الانتقال في الأحكام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
للانتقال في الأحكام بعض التطبيقات الواردة في الفقه وأهمّها ما يلي:
من المعاني التي استعمل
الفقهاء فيها كلمة
الانتقال في التحوّل المعنوي هو ما ذكروه في باب المطهّرات، من أنّ النجس إذا انتقل إلى جسم طاهر وصار جزءً من المنتقل إليه يشمله حكم الثاني ويحكم بطهارته.
من الثابت في أحكام
المستحاضة أنّ لها ثلاثة أقسام أو مراتب: قليلة، ومتوسّطة، وكثيرة، وتبعاً لهذه المراتب تختلف أحكام المستحاضة.
فالقليلة حكمها هو وجوب
الوضوء لكلّ صلاة، وغسل ظاهر فرجها لو تلوّث بالدم، وتبديل
القطنة أو تطهيرها.
والمتوسّطة حكمها- مضافاً إلى ما ذكر في القليلة- أنّه يجب عليها غسل واحد لصلاة الغداة، أو لكلّ صلاة حدثت قبلها أو في أثنائها، أي في اليوم
غسل واحد.
والكثيرة حكمها- مضافاً إلى ما ذكر فيهما وإلى تبديل
الخرقة أو تطهيرها- غسل آخر للظهرين تجمع بينهما، وغسل للعشائين تجمع بينهما.
ويبدو من هذه الأحكام أنّ
الاستحاضة القليلة (الصغرى) حدث أصغر كالبول، إن استمرّت أو حدثت قبل كلّ صلاة تكون كالحدث المستمر، والمتوسّطة والكثيرة حدث أصغر وأكبر.
وهنا يأتي الكلام فيما لو انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى- كما إذا صارت القليلة متوسّطة أو كثيرة أو المتوسّطة كثيرة- أو انتقلت من الأعلى إلى الأدنى- كما إذا صارت الكثيرة متوسّطة أو قليلة- فما هي الأحكام المترتّبة على هذا الانتقال؟
وصور الانتقال في الحالتين مع كون أقسام الاستحاضة ثلاثة تكون ستّ صور:
الاولى: انتقال الاستحاضة القليلة إلى الكثيرة، فإن كان ذلك قبل الشروع في الأعمال فلا إشكال في وجوب أعمال الاستحاضة الكثيرة في حقّها؛
لارتفاع القليلة عن الفرض.
وأمّا إذا انتقلت إليها بعد
الإتيان بالأعمال فلا تجب
الإعادة بوجه؛ لأنّ
المرأة أتت بوظائفها، والانتقال المتأخّر لا يوجب
بطلان ما سبق من الأعمال.
وأمّا إذا انتقلت إلى الكثيرة في أثناء عملها من الوضوء والصلاة ولو في آخر جزء من الصلاة، فهنا إن كان الوقت واسعاً للإعادة و
الاغتسال فلابدّ من
استئناف صلاتها، فتأتي بها مع الغسل أو معه والوضوء؛ وذلك لأنّ ما دلّ على وجوب التوضّؤ في حقّ المرأة المستحاضة لكلّ صلاة إنّما هو مقيّد بما إذا كانت الاستحاضة قليلة، فإذا تبدّلت إلى الكثيرة لا يكفي الوضوء في صلاتها.
وأمّا إذا كان الوقت ضيّقاً، فإن كانت متمكّنة من التيمّم والصلاة فوظيفتها التيمّم والصلاة، وإن لم تتمكّن منه فهي فاقدة للطهورين، ولا يجب عليها أن تستمرّ في عملها؛ بل ترفع اليد عنه وتقضيه فيما بعد.
الصورة الثانية: ما إذا انتقلت القليلة إلى المتوسّطة، فإذا لم تكن قد أتت بشيء من أعمالها فيجب عليها أن تأتي بأعمال المتوسّطة، ولو كان الانتقال بعد الإتيان بالأعمال فلا تجب معه الإعادة.
