهب آخرون- وربّما أكثر المتأخّرين
- إلى أنّ الوجه في
تحريم قلع الضرس
استلزامه إخراج الدم بناءً على حرمته، فالمحرّم هو إخراج الدم بأيّ نحو وقع.
قال
الشهيد الثاني في ذيل قول الشهيد في
الروضة : «وقلع الضرس والرواية مجهولة مقطوعة، ومن ثمّ أباحه جماعة خصوصاً مع الحاجة. نعم، يحرم من جهة إخراج الدم ولكن لا فدية له».
وقال في
الرياض - بعد نقل قول الشيخ الطوسي ومن تبعه على ثبوت الدم في قلع الضرس
استناداً إلى المرسل المذكور-: «خلافاً لأكثر المتأخّرين فردّوه لضعف السند والدلالة
باحتمال أن يكون قد أدمى، كما هو الغالب، ويكون الدم لأجله».
وحمل الرواية على ما ليس فيه دم حمل على الفرد النادر.
ومن هنا قال أكثر المعاصرين: إنّه لو علم بعدم خروج الدم أو احتمله بقلع الضرس لم يحرم القلع،
وذهب بعضهم إلى حرمته وإن لم يستلزم الإدماء.
لا
خلاف بين الفقهاء في أنّه يحرم على المحرم قصّ الأظافر اختياراً، وادعي عليه
الإجماع ،
بل نسبه العلّامة الحلّي إلى علماء
الأمصار .
واستدلّ له بجملة من الروايات الخاصّة
:
منها: صحيحة
معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه ذلك؟ قال: «لا يقصّ منها شيئاً إن استطاع، فإن كانت تؤذيه فليقصّها وليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام».
ومنها: موثّق
إسحاق بن عمّار ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلٍ نسي أن يقلّم أظفاره وهو عند إحرامه، قال: «يدعها...».
ومنها: الروايات المثبتة للدم عند القصّ اختياراً، كصحيح زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام : «من قلّم أظافيره ناسياً أو ساهياً أو جاهلًا فلا شيء عليه، ومن فعله متعمّداً فعليه دم».
و
الاستدلال بها مبنيّ على القول بالملازمة- ولو في المقام- بين ثبوت الكفّارة والحرمة.
ثمّ إنّ الحكم ليس مخصوصاً بالقصّ أو
التقليم ، بل المدار على مطلق
الإزالة ،
وقد يستفاد ذلك من روايات التقليم؛ نظراً إلى أنّ التقليم مطلق القلع،
ويستدلّ له أيضاً بموثّقة إسحاق بن عمّار الماضية حيث ورد فيها «يدعها»، أي: يتركها، ولا يؤخذ شيء من الأظفار. وهذا
التعبير يشمل جميع أفراد الأخذ وأنواعه من القصّ والقطع ونحوهما، فالموثّقة من هذه الجهة أصرح من كلّ النصوص الدالّة على
التعميم .
ولا فرق في حرمة تقليم الأظفار بين الجزء والكلّ
كما هو مقتضى إطلاق الروايات،
بل وخصوص صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة، حيث ورد فيها السؤال عن المحرم الذي تطول أظفاره أو ينكسر بعضها، فقال عليه السلام: «لا يقصّ منها شيئاً».
وهل يجوز قصّ الأظفار من اليد الزائدة و
الإصبع الزائد أم لا؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ اليد الزائدة أو الإصبع الزائد تكونان كالأصلية منهما، قال الشهيد: «لو كان له إصبع زائدة أو يد زائدة فالظاهر أنّها كالأصلية».
وفصّل بعضهم بين صورة معلومية الزائدة وعدمها، فقال
الإمام الخميني : «الأحوط عدم قصّ الظفر من اليد الزائدة أو الإصبع الزائد وإن لا يبعد الجواز لو علم أنّهما زائدان».
وخالفه آخرون فقالوا: إنّه لا فرق بين الصورتين في عدم الجواز،
فإنّ كون اليد زائدة أو الإصبع كذلك لا ينافي إضافة الظفر إلى الرجل المحرم، غاية
الأمر إنّه إنسان له خصوصية كذا، ولا يكون الزائد خارجاً عن الجزئية له و
الإضافة إليه.
