الشهادة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إنّه إخبار عن حق لازم لغيره، واقع عن غير حاكم. وبالقيد الأخير يخرج إخبار الله تعالى
ورسوله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)،
والأئمّة: وإخبار الحاكم حاكماً آخر؛ فإنّ ذلك لا يسمّى شهادة. وفي النبوي المشهور: أنّه سئل (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) عن الشهادة، فقال للسائل: «ترى الشمس؟» قال: نعم، فقال: «على مثلها فاشهد أو دع».
جمع شهادة، وهي لغةً إمّا من شَهد بمعنى حضر، ومنه قوله سبحانه «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ» الآية
. أو من شَهِدَ بمعنى علم، وعلى ذلك سمّي تعالى شهيداً أي عليماً.
وشرعاً قيل: إنّه إخبار عن حق لازم لغيره، واقع عن غير حاكم. وبالقيد الأخير يخرج إخبار الله تعالى ورسوله، والأئمّة: وإخبار الحاكم حاكماً آخر؛ فإنّ ذلك لا يسمّى شهادة
.
والأصل فيها بعد
إجماع العلماء كافّةً
الآيات المتكاثرة، قال سبحانه «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ»
وقال تعالى «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ»
.
والنصوص بها مع ذلك مستفيضة بل متواترة، تقدّم إلى جملة منها الإشارة، وسيأتي جملة أُخرى منها وافرة في تضاعيف الأبحاث الآتية.
وفي النبوي المشهور: أنّه سئل
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) عن الشهادة، فقال للسائل: «ترى الشمس؟» قال: نعم، فقال: «على مثلها فاشهد أو دع»
.
والنظر في هذا الكتاب يقع في أُمور أربعة:
•
صفات الشاهد، في بيان صفات الشاهد المعتبرة فيه وهي ست: أ. بلوغ الشاهد، ب. عقل الشاهد، ج. إسلام الشاهد، د. عدالة الشاهد، ه. ارتفاع التهمة عن الشاهد، و. طهارة المولد.
•
بلوغ الشاهد، فلا تقبل شهادة الصبي غير المميّز
وكذا المميز ما لم يصر مكلفا
؛ وقيل: تقبل اذا بلغ عشرا
، وهو شاذ
؛ واختلفت عبارة
الأصحاب في قبول شهادتهم في
الجنايات، ومحصلها القبول في
الجراح مع بلوغ العشر ما لم يختلفوا، ويؤخذ بأول قولهم
؛ وشرط
الشيخ في
الخلاف: ألا يفترقوا.
•
عقل الشاهد، كمال
العقل، فالمجنون لا تقبل شهادته
؛ ومن يناله
الجنون ويعتوره أدواراً في وقت دون وقت تقبل شهادته في حال الوثوق باستكمال فطنته وكمال عقله
. وفي الخبر عن مولانا
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في قوله تعالى «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» قال: «ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقّظه فيما يشهد به وتحصيله وتمييزه، فما كل صالح مميّز محصّل، ولا كل محصّل مميّز صالح»
.
•
إسلام الشاهد،
الإسلام، فلا تقبل شهادة
الكافر بأقسامه مطلقاً إلاّ فيما سيستثنى؛ والمعروف من مذهب الأصحاب اشتراط
الإيمان أيضاً، أي كونه اثني عشرياً
؛ فلا تقبل شهادة غير
المؤمن؛ وتقبل شهادة
الذمي في
الوصية خاصة مع عدم المسلم
؛ وفي اعتبار الغربة تردد
؛ وتقبل شهادة المؤمن على أهل الملل
، ولا تقبل شهادة أحدهم على
المسلم ولا غيره
؛ وهل تقبل على أهل ملته؟ فيه
رواية بالجواز
، ضعيفة
، والأشبه: المنع
.
•
عدالة الشاهد، فلا تقبل شهادة الفاسق اتفاقاً، بل ضرورةً
بالكتاب والسنّة والإجماع، والنصوص به مستفيضة بل متواترة، وقد مضى بيان ما يتحقق به العدالة في كتاب
القضاء، وبقي الكلام في بيان ما تزول به.
•
زوال العدالة بالكبائر، ولا ريب في زوال
العدالة بالكبائر؛ وكذا في
الصغائر مصرا
؛ واما الندرة من
اللمم فلا
.
