إحياء الموات (أثره)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
إحياء الموات (توضيح) .
الشريعة الإسلامية سمحت للأفراد بممارسة
إحياء الأرض وعمارتها، ومنحتهم حقّاً خاصّاً فيها على
أساس ما يبذلون من جهد في
سبيل إحياء الأرض وعمارتها. لكنّ السؤال المهم بهذا الشأن يرتبط بطبيعة الحقّ الذي يستمدّه
المحيي من خلال عمليّة الإحياء، هل هو حقّ
الملكية بحيث تنتقل ملكيّة
الأرض من
الإمام عليه السلام إلى المحيي وتخرج رقبة الأرض عن ملكه عليه السلام، أو هو حقّ
الأولويّة بحيث يكون المحيي أولى بالأرض من غيره من
الناس .
لا إشكال عندهم في أنّ الموات للإمام عليه السلام ومن
الأنفال ، وقد مرّت طائفة من الأخبار الدالّة عليه، كما لا
إشكال - في الجملة- في جواز إحياء هذه الأرض، وفي أنّ المحيي يكتسب بذلك حقّاً في
المحياة ؛ إذ جاء عن
أهل البيت عليهم السلام: أنّ «من أحيا أرضاً مواتاً فهي له»
وهو «أحقّ بها»،
و
المستفاد من هذه الروايات أنّ
الشريعة الإسلامية سمحت للأفراد بممارسة إحياء الأرض وعمارتها، ومنحتهم حقّاً خاصّاً فيها على أساس ما يبذلون من جهد في
سبيل إحياء الأرض وعمارتها.
لكنّ السؤال المهم بهذا الشأن يرتبط بطبيعة الحقّ الذي يستمدّه المحيي من خلال عمليّة الإحياء، هل هو حقّ
الملكية بحيث تنتقل ملكيّة الأرض من الإمام عليه السلام إلى المحيي وتخرج
رقبة الأرض عن ملكه عليه السلام، أو هو حقّ الأولويّة بحيث يكون المحيي أولى بالأرض من غيره من الناس؟
وفي المسألة قولان:
أنّها تكون ملكاً لمن أحياها، وهو
المعروف والمشهور
بين
الفقهاء قديماً وحديثاً،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
وقد استدلّ لهذا القول بامور:
ما دلّ على أنّ من أحيا أرضاً فهي له، كصحيحة
الفضلاء عن
أبي جعفر و
أبي عبد اللَّه عليهما السلام، قالا: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : من أحيا أرضاً مواتاً فهي له».
وصحيحة
محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «أيّما قومٍ أحيوا شيئاً من الأرض، وعمروها فهم أحقّ بها، وهي لهم».
و
موثقة السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من غرس شجراً، أو حفر وادياً بديّاً لم يسبقه إليه أحد، وأحيى أرضاً ميتة فهي له قضاء من اللَّه ورسوله صلى الله عليه و
آله وسلم».
ووجهه
ظهور اللام في هذه الأخبار في
الملك ؛
لأنّها تدلّ بطبعها على
الاختصاص ، و
إطلاق الاختصاص يدلّ على الملك؛ فإنّ الملكيّة اختصاص من جميع الجهات والحيثيّات، فإطلاق الاختصاص يدلّ عليها.
ونوقش
الاستدلال بها أوّلًا بمعارضتها بمثل روايتي
الكابلي و
عمر بن يزيد الدالّتين على الأحقّية ببيان أنّ غير
الشيعة لا بدّ وأن يعطوا الخراج وإلّا يكون كسبهم في تلك الأراضي حراماً، ولا معنى لحرمة
الكسب ووجوب الخراج في الأملاك الشخصيّة، فترفع
اليد عن ظهور اللام في الملكيّة، وتحمل على
إرادة مجرّد حقّ الاختصاص و
الأولويّة .
وسيأتي لذلك زيادة توضيح في أدلّة القول الثاني.
وثانياً بمعارضتها بما ورد في الأخبار الكثيرة،
من إحياء الموات من أنّه ليس لمحيي الأرض
تعطيلها وإلّا فلغيره إحياؤها، و
إجراء أنهارها فيكون أحقّ به من غيره، فلو كان الإحياء موجباً للملكيّة لما سقط حقّه بالتعطيل أزيد من ثلاث سنوات، فإنّ
الناس مسلّطون على أموالهم يفعلون فيها ما يشاءون.