وأمّا في الانتقال في الأثناء فيجب
رفع اليد عن عملها وتستأنف غسلًا ووضوءً، ولا تكتفي بالوضوء الذي أتت به قبل الانتقال، ومع ضيق الوقت فالكلام هو الكلام في الصورة السابقة.
الصورة الثالثة: إذا انتقلت من المتوسّطة إلى الكثيرة فلا كلام فيما إذا كان الانتقال قبل الأعمال أو بعد الإتيان بها، أمّا إذا انتقلت إليها في الأثناء فيجب عليها أن ترفع اليد عن عملها وتستأنف مع الغسل.
الصورة الرابعة: وهي ما إذا انتقلت من الأعلى إلى الأدنى، فالكثيرة إذا انتقلت إلى المتوسّطة ليس لها
الاكتفاء بالغسل الواحد مع الوضوء، بل لابدّ لها من الإتيان بوظائف الكثيرة؛ لصدق أنّها امرأة تجاوز دمها الكرسف، والاستحاضة الكثيرة آناً مّا كافية في ثبوت أحكامها.
الصورة الخامسة والسادسة: ما إذا انتقلت الكثيرة أو المتوسّطة إلى القليلة، فإنّه لابدّ من الإتيان بوظيفة الكثيرة أو المتوسّطة؛ لكفاية صدق كون المرأة ممّن ثقب دمها أو تجاوز الكرسف آناً مّا في ترتّب أحكامها.
والتفصيل في محلّه.
لا يسوغ للمكلّف الانتقال في طهارته من الحدث من الماء إلى التيمّم إلّامع توفّر شروط أو مسوّغات يمكن
إرجاعها إلى شيء واحد عند التحقيق، وهو العجز عن
استعمال الماء عقلًا أو شرعاً.
وقد ذكرها بعض الفقهاء ضمن ثلاثة أسباب، وهي: عدم الماء، وعدم الوصول إليه، والخوف من استعماله.
وذكر
العلّامة الحلّي أنّ مسوّغات الانتقال إلى التيمّم ثمانية، هي: فقد الماء، والخوف من اللص ونحوه، و
الاحتياج للماء بسبب العطش، والمرض والجرح وشبههما، وفقد الآلة التي يتوصّل بها إليه، والضعف عن الحركة، وضيق الوقت للطهارة المائيّة، وجعل منها أيضاً خوف الزحام
يوم الجمعة أو عرفة.
وهذه جميعها يمكن
إدراجها وإرجاعها إلى ما ذكرناه أوّلًا.
وتفصيلها يذكر في محلّه.
وجوب القيام من الأحكام الثابتة على المصلّي، وهو ركن في كلّ ركعة من ركعات الصلاة مع القدرة، بحيث يكون قيامه من غير استناد مقدوراً له اختياراً.
نعم، ينتقل حكم المصلّي مع فقدان القدرة عليه إلى الأدنى فالأدنى من الحالات، فمن لم يستطع القيام لوحده اختياراً يجوز له
الاستناد ، وكذلك لو لم يستطع القيام إلّامنحنياً وجب عليه ذلك، ولو لم يستطع إلّاالقعود انتقل إليه.
ويأتي الكلام فيمن تجدّد العجز لديه في أثناء الصلاة عن القيام- مثلًا- فهل ينتقل أثناءها إلى الجلوس، بحيث تكون صلاته ملفّقة من حالتين اختياريّة و اضطراريّة .
وقد يكون
الأمر بالعكس فتتجدّد القدرة بعدما كان عاجزاً فعليه
إكمال الصلاة من قيام، فهل يكملها بالقيام ويكتفي بما أدّاه في الوظيفة الاضطراريّة، أم يستأنف الصلاة ويصلّيها كلّها من قيام؟
وقد ذكر في محلّه في باب الصلاة أنّ العجز الطارئ في الأثناء قد يكون مستمرّاً إلى آخر الوقت، وقد يزول قبل خروجه.
أمّا في المستمرّ فلا ريب في انتقال الوظيفة إلى المرتبة النازلة، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء، فيؤدّي المصلّي صلاته ملفّقة من حالتين: الاولى مع القدرة، والثانية صلاته مع الوظيفة الاضطراريّة. ولا وجه للاستئناف.