ودعوى
انصراف الأدلّة المانعة عن ظفر الإصبع الزائد أو اليد الزائدة ممنوعة جدّاً، خصوصاً لو قلنا بأنّ الجمع المضاف إلى الضمير في مثل قوله: أظافيره، ظاهر في مطلق الأظافير.
ويجوز تقليم
الأظفار وإزالتها مع الضرورة لألم ونحوه، قال العلّامة الحلّي: «لو انكسر ظفره كان له إزالته بلا خلافٍ بين العلماء؛ لأنّه يؤذيه ويؤلمه فكان له إزالته كالشعر الثابت في عينه والصيد الصائل عليه».
وتدلّ عليه- مضافاً إلى أدلّة نفي الحرج والضرر- صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة
حيث صرّح فيها بجواز ذلك إذا كان يؤذيه بقاء الظفر.
وأمّا ما حكي عن
ابن أبي عقيل أنّ من انكسر ظفره وهو محرم فلا يقصّه،
فلعلّه محمول على ما إذا لم يتأذّ ببقائه.
•
ستر الرأس للرجل المحرم ، يجب على المحرم في حال الإحرام
الاجتناب عن امور تسمّى بتروك
الإحرام ، منها ستر الرأس للرجل .
•
ستر الوجه للمرأة المحرمة ، يجب على المحرم في حال الإحرام الاجتناب عن امور تسمّى بتروك الإحرام ، منها ستر الوجه للمرأة المحرمة .
المشهور
بين الفقهاء- عدا ما نسب إلى ابن الجنيد
- حرمة
الاستظلال على الرجل المحرم في حال سيره،
بل ادّعى غير واحد عليه الإجماع؛
وقد دلّت عليه النصوص الكثيرة المانعة عن
التظليل في حال السير
يشمل
بإطلاقه السفر إلى مكّة والسير فيها وفي منى ونحوها ممّا هو محلّ
استقرار المحرم ومنزله،
إلّا أنّه قد خصّه بعض بالسفر إلى
مكّة أو من مكّة إلى منى دون السير داخل مكّة، فيجوز فيها الاستظلال.
•
الادهان للمحرم ، يجب على المحرم في حال الإحرام الاجتناب عن امور تسمّى بتروك الإحرام ، منها: الادهان للمحرم وهو وضع الزيت على البدن.
•
استعمال الطيب للمحرم ، الطيب من الألفاظ التي يرجع فيها إلى العرف واللغة؛ ومن مصاديقه المسك والعنبر والزعفران و الورس والعود وألحق بالطيب الرياحين والفواكه الطيّبة، يستحب
استعمال الطيب على كلّ حال، كما ورد الحثّ عليه في الصلاة وإن حرم في عدّة موارد، منها : حالة
الإحرام .
•
التزين للمحرم ، ذكر بعض
الفقهاء حرمة مطلق التزيّن للمحرم، كلبس الحُلي للنساء، و
التختم للزينة، والاكتحال، و
استعمال الحنّاء؛ وذلك لأنّ ملاك
التحريم فيها واحد وهو التزيّن أو
الزينة ، على ما يستفاد من بعض النصوص الواردة في تلك الموارد، بينما لم يذكر جمع من الفقهاء- وربّما
الأكثر - عنواناً واحداً لها بل ذكروا كلّ واحد منها بعنوان محرم مستقل كالتالي.
•
النظر في المرآة للمحرم ، يجب على المحرم في حال الإحرام الاجتناب عن امور تسمّى بتروك الإحرام ، منها :النظر في المرآة للمحرم.
ومن جملة المحرّمات على المحرم
الفسوق سواء كان في إحرام الحجّ أو العمرة، كما ادّعي أنّ المستفاد من الفتاوى ومعاقد الإجماعات بل وبعض النصوص أنّ الفسوق من محرّمات الإحرام ولو للعمرة المفردة،
ولا وجه لتخصيصه بإحرام الحجّ أو إحرام عمرة التمتّع كما في
المدارك .
وقد اختلف الفقهاء في المراد منه وهل أنّه الكذب مطلقاً- كما هو المشهور
- أو هو
الكذب على اللَّه تعالى خاصة،
أو على اللَّه أو على
رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، أو على أحد
الأئمّة عليهم السلام ،
أو أنّ الفسوق مطلق الكذب و
السباب والمفاخرة
؟
ولا إشكال في تحريمه بناءً على كلّ من المعاني المذكورة، ومع ذلك لا يكون موجباً
لإفساد الحجّ،
إلّا أنّه ذكر
الشيخ المفيد أنّ الكذب مفسد للإحرام. وتفصيل المسألة موكول إلى محلّه.
