الاستقرار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
القرار و
الثبوت.
الاستقرار لغة: هو
القرار والسكون والثبوت .
ولم يستعمله
الفقهاء في غير هذا المعنى.
والمراد به ثبات أيّام
الحيض وقتاً وعدداً أو أحدهما، وتسمّى
بالعادة المستقرّة، في مقابل
المبتدئة والمضطربة التي ليس لها استقرار من هذه الناحية.
ومن أحكام المستقرة: اعتبارها حائضاً إذا اتّحد زمان
التمييز (هو اتّصال دم قوي جامع لصفات الحيض.)
والعادة، بلا خلاف في ذلك.
وكذا
الحكم في صورة عدم
الاتّحاد وعدم تجاوز العشرة، كما لو رأت أيّام عادتها
دماً أصفر لا تنطبق عليه صفات الحيض، ثمّ تبدّل إلى أسود في غير هذه الأيّام.
وأمّا في صورة
التجاوز وبقاء الصفرة فقد ادّعي
الإجماع على
اعتبار أيّام العادة حيضاً وما زاد عليها
استحاضة .
وفي صورة تبدّل الصفرة إلى حمرة متصفة بصفات الحيض فقد حكم
المشهور فيه بالتحيض في أيّام العادة فقط،
وخالف في ذلك [[|الشيخ]] معتبراً أيّام التمييز من الحيض دون أيّام العادة،
لكن قال فيما بعد في المبسوط والخلاف: فإن قلنا بالرجوع إلى العادة كان قويّاً.
بينما يظهر من
ابن حمزة التخيير بين أيّام التمييز والعادة.
وإذا كانت عادتها
مستقرّة وقتاً وعدداً ثمّ تقدّم الدم على الوقت أو تأخّر عنه، فقد ادعي
الاتّفاق على أنّها تتحيّض بالعدد وتلغي الوقت؛ لإمكان تأخّر العادة أو تقدمها.
الأول:
إطلاق بلحاظ
المصلّي . أمّا بلحاظ المصلّي- المعبّر عنه
بالطمأنينة في مقابل الحركة
والاضطراب - فالواجب هو الاستقرار في أجزاء
الصلاة الواجبة ،
كالركوع والسجود والتكبير والأذكار الواجبة ، بل ادّعي على ذلك الإجماع في الركوع والسجود.
وقيل بوجوبه حتى في
الأذكار المستحبّة إن اتي بها بقصد ورود
استحبابها في الصلاة،
بل ادّعي الاتّفاق على ذلك،
بينما أكّد جماعة على أنّ لزوم مراعاته ليس إلّامن
الاحتياط الواجب .
الثاني:إطلاق بلحاظ مكانه.
وأمّا بلحاظ
المكان - كحركة
الدابة والسيارة والطائرة والسفينة - فالبحث فيها تارة يقع عن الصلاة في أمثال السيارة والدابة، واخرى عن الصلاة على ظهر السفينة.
أمّا الصلاة على أمثال الدابة والسيارة فقد اتّفق الفقهاء
على عدم صحتها إذا كانت مستلزمة لفقدان بعض الأجزاء والشرائط
والإخلال بها كالطمأنينة- مثلًا
- واختلفوا في صورة عدم استلزامها ذلك، فذهب المشهور إلى عدم صحتها،
وذهب آخرون إلى صحتها،
بينما قيّد بعضهم
الصحّة بصورة
الأمن من الإخلال،
وخالف في ذلك جماعة مدّعين عدم صحّتها حتى مع الأمن من ذلك.
وأمّا الصلاة في السفينة فلا خلاف في صحّتها إن لم تستلزم الإخلال،
وإلّا فالمشهور
عدم الصحّة،
وقيل بالصحّة في هذه الصورة أيضاً.
هذا كلّه في حال
الاختيار . وأمّا في حال الاضطرار فتجوز الصلاة
ماشياً أو
راكباً ،
بل قيل: إنّ ذلك مذهب
علمائنا .
والمراد به ثبوته وعدم تزلزله، وقد تعرّض الفقهاء لذلك في عدة مواطن:منها: في
البيع ، حيث ذكروا أنّ
الملكيّة لا تستقرّ
بالعقد إلّاإذا لم يكن هناك خيار لأحد الطرفين، أو أسقط ذو
الخيار حقّه منه.
ومنها: في
شراء بعض الأقارب، حيث أجمع الفقهاء على عدم استقرار ملكية الرجل في شراء
الآباء والامهات والأجداد والجدّات وإن علوا،
والأولاد وأولادهم ذكوراً وإناثاً وخناثاً وإن نزلوا،
والأخوات والعمات والخالات وإن علت، وبنات الأخ وبنات الاخت.
وأمّا ما عدا هؤلاء من
الأقارب ،
كالأخ والعمّ والخال وأولادهم فتستقرّ ملكيّة الرجل عليهم على
كراهة .
وأمّا المرأة فلا تستقرّ ملكيّتها على الآباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا، بلا خلاف في ذلك؛
فإنّ الملكيّة تتحقّق في هؤلاء آناً ما ثمّ يحصل
الانعتاق ؛ جمعاً بين ما دلّ على قاعدة (لا عتق إلّافي ملك)، وبين ما دلّ على الانعتاق القهري في بعض
أرحام الرجل أو
المرأة ،
ممّا يعني تزلزل الملك وعدم استقراره بالنسبة إليهم.