هذا مع
استمرار العجز إلى آخر الوقت، أمّا لو ارتفع أثناء الوقت فظاهر
إطلاق المشهور هو الاجتزاء أيضاً بالصلاة الملفّقة، ولا حاجة إلى الإعادة حيث لم يفصّلوا في الحكم بالصحّة بين الصورتين.
وناقش فيه
السيّد الخوئي بأنّه لا يمكن الأخذ بهذا الإطلاق، بل لابدّ من حمل كلام المشهور على الصورة الاولى، وهي استمرار العجز إلى آخر الوقت؛ إذ لا وجه للحكم بالصحّة في الصورة الثانية وهي ارتفاع العذر والعجز قبل انتهاء الوقت؛ لأنّ العجز المسوّغ للانتقال إلى البدل إنّما هو العجز عن طبيعي الفريضة الاختيارية، وهذا يتحقّق مع
استيعاب العذر لتمام الوقت، وزوال العذر في الأثناء يكشف عن عدم كون الفرد
الاضطراري المأتي به مصداقاً للمأمور به، فلابدّ من رفع اليد عنه واستئناف الصلاة، كما هو مقتضى القاعدة في أمثاله.
أمّا في حال تجدّد القدرة على القيام في الأثناء فهنا أيضاً يُفرض الكلام تارة في ضيق الوقت بحيث لا يسع الاستئناف، واخرى في سعته.
أمّا مع ضيق الوقت فالصحيح هو
الاجتزاء بما صدر منه من
البدل ، والانتقال في بقية العمل إلى الوظيفة الاختيارية، من دون حاجة إلى إعادة ما سبق؛ لأنّه أتى بالعمل حسب الوظيفة الفعلية، وأدلّة البدلية كما تعمّ مجموع العمل تشمل أبعاضه أيضاً. والمفروض استيعاب العذر لتمام الوقت لعدم التمكّن من الاستئناف.
وأمّا في سعة الوقت فمقتضى كلمات الفقهاء الحكم بالصحّة هنا أيضاً، فيتمّ صلاته حسب الوظيفة الاختيارية، ويجتزئ بها، وكأنّهم اعتمدوا في ذلك على
استفادة الإطلاق من أدلّة البدليّة، فالجزء الاضطراري عندهم مجزي، سواء تمكّن من الاستئناف- لسعة الوقت- أم لا.
ويرد عليه النقاش المتقدّم من السيّد الخوئي، وبناء عليه لم يقل
بإجزاء الأوامر الاضطرارية عن الواقعية، وإن ذهب إلى جواز البدار لذوي الأعذار.
وتمام الكلام في محلّه.
يعني الانتقال هنا- وفي الفروع القادمة- العدول من شيء إلى شيء آخر، فالانتقال في قراءة السورة هو العدول من سورة إلى اخرى.
ولا إشكال ولا خلاف في جواز العدول من سورة إلى اخرى اختياراً في الجملة في أثناء الصلاة، وهو المطابق لمقتضى القاعدة، فإنّ المأمور به إنّما هو طبيعي السورة، ولا دليل على تعيّنه في سورة معيّنة بمجرّد الشروع فيها، وهذا هو الذي يقتضيه أيضاً إطلاق بعض النصوص.
إنّما الكلام في المورد الذي لا يجوز الانتقال فيه، فإنّه المحتاج إلى الدليل؛ لكونه على خلاف
الأصل ، وقد ذكرت للفقهاء في المقام أربعة أقوال:
الأوّل: تحديد جواز العدول بعدم بلوغ النصف، وهو قول
الشيخ الصدوق في الفقيه.
القول الثاني: تحديد الجواز بعدم تجاوز النصف، فلا يمنع العدول مع بلوغه، ولكن إذا جاوز النصف منع منه، وهو المشهور بين الفقهاء.
القول الثالث: تحديد الجواز ببلوغ ثلثي السورة، وهو قول
الشيخ جعفر كاشف الغطاء .