فلأنّ الأظهر الأشهر الذي عليه عامّة من تأخّر انقسام
الذنب إلى كبيرة وصغيرة حقيقةً؛ لما يظهر من
الآية الكريمة «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ»
الآية. والنصوص المستفيضة بل
المتواترة. ولا ريب أنّ اعتبار ترك مطلق الذنوب أحوط، كما يستفاد من الخبر: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهد ان فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة، وإن كان في نفسه مذنباً»
الحديث.
•
المروءة في العدالة، واعلم أنّ
الماتن لم يتعرّض للمروءة في مزيل العدالة مع اشتهار زوالها بمخالفتها، إمّا لكونها جزءاً منها كما هو المشهور بينهم، أو شرطاً في قبولها كما جرى عليه جماعة
؛ عدا ما قيل أنّ مخالفة
المروءة إمّا لخبل ونقصان
عقل أو قلّة مبالاة
وحياء، وعلى التقديرين تبطل
الثقة والاعتماد على قوله، أمّا الخبل فظاهر، وأمّا قليل الحياء فلأنّ من لا حياء له يصنع ما يشاء
، ولا ريب أنّ اعتباره
أحوط، وإن كان في تعيّنه نظر.
•
القوادح في العدالة، ولا يقدح في العدالة اتخاذ الحمام للأنس
، وانفاذ الكتب
؛ وكذا اقتناؤها للّعب بها
، وإن كره عند كافّة متأخّري أصحابنا
؛ أما الرهان عليها فقادح لانه
قمار؛ واللعب
بالشطرنج ترد به الشهادة؛ وكذا
الغناء وسماعه، والعمل بآلات اللهو وسماعها
،
والدف إلا في الإملاك
والختان؛ ولبس
الحرير للرجل إلا في
الحرب؛ والتختم بالذهب، والتحلي به للرجال
.
•
شهادة القاذف، ولا تقبل شهادة القاذف مع عدم
اللعان أو البيّنة
، وتقبل شهادته لو تاب وإن لم يسقط عنه
الحدّ، وحدّ توبته أن يكذب نفسه
.
•
ارتفاع التهمة عن الشاهد، ومن صفات الشاهد ارتفاع
التهمة عنه؛ فلا تقبل شهادة الجار نفعا،
كالشريك فيما هو شريك فيه؛
والوصي فيما له فيه ولاية؛ ولا شهادة ذي العداوة الدنيوية، وهو الذي يسر بالمساءة ويساء بالمسرة؛
والنسب لا يمنع القبول؛ وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف، أظهره: المنع. وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته؛ وشرط بعض الأصحاب انضمام غيره من أهل الشهادة. وكذا في الزوجة؛ وربما صح فيها الاشتراط؛ والصحبة لا تمنع القبول، كالضيف والأجير على الأشبه؛ ولا تقبل شهادة السائل بكفه، لما يتصف به من مهانة النفس، فلا يؤمن خدعه؛ وفي قبول شهادة المملوك روايتان، أشهرهما: القبول؛ وفي شهادته على المولى قولان، أظهرهما: المنع؛ ولو اعتق قبلت للمولى وعليه؛ ولو اشهد عبديه بحمل انه ولده، فورثهما غير الحمل واعتقهما الوارث فشهدا للحمل قبلت شهادتهما ورجع
الإرث إلى الولد، ويكره له استرقاقهما؛ ولو تحمل الشهادة الصبى او
الكافر او العبد أو الخصم او الفاسق ثم زال المانع وشهدوا قبلت شهادتهم.
•
عداوة الشاهد، ولا تقبل شهادة ذي العداوة الدنيوية على عدوّه، وتقبل له ولغيره، وعليه إذا كانت لا تتضمن فسقاً
؛ والعدو هو الذي يسر بالمساءة ويساء بالمسرة
.
•
قرابة الشاهد،
والنسب والقرابة لا يمنع القبول للشهادة
؛ وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف
، أظهره: المنع
؛ وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته
؛ وشرط بعض الأصحاب انضمام غيره من أهل الشهادة
، وكذا في الزوجة
؛ وربما صح فيها الاشتراط؛ والصحبة لا تمنع القبول
، كالضيف والأجير على الأشبه
.
