المأمور والمنهي (شروطهما)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (توضيح).
تتعدّد شروط المأمور والمنهي التي تعرّض لها
الفقهاء ، وهي كما يلي:
لم يتعرّض أكثر الفقهاء لهذا
الشرط ، ولعلّه لوضوحه؛
بداهة أنّه مع عدم
التكليف المدلول عليه بمثل حديث
رفع القلم، كيف يعقل
الإلزام بالأمر والنهي؟! كما صرّح به بعض الفقهاء،
فلا يجب الأمر والنهي بالنسبة إلى
الصغير و
المجنون وغيرهما من غير المكلّفين.
وقد يستدلّ له أيضاً بأنّ
المقصود الأمر بالواجب والنهي عن
المحرّم ، ولا واجب ولا محرّم
بالنسبة إلى غير المكلّف.
واستثنى
الإمام الخميني من ذلك ما لو كان المنكر ممّا لا يرضى
المولى بوجوده مطلقاً، فحينئذٍ يجب على المكلّف منع غير المكلّف عن
إيجاده .
وفي مقابل ذلك ذهب بعضهم إلى عدم اشتراط
التكليف فيهما.
قال: «فإن قيل: فمن يؤمر وينهى؟ قيل: كل مكلّف، وغير المكلّف إذا همّ بضرر غيره منع كالصبيان والمجانين».
وقال: «لا يشترط في
المأمور به والمنهيّ عنه أن يكون مكلّفاً، فإنّ غير المكلّف إذا علم
إضراره لغيره منع من ذلك. وكذلك
الصبي ينهى عن المحرّمات؛ لئلّا يتعوّدها، ويؤمر بالطاعات؛ ليتمرّن عليها».
وقد يناقش فيه بأنّ منع الصبي والمجنون عن إضرار الغير ليس من باب الأمر بالمعروف، بل هو كمنع
الدابّة المؤذية ، يكون الخطاب فيه للبالغ نفسه في الحيلولة دون وقوع
الضرر على الغير من أيّ جهة صدر، وللمحافظة على
الأموال و
الأعراض و
الدماء المحترمة . كما أنّ أمرهم بالقيام ببعض الأعمال الواجبة كالصلاة و
الصوم ، ومنعهم عن ارتكاب بعض الأعمال المحرّمة على المكلّفين إنّما ورد من باب
التربية و
التعليم ، وهذا غير باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
من جملة ما اشترطه بعض
المعاصرين من الفقهاء في المأمور أو المنهي: أن يكون
التكليف منجّزاً في حقّه- بمعنى أن لا يكون معذوراً في ترك الواجب أو فعل
الحرام ، كأن يعتقد- مثلًا- أنّ ما فعله ليس حراماً أو أنّ ما تركه ليس واجباً، وكان معذوراً في ذلك
للاشتباه في الموضوع أو الحكم
اجتهاداً أو
تقليداً - فلو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معذوراً فيه شرعاً أو عقلًا لا يجب الأمر والنهي،
واعتبروه شرطاً للوجوب لا الواجب، بل ذهب بعضهم إلى عدم
الجواز .
ولم يتعرّض أغلب الفقهاء لهذا الشرط؛ ولعلّه
لوضوحه ؛ إذ مع عدم تنجّز التكليف لا يصدق
عنوان المنكر. واستدلّوا على اشتراطه بأمرين، هما:
۱- عدم تحقّق المعروف والمنكر من
المعذور ؛
لانتفاء الحسن والقبح المأخوذ قيداً فيهما مع
العذر .
۲- فحوى أدلّة شرط
الإصرار على الإثم والتي سنذكرها فيما بعد؛ إذ المعذور لا
إثم عليه.
والعذر تارةً يكون مع العلم بالحكم والموضوع، كموارد
التقيّة والضرورة، واخرى يكون مع
الجهل بهما.
أمّا
الصورة الاولى فلا يجب الأمر والنهي فيهما، فلو علم أنّ
شارب الحرام إنّما يشربه تقيّة أو أنّ
الشخص إنّما يفطر للضرورة فلا يجب نهيه، كما صرّح به بعض الفقهاء،
وكذا لو كانت
المسألة مختلفاً فيها، فكأن يرى بعضهم- مثلًا- حرمة فعل اجتهاداً أو تقليداً، ويرى الآخر
إباحته ؛
لقاعدة الصحّة فيما لو احتمل العذر، بل قد لا يجوز إذا استلزم
إيذاءه .