يحرم على المحرم
الجدال في الحجّ كما صرّح به غير واحد من الفقهاء،
استناداً إلى قوله تعالى: «وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ»،
والنصوص الكثيرة،
وتفصيله في محلّه.
يحرم على المحرم جميع أنحاء
التصدي للصيد
البري من صيده أو ذبحه أو أكله أو الفتك به و
الإغلاق أو الدلالة عليه ونحوها، سواءً كان ذلك في الحلّ أو الحرم بلا خلاف في ذلك بين الفقهاء،
بل عليه دعوى الإجماع من غير واحد منهم.
واستدلّ لذلك بما ورد في الكتاب من قوله تعالى: «وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً»،
وقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ»،
وبالروايات المستفيضة. وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه.
ومما يحرم على المحرم قتل
هوام الجسد وإلقاؤها عن جسده وجسد غيره، وكذا نقله إذا كان معرّضاً للتلف، وفيما يلي تفصيل ذلك:
اختلفت كلمات الفقهاء في قتل هوام الجسد وأنّه هل يحرم مطلقاً أو يجوز كذلك، أو يفصّل بين الموارد:
ذكر غير واحد من الفقهاء أنّه يحرم قتل هوام الجسد من القمّل والبراغيث والصئبان،
سواء كانت على الثوب أو الجسد،
بلا فرق في ذلك بين
المباشرة والتسبيب،
بل نسبه بعض المتأخّرين إلى المشهور،
ولكن نبّه
المحقّق النجفي بأنّا لم نتحقّق الشهرة في العنوان المزبور،
بل قال
الفاضل الهندي نصّ الأكثر على خصوص القمّل.
فالمشهور
هو حرمة قتل القمّل، بل ادّعي عدم الخلاف فيه،
وأمّا
اقتصار جماعة من القدماء
على
تحريم الإلقاء فهو لا يقتضي
إباحتهم القتل، بل يمكن
اكتفاؤهم بذكره عنه.
ويدلّ على ذلك جملة من الأخبار:
منها: صحيح
زرارة : قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام هل يحكّ المحرم رأسه ويغتسل بالماء؟ قال: «يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابة».
و
القدر المتيقّن من الدابة التي يمكن قتلها عند حكّ الرأس و
الاغتسال هو القمّل.
ومنها: صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال: «اتق قتل
الدواب كلّها».
ومنها: صحيحة اخرى له: «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلّها إلّا
الأفعى و
العقرب و
الفأرة ».
ومنها: النصوص المعتبرة الناهية عن إلقاء القمّلة عن الجسد والثوب،
فإنّ الإلقاء إذا كان ممنوعاً- لكونه في معرض التلف- فقتله أولى بالمنع.
وتوجد روايتان معتبرتان عن معاوية بن عمّار ذكر فيهما أنّه لا ينبغي أن يتعمّد قتلها»، وربما يستفاد
منهما جواز قتلهما مع المرجوحية؛ للتعبير بقوله: «لا ينبغي».
ولكن اجيب عنهما: بأنّ الظاهر من قوله «لا ينبغي» هو الحرمة؛ لأنّ معناها لغة عدم
الإمكان ، وعدم الإمكان في عالم التشريع مساوق للحرمة، ولو فرضنا عدم دلالة ذلك على الحرمة فهو لا يدلّ على الجواز أيضاً، فلا موجب لرفع اليد عمّا دلّ على الحرمة،
بل يتعيّن بقرينة سائر الأخبار- كصحيح زرارة- حملهما على الحرمة،
هذا في القمّل.
وأمّا في غير القمّل فيستدلّ لحرمة قتله بالأخبار الواردة في القمّل متمّماً بعدم القول بالفصل بينه وبين غيره،
مضافاً إلى عموم ما ورد في صحيحة معاوية بن عمّار، وكذا
إطلاق صحيحة زرارة المتقدّمتين،
مؤيّداً ذلك كلّه بمنافاته لعدم الترفّه المراد من المحرم الذي هو
أشعث وأغبر.
جوّز
ابن حمزة قتل القمّل إذا كان على بدنه ونقله إلى موضع آخر، مع قوله بتحريم إلقاء القمّل عن البدن وأنّه موجب للكفّارة.