وقد يجاب عنه
بإمكان القول بحصول الملك ما دام قائماً بعمارتها وأنّه يزول بزوالها وترك
عمارتها إلى ثلاث سنين.
النصوص المتضمّنة لجواز
الشراء من المحيي؛ معلّلًا فيها بأنّها بالإحياء صارت له
كرواية
أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن شراء الأرضين من
أهل الذمّة ، فقال: «لا بأس بأن يشتريها منهم، إذا عملوها وأحيوها فهي لهم...».
فلو لم تكن ملكاً فلا وجه لجواز
البيع .
واجيب عنها بعدم
دلالة جواز بيع الأرض المحياة على كونها ملكاً للمحيي؛ لجواز بيع الحقّ
الثابت فيها أيضاً، فإنّ البيع مبادلةٌ بين الشيئين بحيث يقوم كلّ منهما مقام الآخر في جهة
الإضافة ، ففي المقام يقوم العوض- وهو
الثمن - مقام المعوّض وهو الحقّ الثابت في تلك الأرض كحقّ
التحجير وحقّ
الجلوس ، كما هو
المرسوم اليوم في نقل الحقّ المتعلّق
بالدكاكين المسمّى في
الفارسية (بسرقفلي)، فجواز البيع من هذه الجهة.
قال : «والبيع لا يقتضي
التمليك إلّا في موردٍ قابل، وإلّا فهو جعل شيء بإزاء شيء، فيكون مقتضاه تارة الوقفيّة، واخرى الأحقّية، وثالثة زوال الملكيّة، كما قدّمناه في أوائل البيع، فتنتقل
الرقبة إلى
المشتري بمعنى أنّه ( المشتري) يقوم مقام البائع فيما له من الأحقّية، وهكذا إلى الآخر، كيف؟! وظاهر الأخبار- من أنّه عند قيام الحجّة عليه السلام يترك الأرض في أيدي الشيعة ويقاطعهم عليها- أنّها تبقى على حالها، لا أنّها بالنواقل الشرعية... وأمّا الإرث فهو أوضح؛ لأنّ الحقوق تورث
كالأملاك ».
وسيجيء زيادة بيان لذلك عند نقل كلام
السيد بحر العلوم (صاحب البلغة) في القول الثاني.
فإنّه على صعيد
التطبيق وعمل
المسلمين لم يكن يؤخذ ممّن أحيا أرضاً ميتة
خراج ولا
طسق ، بل كان يتعامل معه
تعامل المالك، فيقال: إنّ عدم أخذ الخراج من الأراضي المحياة في
العصر النبوي صلى الله عليه وآله وسلم وما بعده، وعدم أخذه صلى الله عليه وآله وسلم بهذا
المبدأ عمليّاً في
الإسلام - كما تدلّ عليه أخبار
التحليل أيضاً- يعتبر في نفسه دليلًا على المبنى المشهور، وهو حصول الملك بالإحياء. ولكن اجيب عنه أيضاً بعدم
التلازم ؛ لأنّ من حقّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
العفو عن الطسق، كما أنّ ممارسته على ذلك لا تعيّن عدم
السماح لإمام متأخّر العمل بهذا المبدأ وتطبيقه حين زوال الظروف التي كانت تمنع من ذلك.
أنّ الإحياء لا يوجب حقّ الملك، بل يوجب حقّ
الأولوية . وأوّل من أخذ بهذا الرأي
الشيخ الطوسي ، حيث قال: «فأمّا الموات فإنّها لا تغنم، وهي للإمام خاصّة، فإن أحياها أحد من المسلمين كان أولى بالتصرّف فيها، ويكون للإمام طسقها».
وأقرّ هذا الرأي
المحقق الفقيه السيّد محمّد بحر العلوم صاحب (
بلغة الفقيه ).
واختاره جمع من المتأخرين.
واستدلّ لهذا القول بعدة روايات، كرواية
أبي خالد الكابلي عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «وجدنا في كتاب
عليّ عليه السلام «إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ
الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»
أنا و
أهل بيتي الذين أورَثَنا الأرض، ونحن
المتّقون ، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها، وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها...».
ورواية عمر بن يزيد عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان
أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال
الهدنة ، فإذا ظهر
القائم عليه السلام فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه».