وأمّا الصورة الثانية فإن كان الشخص جاهلًا بالموضوع- كالذي لا يدري أنّ في
الكأس خمراً وشربه، أو كان
ناسياً له- فلا يجب نهيه، كالصورة الاولى،
إلّاإذا كان المورد مهمّاً جدّاً كقتل
النفس المحترمة .
وإن كان جاهلًا بالحكم فقد ذكر الإمام الخميني أنّ الظاهر وجوب أمره ونهيه، لا سيّماً إذا كان
مقصّراً، ثمّ قال: «و
الأحوط إرشاده إلى الحكم أوّلًا ثمّ إنكاره إذا أصرّ، سيّما إذا كان قاصراً».
ولو احتمل كون
المرتكب للحرام أو التارك للواجب معذوراً في ذلك لا يجب الإنكار، فمع
احتمال كون
المفطر في شهر
رمضان مسافراً- مثلًا- لا يجب النهي، إلّاأن يكون فعله جهراً موجباً لهتك أحكام
الإسلام أو
لجرأة الناس على
ارتكاب المحرّمات، فحينئذٍ يجب نهيه لذلك.
ومن أبرز مظاهر قضية شرط
التنجيز وعدم العذر ما لو اختلف الآمر والمأمور في معروفية المعروف ومنكرية المنكر، وقد ذكروا هنا أنّ
المدار في المعروفية والمنكرية هو المعروفية والمنكرية على مبنى
الفاعل و
التارك لهما لا الآمر والناهي عنهما، فلو احتمل
موافقة عمله لمبناه أو مبنى
مجتهده لم يجب أمره ونهيه وإن خالف مبنى الآمر والناهي أو مبنى مجتهده،
بل ذهب الإمام الخميني إلى عدم جوازه،
والظاهر أنّ وجهه كونه هتكاً حينئذٍ مع وجود
الاختلاف في
المباني .
ولعلّ
المستند في ذلك عدم معروفيته ومنكريته حينئذٍ، إمّا بناءً على
تقييدهما بمعرفة الفاعل والتارك لهما لحسن الفعل وقبحه بالنحو الذي فسّرناه سابقاً، أو بناء على
الصدق العرفي أو الواقعي، ومع الاختلاف لا يحرز صدق العنوانين، ومع الشكّ في تحقّق
الموضوع لا يثبت
الحكم .
لكنّ بناء الوجوب على
الصدق العرفي أو الواقعي للمعروف والمنكر ممّا لا يظن
الالتزام به من أحد من الفقهاء؛ لأنّ لازم الأوّل وجوب أمر ونهي من وافق عمله مبناه لمجرّد مخالفة العرف له في صدق المعروفية والمنكرية، ولازم الثاني عدم وجوبهما لمجرّد وقوع الاختلاف فيهما حتى لو خالف
الفاعل أو التارك عمله مبناه. ومن هنا يفهم صحّة ما ذهب إليه مَن تقدّم على الشهيد الثاني في تقييد تعريف المعروف والمنكر بمعرفة الفاعل حسن الفعل بنفسه أو
بالدلالة عليه.
وقد أفتى الإمام الخميني في صورة مخالفة عمل العامل لمبناه وموافقته لمبنى الآمر أو الناهي عدم وجوب الأمر والنهي ما لم نقل بحرمة
التجرّي ، كما أنّه أفتى في مسألة سابقة في صورة
العكس بعدم جوازهما- كما تقدّم- كما أفتى في مسائل لاحقة بوجوبهما في مخالفته
للاحتياط الواجب
والعلم الإجمالي، وكأنّ مبناه في المعروفية والمنكرية على الصدق الواقعي لهما و
انطباق عنواني
الطاعة و
المعصية عليهما والتزامه بتبعات ذلك.