القول الرابع: جواز العدول مطلقاً من غير تحديد بحدّ، وهو ما اختاره
المحدّث البحراني .
وتفصيل الكلام والموازنة بين الأقوال يراجع في محلّه.
وقع البحث في الانتقال في النية والعدول بها في عدّة نقاط نذكرها إجمالًا فيما يلي:
من المتّفق عليه بين الفقهاء عدم جواز نقل النيّة (العدول) من صلاة إلى اخرى إلّا في موارد خاصّة ذكرها الفقهاء؛ تبعاً للأدلّة والنصوص التي بأيدينا.
ووجه عدم جواز
العدول ظاهر؛ إذ أنّ الصلاة الاولى بعد فرض كونها مغايرة للصلاة الثانية، فالأمر المتعلّق بإحداهما غير الأمر المتعلّق بالاخرى، ومن الضروري أنّ كلّ أمر لا يدعو إلّاإلى متعلّقه بتمام أجزائه وشرائطه، فلو أتى بإحداهما بقصد
امتثال أمرها فإنّها لا تقع امتثالًا إلّاله دون الأمر الآخر.
وعليه فلو أتى ببعض الصلاة ثمّ عدل بها إلى الاخرى فهي لا تقع امتثالًا للأمر الأوّل؛ لعدم الإتيان ببقية الأجزاء بداعي ذلك الأمر، كما لا تقع امتثالًا للثاني؛ لفرض عدم الإتيان بالأجزاء السابقة بداعي هذا الأمر، فلا تقع امتثالًا لشيء منهما، ومن المعلوم أنّه ليست في
الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من عنوانين ومتعلّقة لأمرين.
نعم، وردت في الشرع موارد رخّص فيها في العدول تعبّداً؛ توسعة في مرحلة الامتثال، وحيث إنّ ذلك على خلاف القاعدة ولا ضير في
الالتزام به تعبّداً الكاشف عن حصول الغرض منها بذلك، فلابدّ من
الاقتصار عليها وعدم التعدّي عن مواردها.
ومن الموارد التي ذكرت مشمولة
بالاستثناء هي:
۱- في الصلاتين المرتّبتين- كالظهرين والعشاءين- إذا دخل في الثانية قبل الاولى، فيعدل إليها بعد التذكّر في الأثناء إذا لم يتجاوز محلّ العدول، ومع التجاوز- كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكّر ترك المغرب- فإنّه لا يجوز العدول؛ لعدم بقاء محلّه. وقد حكم المشهور حينئذٍ
ببطلان العشاء، ولزوم استئنافها بعد المغرب.
وصرّح
السيّد اليزدي بصحّتها ويتمّها عشاءً، ثمّ يصلّي المغرب ويعيد العشاء
احتياطاً .
۲- إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاءً فشرع في اللاحقة قبل السابقة يعدل إليها مع عدم تجاوز محلّ العدول.
۳- إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً، فإنّه يجوز أن يعدل إلى القضاء إذا لم يتجاوز محلّ العدول.
۴- العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة إذا نسي قراءة
سورة الجمعة .
۵- العدول من الفريضة إلى النافلة
لإدراك الجماعة إذا دخل فيها واقيمت الجماعة. ويختصّ الحكم بما إذا لم يتجاوز محلّ العدول بأن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة.
۶- العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء
إقامة عشرة أيّام.
۷- العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعدما قصدها.
۸- العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.
وتفصيل البحث في هذه الموارد ووجه الجواز وأدلّته موكول إلى محلّه.
وفي نقل النية في الحج توجد صور نذكرها على الشكل التالي:
لا إشكال ولا خلاف في أنّه ليس للمتمتّع العدول إلى الإفراد أو القران؛ لأنّ العدول من واجب إلى واجب آخر على خلاف القاعدة، ويحتاج إلى دليل خاص.
ومن كانت وظيفته التمتّع لا يشرع في حقّه الإفراد أو القران، لا من الأوّل ولا في الأثناء اختياراً.
