الإغماء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإغماء (توضيح).
وهو
فقدان مؤقت
للوعي يليه عودة إلى
اليقظة الكاملة. فقدان الوعي هذا يرافقه في العادة فقدان
السيطرة على العضلات الذي يمكن أن يؤدي إلى
السقوط .
الإغماء لغة: مصدر اغمي، يقال: اغمي فهو مُغْمىً ومُغَمّىً، إذا حال دون
رؤيته غيم أو قترة، وأصل
التغمية الستر والتغطية ، ومنه اغمي على
المريض ، إذا غشي عليه، كأنّ المرض ستر عقله وغطّاه.
وقد استعمله
الفقهاء في نفس المعنى اللغوي.
وهو حالة طبيعية تتعطّل معها القوى مع
سلامتها .
والفرق بينه وبين الإغماء أنّ الإغماء
سهو يكون من مرض فقط، والنوم سهو يحدث مع
فتور الجسم الموصوف به.
فالأوّل حالة مرضية بينما الثاني حالة طبيعية.
وهو علّة توجب
نقصاً في
العقل من غير جنون أو دَهَش، ومنه المعتوه.
والفرق بينه وبين الإغماء أنّ الإغماء موقّت، والعته مستمرّ غالباً، والإغماء يزيل القوى كلّها،
والعته يضعف القوى المدركة.
وهو
زوال العقل أو فساده،
والفرق بينه وبين الإغماء أنّ
الجنون يسلب العقل، بخلاف الإغماء فإنّه يجعل من وقع به مغلوب لا مسلوب العقل.
تترتّب على الإغماء آثار وأحكام تختلف حسب اختلاف الأبواب
الفقهية ، نشير إليها إجمالًا فيما يلي:
يشترط
القدرة والعقل في
أداء التكليف وامتثاله كما يشترط ذلك في ثبوته، فلا يتوجّه التكليف إلى المغمى عليه؛ لأنّه غير قادر وفاقد
للوعي والإدراك حين الإغماء، كما أنّه لو صدر منه صورة الفعل المكلّف به خارجاً من غير شعور لم يتحقّق بذلك أداء
التكليف ولم يكن
مجزياً .
إلّا إذا كان
الواجب توصلياً والغرض منه تحقق الفعل خارجاً كيفما اتفق،
كالغسل والتطهير بالماء.
وقد دلّت
الروايات على
رفع قلم التكليف عن المجنون حتى يفيق، وعن
النائم حتى يستيقظ،
والمغمى عليه؛ بحكم النائم والمجنون.
ذكر الفقهاء أنّ الإغماء ناقض
للوضوء ،
وقد نفي الخلاف فيه،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
قال
السيد الخوئي في مقام
الاستدلال على ذلك: «والعمدة في ذلك هو
التسالم والإجماع المنقولان عن جمع غفير. نعم، توقّف في ذلك صاحبا
الحدائق والوسائل ، إلّا أنّ مخالفتهما غير مضرّة للإجماع؛ لما مرّ- غير مرّة- من أنّ
الاتّفاق بما هو كذلك ممّا لا اعتبار به، وإنّما المدار على حصول
القطع أو
الاطمئنان بقول
المعصوم عليه السلام من اتّفاقاتهم، وحيث إنّا نطمئنّ بقوله عليه السلام من اتّفاق الأصحاب قدس سرهم في المسألة، فلا مناص من
اتّباعه وإن خالف فيها من لم يحصل له الاطمئنان بقوله عليه السلام من إجماعهم».
وقد يستدلّ عليه بما دلّ من الروايات على ناقضيّة
النوم للوضوء إذا ذهب بالعقل،
إذ يستفاد منه أنّ الناقض حقيقة هو ذهاب العقل، سواء استند ذلك إلى النوم أم إلى غيره.
ونوقش فيه بأنّه إنّما يدلّ على تحديد النوم الناقض للوضوء بذلك، لا على ناقضيّة ذهاب العقل بأيّ وجهٍ اتّفق.
صرّح جملة من الفقهاء
ببطلان الصلاة لو حصل فيها ما ينقض
الطهارة ،
ومنه الإغماء.
قال
الشيخ الطوسي قدس سره: «وهذه التروك الواجبة على ضربين، أحدهما: متى حصل-
عامداً كان أو
ناسياً - أبطل الصلاة، وهو جميع ما ينقض الوضوء...».
وعدّ بعد ذلك من قواطع الصلاة كلّ ما يزيل العقل من الإغماء والجنون».
محلّ البحث ما إذا استغرق الإغماء لكل
وقت الأداء بحيث لم يمض عليه من الوقت ما يمكنه معه الأداء وهو في حالة
إفاقة ، وإلّا فلو فاته كذلك وجب عليه
القضاء بلا كلام.
هذا، وقد ذكر الفقهاء أنّ الإغماء تارة يكون بسبب غير
اختياري - كتناول طعام أو
دواء اكره عليه أو احتاج إليه- واخرى يكون بسبب اختياري، فإذا كان بسبب غير اختياري فقد ذكر جملة من الفقهاء أنّه لا يجب على المغمى عليه قضاء ما فات من الصلوات،
ref>
وقد نسب ذلك إلى
المشهور أو الأكثر،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
لكن قال
الشيخ الصدوق في
المقنع : «اعلم أنّ المغمى عليه يقضي جميع ما فاته من الصلوات وروي ليس على المغمى عليه أن يقضي إلّا صلاة اليوم الذي أفاق فيه، والليلة التي أفاق فيها، وروي أنّه يقضي صلاة ثلاثة أيّام، وروي أنّه يقضي الصلاة التي أفاق فيها في وقتها».