وما قد يشكل به من عدم صدق المنكر في موارد مخالفة الاحتياط الواجب والعلم الإجمالي فالالتزام بالوجوب لا مبرّر له، مدفوع بأنّ وجوب الأمر والنهي ليس بلحاظ المعروفية والمنكرية الثابتة لهما بعنوانهما الواقعي، بل بلحاظ المنكرية الثابتة لمخالفة الحكم الظاهري. كما ويتفرّع على ذلك أنّ الجاهل إذا كان جهله بالحكم لا بالموضوع وكان مقصّراً فيه والحكم الواقعي منجّزاً، وجب إرشاده وأمره ونهيه أيضاً؛ لصدق المعروف والمنكر بحقّه، ولذا اختار الإمام الخميني الوجوب في موارد
الجهل بالحكم دون الجهل بالموضوع.
ذكر الفقهاء أنّ من جملة شروط وجوب
الإنكار أن يكون الفاعل مصرّاً على ارتكاب المنكر أو
ترك المعروف،
بمعنى أنّه إمّا أن يكون فاعلًا بالفعل، أو
مريداً للفعل
مستمرّاً عليه، كما نبّه عليه
المحقّق الأردبيلي، وقد ادّعي
الإجماع على ذلك.
وهذا معناه أنّه إذا صدر الحرام من المكلّف وعلمنا أنّه عزم بعده على عدم
تكرار ما صدر منه أو قامت
أمارة على
إقلاعه عنه، لم يجب أمره أو نهيه.
والظاهر أنّ مرادهم
بالاستمرار ما يعمّ
الاتّصال و
المداومة وعدم
الانقطاع في الفعل المتّصل، كغصب دار الغير مثلًا، أو
الإرتكاب ولو مرّة اخرى لا الدوام، فلو شرب
مسكراً وقصد الشرب ثانياً فقط وجب النهي، كما صرّح به بعضهم.
واستدلّوا له بأنّ الغرض من إيجاب الأمر والنهي عدم وقوع المنكر و
ارتفاع المعروف في
المستقبل ، ومع
الإصرار يقعان، أو أنّ نفس العزم والإصرار معصية واجبة الترك، فيؤمر له.
وهذا الدليل يثبت الوجوب في حال الإصرار لكنه لا يثبت عدم
الوجوب مع عدمه؛ لهذا
فالأفضل تكميله بأنّه من دون إصرار لن يقع المنكر أو يترك المعروف، فلا يكون هناك موضوع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بملاحظة الغرض من تشريع هذه
الفريضة .
لكن قد يناقش بأنّ مقتضى
التمسّك بإطلاق الأمر والنهي هو أمره ونهيه، إلّاإذا أحرز
إقلاعه عن المنكر وتركه له؛ لأنّ الشرط هو
إحراز الإصرار، ولعلّه لذلك ذكر
الشهيد الصدر أنّ «المناط هو
الإقدام على ترك المعروف أو فعل المنكر ولو للمرّة الاولى».
ثمّ إنّ الإصرار إمّا أن يحصل بالعلم الوجداني، أو بقيام أمارة معتبرة على ذلك، أو يحرز عدمه بأحدهما أو يشكّ فيه.
وقد ألحق الشهيد الثاني بالعلم
اشتباه الحال حيث قال: «ويلحق بعلم الإصرار اشتباه الحال، فيجب الإنكار وإن لم يتحقّق الشرط الذي هو الإصرار».
فلو حصل له العلم والقطع بأنّ
المرتكب كان مصرّاً على ارتكاب المنكر أو ترك المعروف وجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينتفي بانتفائه، فلو ظهر منه أمارة
الامتناع عن ذلك سقط وجوب الإنكار، مع حصول القطع من
الأمارة ؛
للزوم العبث،
وانتفاء الموضوع.
وقد نفى المحقّق النجفي عنه
الخلاف والإشكال،
بل صرّح غير واحد بأنّهما محرّمان حينئذٍ إن انطبق عليه عنوان
التوبيخ و
التعيير على
الذنب و
إشاعة الفاحشة.
قال: «ولو لاح من المتلبّس أمارة
الندم حرم قطعاً».
واستحسنه
المحقّق السبزواري، حيث قال: «وهو حسن إن أفادت الأمارة غلبة
الظن ».
وعليه فلو شكّ في امتناعه وعدمه اتّجه الوجوب، ولعلّه
استناداً إلى إطلاقات الأدلّة.
