الإذن (أثره)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإذن (توضيح) .
تترتب على الإذن آثار متعددة،يأتي مواردها بالتفصيل:
تقدّم ذكر
حرمة الكثير من التصرّفات المتعلّقة بملك الغير أو بحقّه إلّا أن تكون بإذنه،
فمع
الإذن ترتفع الحرمة، فلا يترتّب عليه
إثم .
فبالإذن يجوز التصرّف في مال الغير أو في ملكه بأنواع التصرّفات. وكذا يجوز التصرّف في حقّه، فإذن الزوج يرفع حرمة خروج الزوجة من بيتها،
وكذا إذن
الشارع بالتأديب يرفع حرمة ضرب الزوجة والولد لذلك،
كما أنّه يرفع حرمة ما يرتكبه المكره والمضطرّ ونحوهما، فإذن الشارع في تناول المحرّمات عند
الضرورة مبيح لذلك.
كما أنّ الإذن يرفع
الكراهة فيما لو كان التصرّف مكروهاً بلا إذن، فإذن الزوجة رافع لكراهة العزل،
وكذا إذن
الوالد رافع لكراهة
الصوم الندبي عن
الولد ،
ومثله إذن
المولى هذا بناءً على كراهة صومه ندباً إذا وقع بلا إذن من المولى والمضيف،
وكذا إذن
الإمام عليه السلام في
القصاص رافع لكراهة مبادرة الوليّ فيه.
ثمّ إنّما ترتفع
الحرمة بالإذن فيما إذا لم يكن المأذون فيه منهيّاً عنه شرعاً، وإلّا فلا، وعليه فلو أذنت المرأة
لأجنبيّ في الزنا فإنّه لا يرفع حرمته،
وكذا لو قال كامل لآخر: اقتلني لم يسغ
القتل ؛
لأنّ الإذن لا يرفع الحرمة الحاصلة من نهي
المالك الحقيقي.
هذا كلّه فيما إذا تقدّم الإذن على التصرّف.
وأمّا الإذن اللاحق للتصرّف- المسمّى
بالإجازة - فلا ثمرة له في حكم الحلّية
وارتفاع الحرمة؛ فإنّ المكلّف في حال التصرّف ما لم يكن مأذوناً من المالك فقد أتى بالمحرّم، والرضا المتعقّب لا ينفع في ذلك وإن كان نافعاً في ترتيب الآثار الوضعية كصحّة
عقد الفضولي بالإجازة اللاحقة من المالك.
ترتفع
الكفّارة بارتفاع الحرمة إذا كانت مترتّبة على
ارتكاب الحرام، فلو أذن الشارع في جواز
الإفطار للمريض أو المسافر في شهر
رمضان فإنّه موجب لسقوط الكفّارة عنهما، مضافاً إلى ارتفاع حرمة الإفطار.
تقدّم أنّ الإذن من حيث المضمون قد يكون تمليكاً، كما في الإذن في التملّك بالقبض، بناءً على صحّة ذلك.وقد يكون
إباحة شرعية أو مالكية من دون تمليك، كما في الأكل من بيوت الأرحام، وكما في الضيافات والولائم.وقد يكون عقداً من العقود، فلو أذن للغير في تسليطه على المنافع، فإنّه لو كان على وجه التعويض فهو
إجارة ، ولو كان على وجه المجّانية فهو عارية،
كما لو أذن صاحب الحائط لجاره في وضع الخشب على حائطه، أو أذن أرباب الدرب المختصّ بهم في وضع باب، أو نصب ميزاب، أو غيرهما.
وأمّا التسليط على العين
استقلالًا ، فإنّه إذا كان مع تحقّق التضمين فهو بيع، وإلّا فهبة.
وقد يكون الإذن توكيلًا أو تفويضاً، كما لو أذن للغير في التصرّف في ماله
ببيع أو شراء وأمثال ذلك، فإنّ ذلك يرجع إلى
الوكالة أو
التفويض في التصرف عن المالك.
وهكذا غير ذلك ممّا يمكن تصويره في مضمون الإذن.
والآثار الوضعيّة هي:
لو وقع التصرّف الموقوف على الإذن عن إذن صحّ،
كاعتكاف الزوجة، أو حجّها الندبي بإذن الزوج،
وكالصلاة على
الميّت بإذن الوليّ.
قال
العلّامة الحلّي : «فلو اعتكف
العبد أو الزوجة لم يصحّ إلّا مع إذن المولى والزوج».
ولو وقع مثل هذه التصرّفات العباديّة بغير إذن بطلت، ولا يؤثّر في صحّتها الإذن اللاحق.