نعم، إذا ضاق وقته عن
إتمام العمرة وإدراك الحجّ ولم يسع الوقت لذلك جاز له العدول، ويجعل عمرته حجّ
الإفراد ويتمّها حجّاً، ثمّ يأتي بعمرة مفردة، وعليه جملة من الروايات.
هذا ما اتّفق عليه الفقهاء، ولكنّهم اختلفوا في حدّ الضيق المسوّغ للعدول على أقوال:
الأوّل: زوال
يوم التروية ، فإن تمكّن من إتمام العمرة قبل زوال يوم التروية فهو، وإلّا بطلت متعته ويجعلها حجّة مفردة، وهو قول
الشيخ المفيد .
الثاني: غروب الشمس من يوم التروية، وذهب إليه الشيخ الصدوق
وأبو الصلاح الحلبي.
الثالث: ظهر يوم عرفة، اختاره
الشيخ الطوسي في
النهاية .
الرابع: فوات الموقفين، واختلف فيه على أقوال:
أحدها: خوف فوات الركن من
الوقوف الاختياري لعرفة، وهو المسمّى منه.
ثانيها: خوف فوات الواجب من الوقوف، وهو من الزوال إلى الغروب (الوقوف الاختياري).
ثالثها: فوات الاختياري والاضطراري من عرفة.
رابعها: إذا زالت الشمس من يوم التروية وخاف فوت الوقوف فله العدول، وإن لم يخف الفوت فهو مخيّر بين العدول والإتمام.
ومنشأ
الاختلاف اختلاف الروايات.
نعم، يجوز- وقيل: بل يرجح- للمفرد الذي تجوز له
المتعة إذا دخل مكّة أن يعدل إلى التمتّع اختياراً فضلًا عن
الاضطرار بلا خلاف فيه، بل ادّعي عليه
الإجماع ، وتظافر النصوص.
وتفصيل الكلام فيها والبحث في الحكم بمقتضى النصوص أو القواعد يأتي في محلّه.
إذا عقد النائب
إحرامه بالحجّ عن
المستأجر عنه ثمّ نقل نيّته بعد ذلك إلى نفسه، فقد وقع الكلام في
انعقاده لنفسه أو للمستأجر عنه، أو عدم صحّته فلا يترتّب عليه ثواب ولا غيره.
ذهب بعض فقهائنا إلى أنّ
النائب إذا أكمل الحجّ وقعت الحجّة عن المستأجر عنه ويستحقّ النائب
الأجرة بذلك.
ولعلّ وجه الحكم فيه هو
استحقاق المنوب عنه أفعال الحجّة بإحرام النائب عنه، فلا يؤثّر العدول ونقل النيّة بعد أن صار
كالأجير الخاص الذي استحقّت منفعته الخاصة.
وذهب بعض آخر إلى أنّ هذه الحجّة لا تجزي عن أحدهما.
وما ربما يستدلّ به من نصّ- كما في خبر
ابن أبي حمزة والحسين عن
الإمام الصادق عليه السلام في رجل أعطاه رجل مالًا ليحجّ عنه فحجّ عن نفسه، فقال: «هي عن صاحب المال»
- فهو رواية ضعيفة، متروكة الظاهر، محتملة
لإرادة الثواب له.
وقد أجاب
المحقّق النجفي : «أنّ عدم النيّة بعد الاستحقاق عليه شرعاً وصيرورته كالأجير الخاص غير قادح، بناءً على ملك المستأجر له ما يقع منه من العمل، خصوصاً إذا كان الواقع العمل المستأجر عليه، ونيّة القربة بعد فرض حصولها لا تنافي المعنى المعاملي، وحينئذٍ فالرواية المزبورة مع تنزيلها على المعنى المزبور ليست متروكة الظاهر، على أنّها منجبرة في خصوص الفرض بفتوى من عرفت».
وتمام الكلام في المسألة يأتي في محلّه.
تترتّب الأحكام الشرعية على عناوينها الأوّلية، لكن قد تنتقل وظيفة المكلّف من حكم إلى آخر تبعاً لاختلاف العناوين بين الأوّلي والثانوي، كما في موارد التزاحم حيث يقدّم الأهم على المهم.