فالأرض في ضوء هذه النصوص لا تخرج رقبتها عن ملك الإمام ولا تصبح ملكاً خاصّاً لمن أحياها، وإلّا لما صحّ
التكليف بدفع
اجرةٍ عن الأرض للإمام، فتبقى رقبة الأرض ملكاً للإمام وإنّما يتمتّع الفرد بحقّ في رقبة الأرض يمكنه من
الانتفاع بها ومنع الآخرين عن
انتزاعها منه، وللإمام في مقابل ذلك فرض الطسق عليه.
قال السيد محمّد بحر العلوم في
توجيه كيفيّة
انسجام عدم الملك مع ظهور اللام في قوله «فهي له» أنّ هذا الكلام إذا صدر من مالك الأرض خطاباً للفلّاح الذي يعمل في أرضه
بأجرٍ فإنّه لا يظهر منه أكثر من أحقّيّته من غيره من الفلّاحين، ولا ينعقد له ظهور في نقل الملك،
وظاهر
الشهيد الصدر قدس سره
تقريره عليه.
وقال
السيد الخوئي قدس سره في مقام الجمع بين هذه الروايات والروايات السابقة الظاهرة في الملك: «وبالجملة: فيدور
الأمر بين
رفع اليد عن ظهور اللام في الملكيّة وبين
الالتزام بورود
التخصيص على دليل
السلطنة، أو الالتزام بتصرّف الإمام عليه السلام في ملك الغير بولايته الشخصيّة بحيث حكم بثبوت الخراج وإلّا فيكون
الكسب حراماً، فلا شبهة أنّ الأوّل أولى وأسهل للالتزام كما لا يخفى، وعلى هذا فيكون الحكم بعدم جواز الكسب (إلّا مع الخراج) على طبق القاعدة، وكذلك
إخراجهم من الأرض وأخذها منهم بعد
ظهور الحجّة ؛ فإنّ الملك ملك الغير، فإذا لم يف المتصرّف على ما شرطه عليه مالك الأرض فيكون كسبه حراماً على حسب القواعد؛ لكونه غصباً. ومن هنا اندفع ما تُوهّم من أنّ التملّك مشروط
بأداء الخراج، فإذا منعوا منه فلا يكون الملك حاصلًا. ووجه
الاندفاع أنّه لا معنى للخراج مع الملكيّة، وأنّ رفع اليد عن الملكيّة أسهل من رفع اليد عن
دليل السلطنة ...».
ثمّ إنّ هناك وجوهاً دقيقة قد تعرّض لها الشهيد الصدر في النسبة بين روايات المسألة، وكيفيّة الجمع بينها و
الاستدلال بها للمقام وما يرد عليها ويجاب عنها، لا تناسب البحث
الموسوعي تركناها فراجع.
هذا كلّه بالنسبة للأرض وتملّك رقبتها بالإحياء، وأمّا تملّك ما فيها من
المياه و
المعادن الباطنة وغيرها من
المكنوزات الطبيعيّة، فالخلاف فيها من حيث حصول الملك بالإحياء وعدمه كالخلاف في الأرض، فإنّ
المشهور القائلين بالملك قدأرسلوا حصول الملك (بالاحياء) في هذه المقامات
إرسال المسلّمات، وإنّما جعلوا الكلام في ما يتحقّق به إحياء
البئر وإحياء
النهر والمعدن ونحوها، ولعلّ هذا شاهد على شمول كلامهم في حصول الملك بالإحياء لغير الأرض أيضاً. بل نصّ الشيخ الطوسي-
المخالف في المسألة السابقة- على حصول الملك هنا، ولعلّ ظاهره الإجماع.
قال في
المبسوط : «وأمّا المعادن الباطنة- ممّا يكون في
بطون الأرض و
الجبال ولا يظهر إلّا بالعمل فيها و
المئونة عليها- فهل تُملك بالإحياء أم لا؟ قيل: فيه قولان، أحدهما: أنّه يملك، وهو
الصحيح عندنا... فإذا ثبت أنّها تملك بالإحياء فإنّ إحياءها أن يبلغ نيله، وما دون
البلوغ فهو تحجير، وليس بإحياء، فيصير أولى به مثل الموات»،
وكذا في المهذّب،
بل في
السرائر : «وهو مذهبنا».
وفي
الشرائع : «والمعادن الباطنة هي التي لا تظهر إلّا بالعمل كمعادن
الذهب و
الفضّة و
النحاس فهي تملك بالإحياء... وحقيقة إحيائها أن يبلغ نيلها، ولو حجّرها- وهو أن يعمل فيها عملًا لا يبلغ نيلها- كان أحقّ بها، ولم يملكها...».