قال: «لو ظهرت منه أمارة الترك فحصل منها القطع فلا إشكال في سقوط الوجوب، وفي حكمه الاطمئنان. وكذا لو قامت البيّنة عليه إن كان مستندها المحسوس أو قريباً منه، وكذا لو أظهر الندامة والتوبة».
هذا إذا ظهرت منه أمارة الترك وحصل منها القطع، أمّا في صورة الظنّ بالإصرار أو
احتماله فقد اختلف الفقهاء في
سقوط الوجوب به، فذهب أكثر الفقهاء إلى كفاية قيام الأمارة وتحقّق الظن ثبوتاً وانتفاءً،
فيسقط الوجوب مع قيام الأمارة أو تحقّق الظن بعدم الإصرار.
قال: «إذا كانت أمارة على الإقلاع وترك الإصرار لم يجب شيء، بل لا يبعد عدم الوجوب بمجرد احتمال ذلك، فمن ترك واجباً أو فعل حراماً ولم يعلم أنّه مصرٌّ على ترك الواجب، أو فعل الحرام ثانياً، أو أنّه منصرف عن ذلك، أو
نادم عليه، لم يجب عليه شيء».
وذهب بعضهم إلى عدم
السقوط حينئذٍ.
قال الشهيد الثاني: «إنّ الأمارة
علامة ضعيفة يشكل معها سقوط الواجب المعلوم»؛
ولعلّ وجهه
استصحاب بقاء الموضوع أو الحكم. وأمّا مع الشكّ في كون الفاعل مصرّاً فأصالة عدم كونه من
العاصين تقتضي عدم جواز مثل هذا
الهتك المحتمل في حقّه.
فما لم يحرز في حقّه كونه من
العصاة لا يكاد يجوز نهيه وهتكه، ولازمه
إناطة جواز الإنكار عليه بالأمارة على كونه عاصياً.
هذا كلّه بالنسبة إلى من ارتكب المنكر أو ترك المعروف وهو قاصد للاستمرار، أمّا من لم يصدر منه المنكر أو لم يترك المعروف بعدُ لكنّه قاصد له، فهل يجب أمره ونهيه أو لا؟
قال الإمام الخميني: «لو ظهر من حاله علماً أو
اطمئناناً أو بطريق معتبر أنّه أراد ارتكاب معصية لم يرتكبها إلى الآن فالظاهر وجوب نهيه».
وقال
السيّد الخوئي : «أمّا من يريد ترك المعروف، أو ارتكاب المنكر فيجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإن لم يكن قاصداً إلّا
المخالفة مرّة واحدة».
ودليلهم أنّ الغرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عدم وقوع المنكر وارتفاع المعروف بلا فرق بين
الاستمرار و
الابتداء ، فيشمل ما لو علم أنّه سيفعل المنكر ويترك المعروف. بل ذكر بعض الفقهاء المعاصرين أنّ الموضوع هنا تام فيكون الحكم فعلياً.
ثمّ إنّه قد يترّتب على شرطيّة الإصرار فروع، وهي:
لو علم عجزه أو قام
الطريق المعتبر على عجزه عن الإصرار واقعاً، وعلم أنّ من نيّته الإصرار لجهله بعجزه لا يجب النهي بالنسبة إلى الفعل غير
المقدور ؛
لأنّ النهي عنه حينئذٍ بلا موضوع ولا يترتّب عليه الغرض المترتّب على النهي عن المنكر، وهو دفع المنكر و
الفساد بسبب النهي؛ إذ
المفروض أنّه مدفوع بنفسه.
لو كان عاجزاً عن ارتكاب حرام وكان عازماً عليه لو صار قادراً، فلو علم ولو بطريق معتبر
حصول القدرة له فالظاهر وجوب إنكاره، وإلّا فلا، إلّاعلى عزمه على
القول بحرمته،
فإنّ العزم على
المعصية لا يكون محرّماً ومعصية إلّاعلى القول بحرمة التجرّي.
