وفي خبر علقمة عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث زيارة الحسين عليه السلام يوم عاشوراء من قرب وبعد- قال: «... وإن استطعت أن لا تنشر يومك في حاجة فافعل؛ فإنّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن، وإن قضيت لم يبارك له فيها، ولا يرى فيها رشداً، ولا يدّخرنّ أحدكم لمنزله فيه شيئاً، فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادّخر، ولم يبارك له في أهله ...».
إلّاأنّ السيّد اليزدي قال: «وقد عدّ أيّام من كلّ شهر وأيّام من الشهر منحوسة يتوقّى من السفر فيها، ومن ابتداء كلّ عمل بها، وحيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمّنا التعرّض لها وإن كان التجنّب منها ومن كلّ ما يتطيّر بها أولى، ولم يعلم أيضاً أنّ المراد بها شهور الفرس أو العربية ، وقد يوجّه كلّ بوجهٍ غير وجيه ...».
يطرح هنا تساؤل حول معنى نحوسة بعض الأيّام وبركتها، وهل أنّ ذلك باعتبار ما نزل فيها من الوقائع المباركة كمولد نبيّ أو وصي أو نزول نعمة اخرى؛ أو المنحوسة كنزول عذاب أو سلب نعمة من نبيّ أو وصي ونحوها، أو إنّهما باعتبار ذات هذه الأيّام والليالي؟
قال العلّامة الطباطبائي : «نحوسة اليوم أو أيّ مقدار من الزمان أن لا يعقب الحوادث الواقعة فيه إلّا الشرّ ، ولا يكون الأعمال أو نوع خاصّ من الأعمال فيه مباركة لعاملها، و سعادته خلافه، ولا سبيل لنا إلى إقامةالبرهان على سعادة يوم من الأيّام أو زمان من الأزمنة، ولا نحوسته، و طبيعة الزمان المقدارية متشابهة الأجزاء والأبعاض، ولا إحاطة لنا بالعلل و الأسباب الفاعلة المؤثّرة في حدوث الحوادث و كينونة الأعمال حتى يظهر لنا دوران اليوم أو القطعة من الزمان من علل وأسباب تقتضي سعادته أو نحوسته، ولذلك كانت التجربة الكافية غير متأتّية؛ لتوقّفها على تجرّد الموضوعلأثره حتى يعلم أنّ الأثر أثره، وهو غير معلوم في المقام ...
هذا بحسب النظر العقلي، وأمّا بحسب النظر الشرعي ففي الكتاب ذكر من النحوسة وما يقابلها، قال تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمٍ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ »،
لكن لا يظهر من سياقالقصّة ودلالة الآيتين أزيد من كون النحوسة و الشؤم خاصة بنفس الزمان الذي كانت تهبّ عليهم فيه الريح عذاباً... وقال تعالى:
« وَالْكِتَابِ الْمُبِين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ»،
وظاهرٌ أنّ مباركة هذه الليلة وسعادتها إنّما هي بمقارنتها نوعاً من المقارنة لُامور عظام من الإفاضات الإلهية وأفاعيل معنوية كإبرام القضاء ونزول الملائكة و الروح ... ويؤول معنى مباركتها وسعادتها إلى فضل العبادة و النسك فيها و غزارة ثوابها...
وأمّا السنّة فهناك روايات كثيرة جدّاً في السعد والنحس من أيّام الاسبوع، ومن أيّام الشهور العربيّة، ومن أيّام شهور الفرس، ومن أيّام الشهور الروميّة ، وهي روايات بالغة في الكثرة مودعة في جوامع الحديث أكثرها ضعاف من مراسيل و مرفوعات وإن كان فيها ما لا يخلو من اعتبار من حيث أسنادها ... ففي كثير منها وخاصة فيما يتعرض لنحوسة أيّام الاسبوع وأيّام الشهور العربيّة تعليل نحوسة اليوم بوقوع حوادث مرّة غير مطلوبة بحسب المذاق الدينيّ كرحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم و شهادة الحسين عليه السلام، و إلقاءإبراهيم عليه السلام في النار ، ونزول العذاب بامّة كذا وخلق النار وغير ذلك».
وهذه الروايات لم يتعرّض لها الفقهاء غالباً إمّا باعتبار كونها من الآداب ، أو لضعف أسنادها أو لوجود المعارض لها أو غير ذلك، وإنّما تعرّض بعضهم لها في كتب الآداب.
نعم، تعرّض لها جمعٌ قليل كالسيد اليزدي في مقدمة كتاب الحج عند حديثه عن آداب السفر ومستحبّاته قائلًا: «ثانيها: اختيار الأزمنة المختارة له من الاسبوع والشهر، فمن الاسبوع يختار السبت وبعده الثلاثاء والخميس، والكلّ مرويّ، ثم ذكر الروايات في ذلك إلى أن قال: وقد عُدّ أيّام من كلّ شهر وأيّام من الشهر منحوسة يتوقّى من السفر فيها، ومن ابتداء كلّ عمل بها، وحيث لم نظفر بدليل صالحٍ عليه لم يهمّنا التعرّض لها وإن كان التجنّب منها ومن كلّ ما يتطيّر بها أولى، ولم يعلم أيضاً أنّ المراد بها شهور الفرس أو العربيّة، وقد يوجّه كلٌ بوجهٍ غير وجيه، وعلى كلّ حال فعلاجها لدى الحاجةبالتوكّل والمضي، خلافاً على أهل الطيرة ، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
« كفارة الطيرة التوكّل»
ومنها: استحباب الصدقة في الأيّام التي يكره فيها السفر، فعن عبد اللَّه بن سليمان عن أحدهما عليهما السلام قال: «كان أبي إذا خرج يوم الأربعاء من آخر الشهر، وفي يومٍ يكرهه الناس من محاقٍ أو غيره، تصدّق بصدقة ثمّ خرج».