ومن أبرز نماذج الانتقال هنا هو الانتقال إلى أحكام الضرورة.
والضرورة
اسم من الاضطرار، والأخير وإن لم يحدّده الفقهاء في جميع الموارد، إلّا أنّه يمكن ذكر تحديدين أو تفسيرين له قد ذكروهما في كتبهم، وهما:
۱- ما يخاف فيه تلف النفس، وفي معناه تحقّق المرض أو زيادته ونحوه، حيث جعله بعض الفقهاء كذلك.
۲- ما يخاف فيه تلف النفس أو الطرف، أو وجود مرض أو زيادته، أو الضعف المؤدّي إلى التخلّف عن الرفقة مع الضرورة إليهم.
والمراد من
الخوف في كلمات
الأصحاب هو الخوف المعتدّ به عند العقلاء، لا مجرّد الوهم.
فإذا تحقّق الاضطرار فسوف يرفع التكليف إجمالًا، فيستباح به المحرّم أو يترك به الواجب حسبما ورد في الشرع المقدّس، وقد يصطلح عليه ب
قاعدة الاضطرار .
والاضطرار قد ينشأ عن الحاجة الشديدة أو الضرورة كما في الاضطرار إلى
أكل لحم
الخنزير .
وقد يكون منشؤه
الإكراه ، كما لو اكره على النطق بكلمة الكفر، أو
إتلاف مال الغير.
وثالثة يكون منشؤه الضرر الذي يحتمل وقوعه فيه.
ورابعة قد يكون منشؤه
التقيّة .
فإذا تحقّق الاضطرار- وكانت الضرورة قائمة يخاف فيها من تلف النفس أو الطرف أو زيادة مرض ونحوه- ينتقل حكم المكلّف من حالة
الاختيار إلى تكليفه عند الاضطرار؛ وذلك لأنّ قاعدة الاضطرار بالمعنى العام- الشامل لقاعدة نفي الضرر ونفي الحرج والإكراه والتقيّة ونحوها- حاكمة على أدلّة الأحكام الاخرى، وتتصرّف فيها بتضييق موضوعها أو متعلّقاتها، فالموضوع لأدلّة حرمة أكل الميتة- مثلًا- هو المكلّف، الشامل بإطلاقه للمختار والمضطرّ، وقاعدة الاضطرار تخرج المكلّف المضطرّ من موضوع الحكم فتختصّ الحرمة بالمختار، وترتفع المعارضة لارتفاع موضوعها.
تعرّض الفقهاء للانتقال في الدين على نحوين:
الأوّل: انتقال
المسلم عن دين
الإسلام إلى دين غيره.
الثاني: انتقال
الذمّي عن دينه إلى دين غيره.
أمّا الأوّل فقد حكم الفقهاء بأنّ المسلم إذا انتقل عن دين الإسلام يحكم بكفره و
ارتداده ، وتترتّب عليه كلّ الأحكام الواردة في حقّ المرتد من بينونة زوجته عنه، وانتقال أمواله إلى ورثته المسلمين، والحكم عليه بالقتل.
نعم، إذا كان إسلامه عن كفر ثمّ ارتدّ يستتاب، فإن امتنع قتل.
والمرأة إذا ارتدّت لا تقتل به إجماعاً، بل تحبس دائماً وإن كانت مولودة على
الفطرة ، وإذا تابت عفي عنها،
وأمّا الثاني فله نحوان:
أحدهما: انتقال الذمّي إلى دين لا يقرّ
أهله عليه كالوثنيّة، فهذا حكمه أنّه لا يقبل منه البقاء على ذلك ولا يقرّ عليه بلا خلاف ولا إشكال، بل حكي الإجماع عليه؛
وذلك لعدم قبول دين من انتقل إليهم، وعدم
إقرارهم عليه، فهو أولى بعدم القبول.
وذكر بعض الفقهاء في حكمه أنّه لا يقبل منه إلّاالإسلام أو القتل؛
لقوله سبحانه وتعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ»،
وللنبوي: «من بدّل دينه فاقتلوه».