•
شهادة السائل، ولا تقبل شهادة السائل بكفّه
، لما يتصف به من مهانة
النفس، فلا يؤمن خدعه
.
•
شهادة المملوك، وفي قبول شهادة المملوك روايتان، أشهرهما: القبول
؛ وفي شهادته على المولى قولان، أظهرهما: المنع
؛ ولو اعتق قبلت للمولى وعليه
؛ ولو اشهد عبديه بحمل انه ولده، فورثهما غير الحمل واعتقهما الوارث فشهدا للحمل قبلت شهادتهما ورجع
الإرث إلى الولد
، ويكره له استرقاقهما
.
•
زوال المانع في الشهادة، ولو تحمل الشهادة الصبي، أو
الكافر، أو العبد، أو الخصم، أو الفاسق ثم زال المانع وشهدوا قبلت شهادتهم بعد استجماع الشرائط الأُخر؛ لوجود المقتضي وانتفاء الموانع
وغيره
.
•
طهارة المولد في الشهادة، فلا تقبل شهادة
ولد الزنا، وقيل: تقبل في الشئ الدون
، وبه
رواية نادرة
.
ويلحق بهذا الباب مسائل ثلاث:
•
قبول الشهادة، التبرّع بالأداء أي أداء
الشهادة قبل الاستنطاق وطلب الحاكم إيّاه من
الشاهد يمنع القبول منه مطلقاً، سواء كان قبل دعوى المدّعى أم بعدها
، لتطرّق
التهمة بذلك، فيدخل في عموم الأدلّة الدالة على كونها مانعة عن قبول الشهادة. وتقبل
شهادة الأصمّ فيما لا يفتقر
العلم به إلى السماع
؛ وتقبل
شهادة الأعمى فيما لا يفتقر
العلم به إلى الرؤية وتحصل بالسماع وحده
، وقبول شهادته فيما يفتقر إلى الرؤية أيضاً إذا حصل له العلم بالمشهود به، وكان مثبتاً له إلى حين الأداء
.
اعلم أنّ الأصل في الشهادة رجلان بحكم
الاستقراء والأصل في الجملة، وظاهر الآيات المأمور فيها باستشهاد رجلين وذوي عدل؛ فإنّ الاقتصار عليهما في الذكر في معرض الإرشاد يدلّ على الاقتصار في الحكم. ولا تقبل
شهادة النساء في
الهلال والطلاق بلا خلاف إذا كنّ عن الرجال منفردات، وكذا إذا انضمّوا إليهنّ
، ثم إنّ مقتضى بعض الصحيحة جملةً بعد حمل مطلقها على مقيدها قبول شهادتهن مع الرجال في
النكاح؛ وفي قبول شهادة النساء في حصول
الرضاع المحرّم تردّد، فبين مانع عنه
؛ وبين من جعل أشبهه القبول
؛ لا تقبل شهادة النساء مطلقاً حتى مع الرجال في
الحدود وحقوق الله سبحانه ولو كانت مالية
كالخمس والزكاة والنذر والكفارة، بلا خلاف أجده إلاّ في
الزنا، فيثبت بشهادتهن في الجملة.