وفي
الإرشاد : «وتملك (المعادن) الباطنة بالعمل... وإحياؤها ببلوغها، والتحجير بدونه».
وفي
المسالك : «... يملك بالإحياء وهو الحفر والعمل فيه بقصد التملّك إلى أن يبلغ نيله...».
وكذا غيرهم ممّن تعرّض للبحث
و
الغرض بيان عدم الفرق بين المقامين عند المشهور. نعم، سيجيء من بعضهم
الإشكال بالنسبة لحصول الملك بالحفر.
هذه تصريحاتهم في المعدن.
وأمّا البئر فقال
المحقّق الحلّي فيها: «وأمّا الماء فمن حَفَر بئراً في ملكه أو مباحٍ لتملكه فقد اختصّ بها كالمحجّر، فإذا بلغ الماء فقد ملك البئر والماء».
وقال
الشهيد الثاني في ذيله: «ومذهب
الأصحاب أنّه يملك بذلك...».
وأمّا النهر فقال فيه المحقّق الحلّي: «إذا استجدّ جماعة نهراً فبالحفر يصيرون أولى به، فإذا وصلوا منتزع الماء ملكوه، وكان بينهم على قدر
النفقة على عمله».
وقال الشهيد الثاني في ذيله: «لا خلاف في ملكيّة النهر بالحفر كما ذكرناه سابقاً إذا بلغ
الحافر حدّ الإحياء، ويتحقّق (الإحياء) بوصوله إلى مشرع الماء حيث يكون جريانه فيه بسهولة، سواء جرى الماء أم لا؛ لأنّ حصول
المنفعة بالفعل غير شرط في الإحياء»،
وقال أيضاً: «لا خلاف في أولويّة الحافر بالماء المذكور... ولا في ملكيّة نفس النهر، أعني الأرض المحفورة، بمعنى جواز بيعه، و
المعاوضة عليه، وترتّب أولويّة الماء الداخل فيه. وإنّما الخلاف في ملكيّة الماء الذي يدخل فيه، فالمشهور بين الأصحاب- خصوصاً المتأخّرين- أنّه يملك أيضاً، كما يملك الماء الخارج بحفر البئر والعين؛
لاشتراكهما في المقتضي وهو
الإخراج والكُلفة عليه كإخراج المعدن، وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم ملك الماء بذلك».
وقد يستدلّ لحصول الملك فيها بامور:
۱-
إدّعاء صدق إحياء الأرض بحفر هذه الامور فيكون إحياؤها إحياءً للأرض
بالسراية فتشملها الأخبار السابقة الدالّة على مملّكيّة إحياء الأرض، فإنّ في تعليق كثير من الفقهاء حكم ملكيّة الامور المزبورة بعنوان (الاحياء)
إشعار بل دلالة على أنّ نظرهم الاستدلال للحكم بهذه الأخبار. نعم، ظاهر رواية السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من غرس شجراً، أو حفر وادياً بديّاً لم يسبقه إليه أحد وأحيى أرضاً ميتة فهي له، قضاءً من اللَّه ورسوله»
أنّ نفس
الحفر في قوله: «أو حَفَر وادياً» كافٍ للاستدلال به على الحكم بناءً على شمول الحفر لحفر البئر والنهر والمعدن، فلا يحتاج إلى ادّعاء صدق إحياء الأرض بالسراية، ثمّ الاستدلال بأخباره على المقام. إلّا أنّ
الظاهر من
تعبير الفقهاء (بالإحياء) عدم استدلالهم بهذه الفقرة، إمّا لكفاية ما دلّ على حصول الملك بإحياء الأرض أو لوجوه اخرى ستأتي.
قال
المحقق النجفي في
المعدن : «وعلى كلّ حال فهي- أي الباطنة- تملك بالإحياء الذي هو العمل حتى يبلغ نيلها بلا خلاف أجده بين من تعرّض له... ولعلّه لصدق الإحياء الذي هو سبب الملك، ولو بملاحظة ما سمعته من
فتوى الأصحاب؛ فإنّ إحياء كلّ شيء بحسبه، ومن هنا يملك البئر ببلوغه الماء الذي فيها؛ إذ هو كالجوهر الكائن فيها ويبلغه بحفرها...».