وحكي عن البعض أنّه يقبل منه الرجوع إلى دينه مضافاً إلى الإسلام.
وحكي عن آخرين أنّه يقبل منه الرجوع إلى دين غير دينه الأوّل، إذا كان ممّا يُقرّ أهله عليه.
ثانيهما: انتقال الذمّي إلى دين يقرّ أهله عليه، كاليهودي ينتقل إلى
النصرانية أو المجوسية، أو
المجوسي ينتقل إلى النصرانية، وفيه قولان:
الأوّل: أنّه يقبل منه، وهذا القول محكي عن
الإسكافي ،
بل جعله الشيخ الطوسي هو الظاهر من المذهب،
بل حكى الإجماع عليه في الخلاف،
واختاره العلّامة الحلّي.
واحتجّ له بنقل الشيخ الطوسي الإجماع عليه، وبقبول
ابتداء انتحاله فكذا عقيب الكفر؛ إذ لا فارق، وأمّا الآية فإنّها مخصوصة بالذمّي الأصلي، فإنّه مبتغ غير الإسلام ديناً، ومحمولة على المسلم، وكذا
الحديث النبوي ؛ إذ الكافر لو بدّل دينه بالإسلام لقبل منه، فيحمل على تبديله دين الإسلام.
القول الثاني: أنّه لا يقبل منه، كما ذهب إليه بعض الفقهاء؛
لعموم قوله تعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ»،
والنبوي المتقدّم.
قال
المحقّق الكركي : «يضعّف الأوّل (أي القول بالقبول منه) بأنّ المراد من كون الكفر ملّة واحدة المجاز؛ للقطع بأنّه ملل لا ملّة، والمعنى: الكفر بالنسبة إلى الإسلام كالملّة الواحدة؛ لكمال المباينة بين الإسلام والكفر، وثبوت
الاشتراك بين الملل في معنى الكفر. قيل: قوله تعالى: «فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» لا دلالة فيه؛ لأنّ المراد عدم كونه مرضيّاً عند اللَّه، لا أنّه لا يقرّ عليه. وهو ضعيف؛ لأنّ القبول ضدّ الردّ، فما كان غير مقبول كان مردوداً. وأظهر منه دلالة قوله صلى الله عليه و
آله وسلم (المتقدّم): «من بدّل دينه فاقتلوه»، والدين أعم، ولا
اعتبار بتخيّل أنّ المراد به الإسلام، ولأنّه مأمور بالإسلام على كلّ حال، واستثني له الإقرار على دينه، فيبقى ما سواه على
الأصل ».
وتفصيل ذلك في محلّه.
أمّا الانتقال في المذهب فقد تعرّض فقهاؤنا له عند بحثهم لمسألة حكم المسلم المخالف إذا استبصر، وما يترتّب عليه من إعادة أو قضاء لبعض التكاليف التي أدّاها قبل استبصاره وانتقاله إلى المذهب الحقّ، كالصلاة و
الصيام والحجّ و
الزكاة ونحوها من العبادات.
والمعروف الذي لا ينبغي
الإشكال فيه عندهم أنّ المخالف إذا استبصر لا تجب عليه إعادة عباداته من الحجّ والصلاة والصيام، إلّاالزكاة؛ للنصوص الكثيرة:
منها:
صحيحة العجلي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام - في حديث- قال: «كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثمّ مَنّ اللَّه عليه وعرّفه
الولاية فإنّه يؤجر عليه إلّاالزكاة فإنّه يعيدها؛ لأنّه يضعها في غير مواضعها؛ لأنّها لأهل الولاية، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء».
ومنها: صحيحة
الفضلاء عن
أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام أنّهما قالا: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء
الحرورية و
المرجئة و
العثمانية و
القدرية ، ثمّ يتوب ويعرف هذا
الأمر ويحسن رأيه، أيعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة، لابدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، وإنّما موضعها
أهل الولاية».
ونحوهما من الروايات.