وأمّا العقود والإيقاعات المتوقّفة على الإذن فإنّها لو حصلت بغير إذن فلا تقع باطلة بل تكون موقوفة على الإذن اللاحق، إلّا أن يشترط فيها قصد القربة أيضاً، فتبطل، كما لو وقف مال الغير، حيث لا يصحّ وقف مال الغير، ولا يؤثّر فيه أيضاً الإذن اللاحق؛ لأنّ نيّة التقرّب شرط فيه، ولا يقوم الغير مقام المالك فيها.
الإذن في العقود يفيد ثبوت ولاية التصرّف في المأذون فيه،
ففي الوكالة
والمضاربة والشركة ونحوها يثبت لكلّ واحد من الوكيل والعامل والشريك ولاية التصرّف في مقتضى الإذن، كالوكالة في عقد البيع وغيره، ولا يجوز التعدّي عمّا وقع عليه الإذن، بل تعتبر رعاية مصلحة المالك، فلا يجوز للمأذون أن يقوم بتصرّف يوجب ضرر المالك، أو يوجب عدم المصلحة.
فلو اشترى الوكيل بغبن فاحش لا يلزم الموكّل،
وكذا لو وكّله في تزويج امرأة بعينها فزوّجه غيرها، لم يثبت
النكاح ، ولزم الوكيل
مهرها ؛ لأنّه غرّها،
وكذا يجب على العامل أن يقتصر على التصرّف المأذون فيه، فلا يجوز التعدّي عنه، ولو تعدّى إلى غيره لم ينفذ تصرّفه وتوقف على إجازة المالك.
ثمّ إنّ الحقوق المترتّبة على العقود المأذون فيها من
التسليم وسلامة المبيع أو الثمن ونحو ذلك من الشروط، فإنّها ترجع إلى المأذون إذا كان وكيلًا مفوّضاً ولم يصرّح بالوكالة، كعامل القراض؛ فإنّه يرجع إليه جميع شئون
المعاوضة من دفع المبيع إليه، وأخذ الثمن منه، وأخذ
أرش العيب عنه لو ظهر عيب في الثمن- إذا كان هو
المشتري - وليس للموجب مطالبة الموكّل بوجه أصلًا؛ لأنّه ليس طرف التزامه. نعم، إنّ الوكيل يرجع إلى موكّله فيما دفع عنه.
هذا كلّه في الوكيل المفوّض.
وأمّا إذا كان وكيلًا في مجرّد
إجراء العقد فليس له شأن ذلك، فلا يلزم بشيء من ذلك، ولا يثبت له
الخيار ، وإنّما يرجع جميع ذلك إلى الموكّل.
وقع البحث في أنّ الإذن في التصرّف هل يوجب سقوط
الضمان عن المأذون له أو لا يوجب ذلك، أو أنّه يختلف باختلاف الموارد؟ وتفصيل البحث في ذلك سيأتي عند الكلام في اشتراط الضمان أو السلامة في الإذن.
يترتّب على الإذن في دخول الدار آثار، وهي:
۱- درء الحدّ عن المأذون له:
لو دخل شخص داراً بإذن مالكها ثمّ سرق من متاعها، فقد ذهب
الشيخ في
النهاية إلى أنّه لا حدّ عليه، وتبعه في ذلك
القاضي وابن إدريس ،
من دون فرق في ذلك بين أن تكون
السرقة من حرز أو غير حرز؛ وذلك للشبهة الدارئة للحدّ؛ لأنّ المأذون له صار بمنزلة أهل الدار وخرجت الدار بالنسبة إليه عن كونها حرزاً، فهو مؤتمن وليس بسارق، بل هو خائن للأمانة.هذا مضافاً إلى صحيحة
محمّد بن قيس عن
أبي جعفر عليه السلام: «الضيف إذا سرق لم يقطع...».
ولكن ذهب الأكثر بل هو المشهور
إلى القول بالتفصيل بين أن يسرق من الحرز وعدمه، فيقطع في الأوّل دون الثاني،
وهو اختيار الشيخ في
المبسوط .
وعليه فتحمل الصحيحة على ما إذا ائتمنه، كما يظهر ذلك من قوله عليه السلام في موثّقة
سماعة : «الأجير والضيف امناء ليس يقع عليهم حدّ السرقة»،
دون ما إذا أحرز ماله فإنّه لم يستأمنه على ذلك المال المحرز».
۲- ضمان الجناية:
لو دخل رجل داراً بإذن مالكها، فعقره كلبه، أو وقع في بئر غير مكشوفة، أو كانت
البئر مكشوفة ولكنّ الداخل أعمى، فالضمان على مالكها؛ لأنّه يلزم عليه أن يحفظ الداخل من
الحيوان والبئر، مع أنّه تسبّب في
الجناية عليه، بخلاف ما إذا دخل بغير إذنه فإنّه لا يضمن الجناية.