ولعلّ
جواز القتل للأصل وصحيح معاوية بن عمّار أنّه سأل
الإمام الصادق عليه السلام : ما تقول في محرم قتل قمّلة؟ قال: «لا شيء عليه في القمّل، ولا ينبغي أن يتعمّد قتلها»،
بناءً على إرادة الكراهة من قوله: «لا ينبغي» فيه، مضافاً إلى عموم «لا شيء فيه» لنفي العقاب أيضاً، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام أيضاً: قال: «لا بأس بقتل النمل والبق في الحرم، ولا بأس بقتل القمّلة في الحرم وغيره»،
بعد منع
أولوية القتل من الإلقاء المصرّح به في النصوص كصحيح
حماد بن عيسى ، سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم يبين القمّلة عن جسده فيلقيها قال: «يطعم مكانها طعاماً»،
ونحوه صحيح
ابن مسلم عنه عليه السلام.
وأمّا صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم فهو ظاهر في كون المستثنى منه من جنس المستثنى فلا يشمل محلّ النزاع، كلّ ذلك مضافاً إلى موافقة نصوص الحرمة للجمهور بخلاف نصوص الجواز.
جوّز
المحقّق الحلّي والعلّامة الحلّي في بعض كتبه
قتل المحرم البرغوث؛ للأصل ولمرسل
ابن فضّال عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «لا بأس بقتل البرغوث والقمّلة والبقّة في الحرم»؛
ولما في
السرائر عن نوادر
البزنطي عن جميل أنّه سأله عن المحرم يقتل البقّة والبراغيث إذا آذاه؟ قال: «نعم»،
ونحوه خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام.
وبها تخصّص العمومات المتقدّمة الناهية عن قتل كلّ دابة لو فرض شمولها للبرغوث.
ولكن اورد على الأخبار المذكورة- مضافاً إلى ضعف السند-: بأنّ موضوع الجواز فيها غير ما هو محلّ البحث، فإنّ موضوع الجواز في
مرسل ابن فضّال هو الحرم، والبحث في المحرم، والموضوع في الثاني والثالث فرض الإيذاء- نظير ما ورد في
السباع التي يجوز قتلها عند
الإيذاء - وهو غير محلّ الكلام.
فصّل بعضهم بين القتل في الحرم والقتل في غيره، فذهب ابن البراج إلى القول بحرمة قتل البرغوث والبق وما أشبه إذا كان في الحرم، وجوّزه في غيره.
وذكر ابن زهرة: أنّه يحرم عليه أن يقتل شيئاً من الجراد والزنابير مع الاختيار، وأمّا البق والبراغيث فلا بأس أن يقتل في غير الحرم،
وكذا اختار
ابن سعيد التفصيل المذكور
مع تصريحه قبل ذلك بحرمة قتل القمّل والبرغوث.
واستجود
الشهيد الثاني عدم
إلحاق البرغوث بهوام الجسد، والظاهر منه عدم التفصيل بين الحرم وغيره،
ووجهه يعلم ممّا مرّ في الأقوال السابقة.
ذهب
الأردبيلي إلى عدم تحريم قتل الهوام مطلقاً، بدعوى عدم دليل على التحريم إلّا ما يدلّ على وجوب الكفارة بكفّ من الطعام، لكن في قباله روايات تامة الدلالة على نفي وجوب الكفّارة صريحاً.
وذهب أكثر المعاصرين
إلى تحريم قتل القمّلة، وكذا غيرها من البرغوث والبق ونحوهما مع عدم تأذّي المحرم بها؛ وذلك لما مرّ من إطلاق صحيح زرارة، وعموم صحيح معاوية بن عمّار، أمّا مع التأذّي فيجوز القتل؛ لمرسل جميل وغيره،
هذا مضافاً إلى قاعدة نفي الحرج، فإنّها حاكمة على أدلّة محرّمات الإحرام أيضاً.
بينما ذهب بعضهم إلى جواز قتل البق والبرغوث وأمثالهما و
اختصاص الحرمة بقتل القمّل، بدعوى عدم دليل على المنع في غيره؛ لانصراف صحيحة معاوية بن عمّار عنها، وظهور خبر زرارة في حرمة قتل القمّل خاصة.