•
الشاهد، فيما يصير به شاهدا، وضابطه:
العلم، ومستنده: المشاهدة أو السماع؛ فالمشاهدة للأفعال:
كالغصب،
والقتل،
والسرقة،
والرضاع، والولادة
والزنا،
واللواط؛ أما السماع، فيثبت به
النسب،
والملك،
والوقف،
والزوجية، أما السماع، فيثبت به النسب، والملك، والوقف، والزوجية
؛ ويصير الشاهد متحملا بالمشاهدة لما يكفي فيه المشاهدة، والسماع لما يكفي فيه السماع
وإن لم يستدعه المشهود عليه؛ وكذا لو قيل له: لا تشهد فسمع من القائل ما يوجب حكما
؛ وكذا لو خبئ فنطق المشهود عليه
؛ وإذا دعي الشاهد للإقامة وجب إلا مع ضرر غير مستحق
؛ ولا يحل الامتناع مع التمكن؛ ولو دعي للتحمل فقولان، المروي:
الوجوب؛ ووجوبه على الكفاية
؛ ويتعين مع عدم من يقوم بالتحمل؛ ولا يشهد إلا مع المعرفة
أو شهادة عدلين بالمعرفة
؛ ويجوز أن تسفر المرأة ليعرفها الشاهد
؛ ويشهد على الأخرس بالإشارة، ولا يقيمها بالإقرار
؛ مسائل: الاولى: قيل يكفي في
الشهادة بالملك مشاهدة الشاهد
يتصرف فيه
، وبه
رواية، والأولى الشهادة بالتصرف لأنه دلالة الملك وليس بملك
؛ الثانية: يجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد إذا عرفه المتبايعان
؛ الثالثة: لايجوز إقامة
الشهادة إلا مع الذكر، ولو رأى خطه
؛ وفي رواية
: إن شهد معه آخر جاز إقامتها
، وفي الرواية تردد
؛ الرابعة: من حضر حسابا، وسمع شهادة ولم يستشهد كان
بالخيار في الإقامة ما لم يحس بطلان الحق إن امتنع؛ وفي الرواية تردد
؛ ويكره أن يشهد لمخالف إذا خشي أنه لو استدعاه إلى الحاكم يرد شهادته
.
•
الشهادة على الشهادة، وهي مقبولة في
الديون،
والأموال،
والحقوق، ولا تقبل في
الحدود؛ ولا يجزئ إلا اثنان على شاهد الأصل
؛ وتقبل الشهادة على
شهادة النساء في الموضع الذي تقبل فيه شهادتهن على تردد
؛ وأجلى الألفاظ أن يقول: أشهد على شهادتي أنني أشهد على كذا
؛ ولا تقبل شهادة الفرع إلا مع تعذر حضور شاهد الأصل لمرض أو غيبة أو موت
؛ ولو شهد الفرع فأنكر شاهد الأصل
، فالمروي: العمل بأعدلهما، فإن تساويا أطرح الفرع، وفيه إشكال، لأن قبول شهادة الفرع مشروط بعدم شاهد الأصل؛ ولا تقبل شهادة على شهادة على شهادة في شئ
.
•
رجوع الشهود، وفيه مسائل: الأولى: اذا رجع الشاهدان قبل
القضاء لم يحكم
؛ ولو رجعا بعد القضاء لم ينقض الحكم وضمن الشهود
؛ وفي
النهاية: إن كانت العين قائمة ارتجعت ولم يغرما؛ وإن كانت تالفة ضمن الشهود؛ الثانية: اذا ثبت انهما شاهدا زور نقض الحكم واستعيدت العين مع بقائها ومع تلفها، أو تعذرها، يضمن الشهود
؛ الثالثة: لو كان المشهود به قتلا، أو رجما، أو قطعا، فاستوفي، ثم رجع الشهود، فان قالوا: تعمدنا اقتص منهم او من بعضهم، ويرد البعض ما وجب عليهم، ويتم الولي إن بقي عليه شئ؛ ولو قالوا: أخطأنا لزمتهم
الدية، ولو قال بعضهم: أخطأنا لزمه نصيبه من الدية، ولم يمض اقراره على غيره؛ ولو قال: تعمدت رد عليه الولي ما يفضل، ويقتص منه إن شاء؛ وفي النهاية: يرد الباقون من شهود
الزنا ثلاثة أرباع الدية ويقتل، والرواية صحيحة
السند، غير أن فيها تسلطا على الاموال المعصومة بقول واحد؛ الرابعة: لو شهدا بطلاق امرأة فزوجت، ثم رجعا ضمنا
المهر وردت إلى الاول بعد الاعتداد من الثاني؛ وتحمل هذه الرواية على أنها نكحت بسماع الشهادة لا مع حكم الحاكم، ولو حكم لم يقبل الرجوع
؛ الخامسة: لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطع ثم قالا: أو همنا، والسارق غيره؛ أغرما دية يد الاول، ولم يقبلا في الاخير لما يتضمن من عدم الضبط
؛ السادسة: تجب شهرة شاهد الزور، وتعزيره بما يراه
الإمام حسما للجرأة
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۲۲۵-۴۳۲.