وتدلّ عليه رواية
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم، فعقره كلبهم، قال: لا ضمان عليهم، وإن دخل بإذنهم ضمنوا».
۳- دفع الفطرة عن الضيف:
ممّا انفردت به
الإماميّة القول بأنّ من أضاف غيره طول شهر رمضان يجب عليه
إخراج الفطرة عنه.
وفيه بحث .
۴- إذن صاحب الدار في صوم الضيف تطوّعاً:
ورد
النهي عن صوم الضيف تطوّعاً بدون إذن مضيّفه؛
فإنّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من نزل على قوم فلا يصم تطوّعاً إلّا بإذنهم».
مع اختلاف. والمشهور
استفادة الكراهة منه وعليه فيعتبر إذن المضيّف في ارتفاع كراهة صوم الضيف التطوعي، أو حرمته، حسب اختلاف الأقوال فيه.
لا إشكال في عدم جواز الجناية على
النفس المحترمة بسبب من الأسباب، سواء كان في حال
اضطرار أو
اختيار ولو بإذن المجني عليه؛ لأنّ الإذن لا يرفع الحرمة الحاصلة من نهي الشارع الذي هو المالك الحقيقي. وهو ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال، وإنّما وقع البحث في انّ الإذن من المجني عليه هل يوجب سقوط القصاص أو
الدية أم لا؟
فلو قال لآخر: اقتلني أو لأقتلنّك، فأثم وباشر، فذهب الشيخ في المبسوط،
والمحقّق في
الشرائع ،
والعلّامة في
الإرشاد إلى سقوط القصاص عنه، بل ذكر
الشهيد الثاني أنّ هذا هو الأشهر، بدعوى أنّه أسقط حقّه بالإذن، فلا يتسلّط الوارث عليه؛ لأنّه إنّما يستحقّ بما ينتقل إليه عن المورّث، والمورّث لا حقّ له هنا بالإذن؛ ولأنّ الإذن هنا شبهة دارئة.
والقول الآخر ثبوت القصاص عليه، وقد نقله ثاني الشهيدين وعلّله بأنّ القتل لا يباح بالإذن، فلا يسقط الحقّ به، كما لو قال: اقتل زيداً وإلّا قتلتك، ويمنع من كون الحقّ يجب للمورّث أوّلًا؛ لأنّه لا يثبت إلّا بعد الموت، فيجب للورثة
ابتداءً .
وتوقّف العلّامة في الحكم في بعض كتبه، حيث قال: «ولو قال: اقتلني وإلّا قتلتك لم يجز القتل، فإن فعل ففي القصاص إشكال ينشأ من إسقاط حقّه بالإذن، فلا يتسلّط الوارث، ومن كون الإذن غير مبيح، فلا يرتفع العدوان».
وكذا قال في
التحرير: «وعندي فيه (سقوط القصاص) نظر».
ويترتّب عليه أيضاً حكم الدية، فإن لم نقل بالقصاص ففي ثبوت الدية وجهان مبنيّان على أنّ الدية تجب للورثة ابتداءً عقيب هلاك المقتول، أو تجب للمقتول في آخر جزء من حياته، ثمّ ينتقل إليهم، فعلى الأوّل تثبت الدية ولم يؤثّر إذنه، وعلى الثاني لا تثبت.
ويؤيّده: أنّ وصاياه تنفّذ منها، وتقضى ديونه، ولو ثبت للورثة ابتداءً لما كان كذلك، كزوائد التركة لو قيل بانتقالها إليهم بالموت.
وقد ناقش
المحقّق النجفي في سقوط القصاص بما تقدّم، ثمّ قال: «اللهمّ إلّا أن يشكّ في شمول أدلّة القصاص- بل والدية- لمثله،
والأصل البراءة ، ولا أقلّ من أن يكون ذلك شبهة يسقط بها قتله بناءً على أنّه كالحدود في ذلك، لكن لا يخفى عليك ما في الجميع، إلّا أن يندرج في الدفاع، فيتّجه حينئذٍ سقوط القصاص والدية والإثم».
ولو أمر إنساناً مختاراً بقتل غيره، فإن أكرهه على ذلك، بأن توعّده الظالم القادر بالقتل إن لم يقتله، فقد قام
الإجماع على أنّ القصاص على المباشر دون الآمر المكرِه- بالكسر- وذلك لعدم تحقّق الإكراه في القتل إجماعاً.