وبإزاء هذه الروايات هناك نصوص اخر تدلّ على عدم الفرق بين الزكاة وغيرها من العبادات في لزوم الإعادة إذا استبصر وعرف الولاية، وقد ذكرها
الحرّ العاملي في كتاب الحجّ من الوسائل، وعمدتها روايتان:
الاولى: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في حديث- قال: «وكذلك
الناصب إذا عرف فعليه الحجّ وإن كان قد حجّ».
الثانية: رواية
عليّ بن مهزيار ، قال: كتب
إبراهيم بن محمّد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر عليه السلام: أنّي حججت وأنا مخالف وكنت صرورة فدخلت متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ، قال: فكتب إليه: «أعد حجّك».
ولكنّهما لا تقاومان النصوص المتقدّمة؛ لضعفهما سنداً بسهل بن زياد،
مضافاً إلى
إمكان حملهما على
الاستحباب .
وبالجملة، لا ينبغي الإشكال في الحكم بالإجزاء وعدم وجوب الإتيان عليه مرّة ثانية، وإنّما وقع الكلام في أنّ موضوع الحكم بالإجزاء هل هو العمل الصحيح عنده وعندنا، أو الصحيح في مذهبه والفاسد في مذهبنا، أو الفاسد عند الجميع، أو الصحيح في مذهبنا والفاسد عنده؟ ففي المقام أربعة احتمالات:
الأوّل: أن يكون العمل الذي أتى به المخالف مطابقاً لمذهبه ومذهبنا جميعاً، ففي مثله يحكم بالإجزاء، بدعوى أنّ الأخبار ناظرة إلى تصحيح عمله من جهة فقدان الولاية، أمّا بالنسبة إلى سائر الشرائط فلابدّ أن يكون واجداً لها، فإذا كان العمل فاسداً من غير جهة الولاية فلا تشمله النصوص.
ويرد عليه: أنّه يستلزم حمل النصوص الكثيرة على الفرد النادر جدّاً، أو على ما لا يتّفق في الخارج أصلًا؛ إذ من المستبعد جدّاً أن يأتي المخالف بعمل صحيح يطابق مذهبه ومذهبنا معاً.
الاحتمال الثاني: أن يكون مورد النصوص العمل الصحيح عنده والفاسد عندنا، وهذا هو القدر المتيقّن من الروايات الدالّة على
الإجزاء .
الاحتمال الثالث: أن يكون العمل الصادر من المخالف فاسداً عند الجميع، كما لو طاف ستّة أشواط، أو لم يقف في المشعر أصلًا، ونحو ذلك.
وربما يقال بشمول الأخبار لذلك؛ لأنّ الحكم بالإجزاء منّة من اللَّه تعالى، ومقتضى
الامتنان تصحيح عمله و
إلغاء وجوب القضاء بعد
الاستبصار .
ويناقش فيه بأنّ الظاهر من الروايات كون العمل الصادر منه صحيحاً وإنّما كان الشخص فاقداً للولاية، فالسؤال ناظر إلى الإعادة من جهة فساد العقيدة، وإلّا فالمخالف لا يرى فساد عمله لولا الاستبصار، فلو كان عمله فاسداً عنده فهو كمن لم يصلّ ولم يحجّ على مذهبه، مع أنّ المفروض أنّه يسأل عن حجّه وعن صلاته.
الاحتمال الرابع: أن يكون العمل صحيحاً عندنا وفاسداً في مذهبه، فإن لم يتمشّ منه قصد القربة فلا ريب في
بطلان عمله؛ لفقدان قصد القربة، وقد ذكرنا أنّ النصوص لا تشمل العمل الفاسد في نفسه مع قطع النظر عن فساد العقيدة.
وإن تمشّى منه
قصد القربة فلا يبعد شمول النصوص لذلك والحكم بالإجزاء؛ إذ لا يلزم في الحكم بالإجزاء أن يكون العمل فاسداً عندنا، بل لا يحتمل اختصاص الحكم بالإجزاء بالفاسد الواقعي.
۲- الانتقال في الملكية والاستحقاق:
•
الانتقال في الملكية والاستحقاق،
۳-انتقال الضمان:
•
انتقال الضمان،
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۱۸-۴۷.