لو اعتقد
العجز عن الاستمرار وكان قادراً واقعاً وعلم بارتكابه مع علمه بقدرته، فإن علم بزوال
اعتقاده فالظاهر وجوب الإنكار؛ لتحقّق موضوع النهي عن المنكر، وهو توقّع وقوعه مع العلم بزوال اعتقاده
المخالف للواقع في
المستقبل والعلم بقدرته والعلم بارتكابه.
نعم، يجب بنحو لا يعلمه بخطئه، وإلّا فلا يجب؛
لأنّ إعلامه بخطئه يوجب
الإقدام على المعصية، فيكون إعانة على
الإثم و
العدوان ، وهو محرّم.
لو علم
إجمالًا بأنّ أحد الشخصين أو
الأشخاص مصرّ على ارتكاب المعصية وجب ظاهراً توجّه
الخطاب إلى عنوان منطبق عليه، بأن يقول: من كان شارب الخمر فليتركه. وأمّا نهي الجميع أو خصوص بعضهم فلا يجب، بل لا يجوز.
ولو كان في توجّه النهي إلى العنوان المنطبق على العاصي هتك لهؤلاء الأشخاص فالظاهر عدم الوجوب، بل عدم
الجواز .
لو علم بارتكابه حراماً أو تركه واجباً ولم يعلم بعينه وجب على نحو
الإبهام ؛ لأنّ الحكم و
الكيفية تابعان للموضوع بحسب العلم به، ولو علم إجمالًا بأنّه إمّا تارك واجباً أو مرتكب حراماً وجب كذلك، أو على نحو الإبهام.
لو امتنع فاعل المنكر عن فعله وأتى تارك المعروف به فهل يكفي مجرّد
الامتناع في سقوط الوجوب، أو لابدّ من
التوبة ؟
اختلف الفقهاء في ذلك، فظاهر الجواهر ومحتمل
الدروس و
الكفاية اعتبار التوبة. ويظهر من كلام سائر الفقهاء أنّه يسقط الوجوب بالأوّل، ولا يشترط
إظهار الندامة والتوبة،
بل صرّح بعضهم بعدم اشتراط التوبة في عدم وجوب الإنكار، كالإمام الخميني، فإنّه قال: «لا يشترط في عدم وجوب الإنكار إظهار ندامته وتوبته، بل مع العلم ونحوه على عدم
الاستمرار لم يجب وإن علم عدم ندامته من فعله».
ولكن هذا إنّما يرفع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى ذات المنكر المأتي والمعروف المتروك، لا بالنسبة إلى التوبة الواجبة عليه جزماً، كما صرّح به بعضهم، فقد ذكر
السيّدان الحكيم و
الخوئي أنّه: «إذا صدرت المعصية من شخص من باب
الاتّفاق ، وعلم أنّه غير مصرّ عليها لكنّه لم يتب منها وجب أمره بالتوبة، فإنّها من الواجب، وتركها كبيرة موبقة. هذا مع
التفات الفاعل إليها، أمّا مع الغفلة ففي وجوب أمره بها إشكال، والأحوط
استحباباً ذلك».
ذكر
الشيخ جعفر كاشف الغطاء أنّ من جملة شروط المأمور: أن يكون ممّن يجوز النظر إليه أو لمسه له مع توقّف
الأمر عليهما،
ولم يشر إليه غيره من الفقهاء.
لكنّه ليس شرط الوجوب بحيث يرتفع بارتفاعه، بل يكون ممّا يتوقّف الواجب عليه أحياناً، ومع عدم
تحقّقه فقد يسقط الوجوب؛
لاصطدامه بمانع شرعي، فيكون داخلًا تحت شرط القدرة أو لا يسقط ويبقى على وجوبه ويسقط الحكم الآخر لو كان ملاك الأمر أو النهي أهمّ من ملاك المسّ والنظر، فإنّ المسألة تكون من باب
التزاحم على رأي، ويكون المسّ والنظر من مقدّماته المحرّمة، ومثاله ما لو استلزم النهي عن المنكر لمس
الأجنبي كدفع المرأة عن رجل يريد
الزنا بها.
وعلى رأي آخر تكون من باب التعارض فيرجع إلى التقييد، وستأتي الإشارة إليه في عدم ترتّب المفسدة في الأمر.
الموسوعة الفقهية، ج۱۷، ص۱۸۷-۱۹۷.