لو ورد الإذن في
استهلاك العين، فإن كان صادراً من الشارع ففائدته الإباحة الشرعية كما تقدّم ولو أذن الشارع في الأخذ والحيازة ونحوها ففائدته التملّك بذلك، كالإذن بأخذ مياه البحار والأنهار والغابات، وما فيها من الغوص والأسماك والحيوانات وغيرها، وأشجار الآجام، وما فيها من الثروات المنقولة القابلة للتملّك بالحيازة والأخذ.
قال
الحلبي : «من حفر بئراً أو قناة أو نهراً... جاز له بيع... ما يتناوله من الماء المباح وغيره؛ لأنّه بالحيازة صار ملكاً».
وقال العلّامة الحلّي: «لا يجوز بيع المباحات بالأصل قبل
الحيازة ، كالكلأ والماء والسمك والوحش».
وإن كان صادراً من الناس بعضهم للبعض الآخر فإنّه يختلف أثره، فقد تكون فائدته التمليك بعوض، كما في وضع الطعام أو المتاع في أمكنة عامّة لمن يريده بشرط وضع ثمنه المسمّى والمعيّن عنده، نظير وضع الأجهزة المتعارفة اليوم لأخذ بعض الأغذية والأشربة المنصوبة في المحلّات العامّة بدفع ثمنها في الموضع المعيّن في الجهاز.
وقد تكون فائدته التمليك أو التملّك بغير عوض،
كالهبة كما في وضع ما يؤكل ويشرب لأخذ الغير وتملّكه لنفسه.وقد لا يفيد الإذن في الاستهلاك تمليكاً، بل يفيد
إباحة ، كما في الولائم والضيافات ونحوها، فإذا قال له: كل هذا الطعام، فقد ذهب
الفقهاء إلى أنّه لا يملك بوضعه بين يديه، بل يكون ذلك إباحة للتناول،
وهذا متّفق عليه،
ولكن اختلف في الوقت الذي يملكه الآكل، فقيل: إنّه ينتقل إلى ملك المأذون له في الأكل بتناوله بيده.
وقيل بوضعه في فيه. وقيل بازدراد اللقمة.
ويتفرّع على هذه الأقوال جواز
إطعامه لغيره على الأوّل، لا على الباقي.
هذا، ولكن ذهب جماعة منهم إلى أنّه إذن في
الإتلاف فقط دون التمليك،
بل لا داعي إلى اعتبار الملك،
فإنّه يأكله مباحاً له، وملكه لغيره؛
لأصالة بقاء الملك على مالكه وعدم حصول شيء من الأسباب الناقلة عنه شرعاً.
لو ورد الإذن
بالانتفاع ، فإن كان من الشارع فقد تكون فائدته التمليك، كما في تملّك الأراضي الموات
بالإحياء .وقد تكون فائدته ثبوت حقّ
الاختصاص للمأذون، كما في السبق إلى المشتركات من
المساجد والمدارس والرباطات والخانات والأسواق.وقد تكون فائدته ثبوت حقّ الانتفاع فقط من دون اختصاص، كالانتفاع بالسباحة في البحار والأنهار، أو التردّد في الشوارع العامّة والطرق النافذة.
وأمّا الإذن بالانتفاع إذا كان صادراً من الناس بعضهم لبعض، فإن كان مجرّداً عن العقد- أي كان بمستوى الرضا وطيب النفس بالتصرّف، كإذن الملّاك في التصرّف في أملاكهم بما لا ينافي ملكيّتهم، وكدخول بستان
والاستظلال بأشجاره، أو دخول دار ونحوها- فإنّه لا يفيد التمليك، بل يوجب
ارتفاع الحرمة التكليفية.
وإذا كان منشأ الانتفاع عقداً من العقود فيترتّب على ذلك
استحقاق الانتفاع أو المنفعة، فإن كان إذناً وإباحة للانتفاع والتسلّط على المال- كما في العارية- كان المستعير مستحقّاً للانتفاع بها.
وإن كان إذناً وإباحة في تملّك المنفعة مجاناً أو بعوض- كما في عقد الإجارة- كان مستحقّاً، أي مالكاً للمنفعة.
وفرقه عن الأوّل: أنّه يمكنه حينئذٍ نقلها إلى الغير بعقد أو إرث أو غيرهما، وتكون المنفعة منتقلة بهذا الإذن عن ملك المالك إلى المأذون. وهذا بخلاف فرض الإذن وإباحة الانتفاع فقط، فإنّه لا يوجب الملك.ثمّ إنّ المأذون يضمن لو تعدّى عن الانتفاع المأذون فيه بعقد أو غيره.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۳۰۵-۳۱۴.