هذا كلّه في قتل هوام جسده، أمّا الهوام في غير جسده، فيستفاد من كلمات أكثر الفقهاء عدم جواز قتله سواءً كانت الهوام موجودة في جسد
إنسان آخر أو حيوان كالحشرات الموجودة في
البعير و
الشاة ونحوهما، فإنّهم ذكروا عدم جواز قتل شيء من الدواب مطلقاً، وصرّحوا بعدم جواز قتل
القراد و
الحلمة ،
وقد مرّ في بعض الروايات أنّ الحلمة في البعير بمنزلة القمّل في
بدن الإنسان، وإنّما جوّزوا إلقاء القراد عن بعيره
دون الحلمة.
وجوّز القاضي قتل القراد ورميه عن نفسه وإزالته عن بعيره.
واستدلّ لعدم جواز القتل بعموم صحيحة معاوية بن عمّار، وإطلاق صحيحة زرارة المتقدّمتين بعد كون الهوام من مصاديق عنوان الدابة، كما أنّ مقتضى إطلاق السؤال في بعض الروايات عن محرم قتل قمّلة وترك
الاستفصال في الجواب، أنّه لا فرق بين قمّلة النفس وقمّلة الغير.
نعم،
التعليل الوارد في صحيحة معاوية بن عمّار الدالّة على جواز إلقاء المحرم الدواب كلّها إلّا القمّلة، بقوله: «فإنّها من جسده» ربما يوهم اختصاص الحكم بما يرتبط بجسد المحرم، وأمّا ما يرتبط بالغير سواءً كان إنساناً أو حيواناً فلا دليل فيه على المنع، ولكن الظاهر أنّه لا مدخلية للإضافة إلى نفس المحرم.
لا خلاف
في حرمة إلقاء القمّل؛ للنصوص التي مرت
الإشارة إليها:
منها: صحيح معاوية: «المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القمّلة، فإنّها من جسده، وإذا أراد أن يحوّل قمّلة من مكان إلى مكان فلا يضرّه».
ومنها: خبر
ابن أبي العلاء : في المحرم «لا ينزع القمّلة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً، ومن فعل شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضة بيده».
وأمّا رواية
مرّة مولى خالد : عن المحرم يلقي القمّلة، فقال: «ألقوها أبعدها اللَّه غير محمودة ولا مفقودة»
فضعيفة بمرّة مولى خالد، فإنّه مجهول،
والرواية مهجورة،
مع أنّه يمكن التقييد بالإيذاء.
ثمّ إنّه قد يستفاد من ذيل خبر معاوية بن عمّار، حكم غير القمّلة ممّا يتكّون من الجسد، وإلّا فلا دليل عليه.
أمّا إلقاء البق أو البرغوث فقد يقال بعدم جوازه، بل قد ينسب إلى المشهور
أنّه لا فرق في ذلك بين القمّل وغيره.
واستدلّ له ببعض الروايات:
منها: صحيح ابن سنان، حيث سأل
الإمام الصادق عليه السلام أ رأيت إن وجدت عليّ قراداً أو حلمة، فقال: «نعم، وصغار لهما، إنّهما رقيا في غير مرقاهما».
ونوقش فيه: بأنّ المراد من التعليل عدم
اعتبار الجسم بالقراد والحلمة غالباً بخلاف القمّل ونحوه، فلا وجه
لاستفادة كون البرغوث أيضاً من هوام الجسد باعتبار كونه يرقى.
هذا مضافاً إلى العموم الوارد في صحيحة معاوية بن عمّار السابقة الدالّة على جواز إلقاء كلّ دابة عن البدن إلّا القمّلة؛ نظراً إلى أنّها من جسده.
والعلّة الواردة في ذيلها تدلّ على أنّ
المعيار في الحرمة هو التكوّن من الجسد، وهذا منحصر في القمّلة؛ ضرورة أنّ مثل البق والبرغوث لا يكون كذلك،
وحينئذٍ فدليل حرمة الإلقاء خاص بالقمّل ولا يشمل غيره.
ومن هنا كان المعروف بين المتأخّرين والمعاصرين
جواز إلقاء البق والبرغوث، خلافاً لبعض آخر ذهب إلى عدم جواز إلقاء هوام الجسد كالقمّلة والبرغوث ونحوهما.
وأمّا إلقاء القراد والحلمة فيجوز للمحرم إلقاء القراد والحلمة عن جسده
بلا خلاف ولا إشكال؛
للأصل
بعد أن لم يكن من هوام الجسد، ولصحيح معاوية بن عمّار السابق،
بل ولصراحة صحيحة
ابن سنان الماضية.