۲- دعوى شمول ما دلّ على مملّكيّة
الحيازة والسبق للمقام،
قال المحقق النجفي في البئر: «وأمّا ملك الماء ببلوغه الذي نسبه غير واحدٍ إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه، بل لعلّه كذلك نظراً إلى
السيرة المستمرّة، فقد يقال: إنّ الوجه فيه... دعوى أنّ ذلك حيازة له، أو سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فيكون له... أو أنّه إحياء للأرض بالسراية على نحو ما سمعته في المعدن...».
واجيب عن الدليل الأوّل- بعد
تسليم صدق إحياء الأرض بحفرها وكشف ما فيها- بأنّ
الشريعة إنّما جعلت الحكم- وهو الملكيّة- على نفس رقبة الأرض على أساس الإحياء للنصّ التشريعيّ: «من أحيا أرضاً فهي له»، والمعدن ليس أرضاً، وكذا غيره من المكنوزات الطبيعيّة. وقد يستشهد على ذلك بفعل الفقهاء في
أراضي الفتح العامرة حيث حكموا بكونها ملكاً للمسلمين، ولم يلحقوا بها معادن تلك الأراضي في هذه الملكيّة، معترفين بأنّ المعدن ليس أرضاً.
واجيب عن الثاني بعدم قيام دليل على سببيّة الحيازة لتملّك المصادر الطبيعيّة الكامنة في الأرض،
كما لا
دليل على سببيّتها لتملك نفس رقبة الأرض. وبالجملة: لا يوجد نصّ صحيح يدلّ على أنّ كلّ حيازة
سبب للملكية.
۳-
فحوى النصوص الدالّة على جواز بيع
الشرب ، كرواية
سعيد الأعرج عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن
الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة فيها شركاء، فيستغني بعضهم عن شربه، أ يبيع شربه؟ قال: «نعم، إن شاء باعه بورق، وإن شاء بكيل
حنطة »،
فلو لم يكن ملكاً لما جاز بيعه.
واجيب عنه بأنّ جواز البيع أعمّ من الملكيّة؛ لأنّ الحقّيّة تكفي لتصحيح البيع، فقد يكون بيعاً بلحاظ الحق، فينتقل هذا الحقّ بالبيع إلى
المشتري ،
وقد مرّ تفصيل الكلام فيه في مبحث الأرض.
۴- قيام السيرة العقلائيّة على الملك.
واجيب عنه أيضاً بإمكان منع قيام
السيرة في أيّام
الأئمّة عليهم السلام على أكثر من الأحقّيّة والأولويّة، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك، كما أنّ القول بأنّ
معاملة الناس مع هذه الأراضي معاملة الملك حيث يبيعونها فيكشف بها نوع
علاقتهم مع الأرض، قد مرّ
الجواب عنه بأنّ البيع كما يقع على
العين يقع على الحقّ الثابت في الأرض أيضاً، فلا يكشف مجرّد
إطلاق البيع عن ملكيّة نفس رقبة الأرض وبيعها.
مضافاً إلى أنّ السيرة حيث لا تكون حجّة بذاتها بل بإمضاء الشارع، ولا طريق عادة
لاكتشاف رضاه إلّا بعدم الردع، فلا بدّ لدى الاستدلال بها من
الجزم بعدم
الردع ، ومع وجود ما يحتمل دلالته في الأخبار على الردع- ولو لم يكن تامّاً سنداً- لا يحرز
الإمضاء ، والروايات الواردة تارة:
بلسان أنّ الناس شركاء في الماء، واخرى: بلسان
النهي عن منع فضل الماء، وثالثة: بلسان النهي عن بيع القناة بعد
الاستغناء عنها
تؤدّي على أقلّ
تقدير إلى
احتمال ورود الردع عن
الاختصاص المطلق المسمّى بالملك.
وقد يجاب عن البيان الأخير بأنّ عدم
إحراز إمضاء السيرة مع وجود بعض الأخبار- ولو كانت ضعافاً سنداً- وإن كان في نفسه صحيحاً؛ لاحتمال
اتّكال الشارع في ردعه عليها، إلّا أنّ ذلك قد لا يكفي في ما يكثر
ابتلاء الناس به من المسائل؛ إذ لو تحقّق فيها ردع لبان وشاع، ولم يبق في حال
الإجمال والاحتمال، وبعبارة اخرى: يكون عدم وضوح الردع في مثل هذه المسائل دليلًا على عدمه. وما نحن فيه من هذا القبيل، فلا يكفي احتمال الردع في عدم إحراز الإمضاء.
وبذلك اتّضح وجه
القول بعدم الملك فيها أيضاً.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۱۹۱-۲۰۱.