ومنها: في
الإجارة ، حيث ذكروا أنّ ملكيّة
الأجرة لا تستقرّ إلّابعد
استيفاء المنفعة في إجارة الأعيان، أو بعد إتمام العمل في إجارة الأشخاص.
ومنها: في
الاستطاعة للحجّ ، حيث اشترط بعضهم في تحقّقها وجود ملكيّة مستقرّة، فلا تتحقّق الاستطاعة بامتلاك مال مشروط بالخيار.
وخالف في ذلك جماعة، مدّعين كفاية مجرّد امتلاك
المكلّف ما يحجّ به من
زاد وراحلة ، وليس للاستقرار أو
التزلزل دخل في مفهوم الاستطاعة؛
لأنّها متحقّقة حتى مع
العلم باستعمال ذي الخيار حقّه في المستقبل.
اتّفق الفقهاء على استقرار تمام
المهر على
الزوج إذا تحقق
الدخول ،
واختلفوا في استقراره بموت أحد الزوجين، أو
ارتداد الزوج، أو حصول
الخلوة بينهما، حيث ذهب المشهور إلى استقراره بموت أحد الزوجين.
وأمّا ارتداد الزوج فقد ذهب بعضهم إلى أنّه يوجب استقرار تمام المهر قبل الدخول،
بينما ذهب آخرون إلى أنّ لها نصف المهر.
كما تعددت آراؤهم في استقراره بحصول الخلوة، فذهب الأكثر
أو المشهور
إلى عدم الاستقرار، واختار جماعة الاستقرار،
وقد حكاه الشيخ في المبسوط عن قوم من أصحابنا.
وقيّده آخرون بصورة عدم المانع من الدخول.
وأمّا في حالة
التنازع والاختلاف في تحقّق الدخول، فقد ذهب بعضهم إلى تقديم قول المرأة في صورة عدم تمكّن الرجل من إثبات عدم دخوله بها، وإن كان لا يجوز لها أخذ المهر إذا لم يكن قد دخل بها واقعاً.
تعدّدت آراء الفقهاء في المقصود من استقرار
الحياة ، فمنهم من فسّرها في
الحيوان بطرْف العين أو تحريك
الذَنَب أو
الركض ،
ومنهم من فسّرها بالحركة وخروج
الدم معاً،
ومنهم من فسّرها بالحركة اليسيرة أو خروج الدم
كما هو المشهور بين
المتأخرين ،
ومنهم من فسّرها بإمكان البقاء على قيد الحياة يوماً أو نصف يوم،
بل قيل: إنّه المشهور،
ومنهم من فسّرها بإمكان البقاء يوماً فما زاد.
بينما فسّرها البعض في خصوص
الإنسان بالنطق والحركة،
وفسّرها آخر ببقاء
الإدراك والنطق والحركة الاختياريين.
وهناك عدّة أحكام رتّبها الفقهاء على استقرار الحياة:
منها: ذكاة
الذبيحة ، حيث اشترطوا في
ذكاتها استقرار الحياة،
وإن اختلفوا فيما يتحقّق به هذا الاستقرار، كما أوضحنا.
ومنها:
الإرث ، حيث تعرّضوا لاستقرار الحياة وتأثيره على الإرث في موضعين:
أحدهما: في
أسباب المنع من الميراث، حيث ادّعي حرمان
القاتل من إرث
المقتول إذا كانت حياته مستقرّة،
واختلفوا في صورة عدم استقرارها، حيث اختار عدم المنع كلّ من اعتبر استقرار الحياة في صدق القتل، بينما اختار المنع كلّ من نفى مدخلية استقرار الحياة في
صدقه .
ثانيهما: في إرث
المولود ، حيث اشترط البعض في إرثه- مضافاً إلى
انفصاله حيّاً- كونه مستقرّ الحياة،
بينما ذهب الأكثر إلى كفاية ولادته حيّاً،
بل ادّعي عليه عدم
الخلاف ،
خصوصاً مع إطلاق
النص والفتوى .
ومنها: في القود
والديات ، حيث ذكروا أنّه لو جنى شخص على آخر فصيّره كالمذبوح، فجاء غيره وذبحه، فعلى الأوّل
القصاص ؛ لأنه قاتل، وعلى الذابح دية
الميت ، وهي مئة دينار على المشهور؛
لقيامه بقطع رأس من هو بحكم الميّت.
وأمّا لو لم يكن بحكم الميّت وكانت له حياة مستقرّة فالأوّل محكوم عليه
بالأرش أو القصاص بمقدار
الجرح ، والذابح محكوم عليه بالقود؛ لأنّه هو السبب في قتله.
ومن هذا القبيل أيضاً ما لو ضرب شخص امرأة فألقت جنينها حيّاً فجاء آخر فقتله فإن كانت له حياة مستقرّة فعلى الثاني القصاص وعلى الأوّل
التعزير ، وإن كان كالمذبوح لا حياة له مستقرّة، فالأوّل قاتل، والثاني جانٍ يعزّر من دون
ضمان .
وهي أوّل مراحل
الحمل ، حيث تستقرّ
النطفة في الرحم من دون حلول
الروح . وحينئذٍ لو سقطت النطفة بعد استقرارها
بجناية فالمشهور
أنّ ديتها عشرون ديناراً.
هذه هي أهمّ موارد الاستقرار التي تحدث الفقهاء عن أحكامها، وتركنا التعرّض لبعضها مراعاة
للاختصار .
الموسوعة الفقهية ج۱۲، ص۱۸۸-۱۹۴.