وكذا يجوز إلقاء القراد عن بعيره كما صرّح به غير واحد،
بل ادّعي عدم الخلاف فيه.
ويدلّ عليه مضافاً إلى
الأصل الأخبار الكثيرة:
منها: قول الإمام الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «إن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس، ولا يلقي الحلمة».
ونحوه خبر
عمر بن يزيد .
ومنها: حسن
حريز : «إنّ القراد ليس من البعير، والحلمة من البعير بمنزلة القمّلة من جسدك».
نعم، يستفاد من هذه الأخبار عدم جواز إلقاء الحلمة عن البعير كما ذهب إليه الشيخ الطوسي وجماعة من الفقهاء،
خلافاً لما نسب إلى الأكثر،
بل المشهور
حيث ذهبوا إلى جواز إلقاء الحلمة كالقراد عن البعير؛
للأصل، وصحيح ابن سنان السابق.
واورد عليه: بأنّ الصحيح المذكور ظاهر في الإلقاء عن نفسه، بل ظاهر التعليل فيه يقتضي المنع عنه في البعير.
وأمّا ما ورد في خبر
أبي عبد الرحمن أنّه سأل الإمام الصادق عليه السلام عن المحرم يعالج دبر الجمل، فقال: «يلقي عنه الدواب ولا يدميه»
فهو محمول على صورة المعالجة وخوف الضرر من بقائه، كما احتمل حمل كلام الأكثر على الحلم الذي من القراد؛ لإطلاق الأدلّة لا المتكوّن من جسد البعير الذي صرّحت به النصوص المزبورة.
أمّا نقل هوام الجسد من مكان إلى مكان آخر من جسده بحيث لا يكون معرّضاً للتلف و
الإسقاط فلا بأس به بلا خلاف؛
للأصل، ولقول الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة معاوية المتقدّمة، ومقتضى إطلاقها عدم
اشتراط كون
المنقول إليه كالمنقول عنه،
وإن قال به بعضهم،
ولكن لا دليل عليه وإن كان
أحوط .
نعم، إذا كان في تحويله إلى مكان آخر معرّضاً للسقوط فلا يجوز؛ لأنّه في حكم الإلقاء،
فينصرف عنه دليل جواز النقل،
كصحيح ابن عمّار المتقدّم.
•
حمل السلاح للمحرم ، يجب على المحرم في حال الإحرام الاجتناب عن امور تسمّى بتروك الإحرام ، منها: حمل السلاح.
يحرم على المحرم وغيره قطع
شجر الحرم وحشيشه
بلا خلاف فيه،
بل الإجماع عليه.
كما أنّه لا خلاف في جواز قطعهما في الحلّ على المحرم وغيره.
لكن يستثنى من
التحريم موارد
كالإذخر والنخل وشجر الفاكهة و
الأعشاب التي تجعل علوفة الإبل، وما ينبت في ملكه في وقت مالكيته، أو ما غرسه بنفسه، وعودة المحالة، فإنّه لا بأس بقطعها وقلعها، ويدلّ على ذلك جملة من الروايات.
وحيث إنّ حرمة قطع شجر الحرم تعمّ المحرم والمحلّ، وهي ليست ناشئة من حالة
الإحرام ، بل هي من أحكام الحرم أوكلنا تفصيل الكلام فيها إلى موضعها.
ثمّ إنّ هذه الامور المحظورة محرّمة على المحرم ويكون آثماً
بارتكابها حال الإحرام، وهي بحسب ما يترتّب عليها على قسمين: فمنها: ما يترتّب على فعله كفارة كالجماع والصيد، بينما لا يترتّب على بعض آخر منها إلّا
الاستغفار كالمجادلة في المرة الاولى إذا كان المجادل صادقاً في كلامه.
و
الكفارة على ضربين: إمّا أن يكون من الدم أو غير دم، كما أنّه قد يكون ترتّبها مختصاً بصورة
ارتكاب المحظور عن علم واختيار ومن دون عذر، وقد يكون ثابتاً حتى إذا كان لعذر أو حتى إذا كان جهلًا أو نسياناً. وتفصيل الأقسام والأحكام في ذلك نوكله إلى مصطلح (كفارة).
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۵۲۵- ۶۴۴.