بينما قال في
الفقيه - في باب صلاة المريض والمغمى عليه-: «فأمّا
الأخبار التي رُويت في المغمى عليه أنّه يقضي جميع ما فاته، وما روي أنّه يقضي صلاة شهر، وما روي أنّه يقضي صلاة ثلاثة أيّام، فهي صحيحة، ولكنّها على
الاستحباب لا على
الإيجاب ، والأصل أنّه لا قضاء عليه».
وأمّا إذا كان الإغماء بسبب اختياري- أي
بإتيان سببه مع
العلم به من غير
إكراه ولا
حاجة إليه- فقد وقع الخلاف بينهم في
سقوط القضاء عنه وعدم سقوطه على قولين:
الأوّل: عدم السقوط كما هو ظاهر من قيّد سقوط القضاء بما إذا لم يكن السبب منه،
ونسبه في
الذكرى إلى
فتوى الأصحاب،
وتأمّل فيه بعضهم؛ نظراً إلى أنّ ذلك تخصيص
للنصوص العامّة بغير دليل.
القول الثاني: عدم وجوب القضاء عليه؛
لإطلاق النصوص الدالّة على عدم وجوب القضاء على المغمى عليه بعد منع
الانصراف والتبادر إلى من لم يكن إغماؤه بسبب فعله.
إذا مات
إمام الجماعة أو اغمي عليه استخلف
المأمومون مَن يتمّ بهم
الصلاة ، ولم تبطل صلاتهم ولا
جماعتهم .
ودليل ذلك الروايات، كصحيح
الحلبي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام، أنّه سئل عن رجل أمّ قوماً فصلّى بهم
ركعة ثمّ مات، قال: «يقدّمون رجلًا آخر ويعتدّون بالركعة...».
وهذه الرواية وإن كانت واردة في عروض
الموت للإمام إلّا أنّه نسب إلى ظاهر
الفقهاء التعدّي منه إلى كلّ ما يعرض للإمام ممّا يمنعه من
إتمام الصلاة.
وغيره من الروايات.
وبالجملة، سياق النصوص يشهد
بإلغاء خصوصية المورد وكونها ناظرة إلى طروّ مطلق
العذر .
واستدلّ له أيضاً بالروايات الواردة في عروض
الحدث للإمام.
اختلف الفقهاء في
صحّة صوم المغمى عليه على قولين:
الأوّل: أنّه لا يصحّ صومه مطلقاً،
وقد نسب ذلك إلى الأكثر
تارة، وإلى المشهور اخرى.
واستدلّ له:
أوّلًا: بأنّ
زوال العقل مسقط
للتكليف فلا يصحّ منه الصوم مع السقوط.
وثانياً: بأنّ كلّ ما يفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه
كالجنون والحيض .
وثالثاً: بأنّ سقوط
القضاء يستلزم سقوط
الأداء في الصوم، والأوّل ثابت في محلّه فيثبت الثاني.
ونوقش في هذه الأدلّة، أمّا الأوّل فبمنع الملازمة، فإنّ النائم غير مكلّف قطعاً، مع أنّ صومه لا يفسد بذلك إجماعاً، وأمّا الثاني فلأنّ إفساد الصوم بالإغماء في جميع النهار محلّ نزاع، وأمّا الثالث فلأنّ سقوط القضاء يجامع صحّة الأداء وفساده.
القول الثاني: الصحّة مع سبق
النيّة ،
وقد ادّعي عليه الإجماع.
قال
الشيخ المفيد : «وإذا اغمي على المكلّف بالصيام قبل
استهلال الشهر ومضى عليه أيّام ثمّ أفاق كان عليه قضاء ما فاته من الأيّام، فإن استهلّ الشهر عليه وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثمّ اغمي عليه وقد صام شيئاً منه أو لم يصم ثمّ أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه؛ لأنّه في حكم الصائم بالنيّة والعزيمة على أداء فرض الصيام».
وقال
الشيخ الطوسي : «إذا نوى الصوم من الليل فأصبح مغمى عليه يوماً أو يومين أو ما زاد عليه كان صومه صحيحاً».
وقال أيضاً: «إذا نوى ليلًا وأصبح مغمى عليه حتى ذهب اليوم صحّ صومه، ولا فرق بين الجنون والإغماء».
واستدلّ عليه بأنّ
إبطال الصوم بذلك يحتاج إلى دليل،
وبجعل سبق النيّة موجباً
لبقاء النيّة الحكمية مع الإغماء.
ونوقش في الأخير بأنّ
النية الحكمية إنّما تفيد مع وجود التكليف.
هذا بالنسبة إلى المغمى عليه أثناء النهار. وأمّا إذا اغمي عليه ليلًا وأفاق نهاراً فالظاهر أنّه لا إشكال في بطلانه مع عدم سبق النية، وأمّا مع سبقها فذهب بعض الفقهاء إلى أنّ في صحته وجه؛
الحاقاً له بالنائم، بل صرّح
السيد الشهيد الصدر بأنّه لا دليل على كون عدم الإغماء المسبوق بنية الصوم شرطاً في الوجوب كما أنّه ليس دخيلًا في صحة الصوم، فلو نوى واغمي عليه ثمّ أفاق أثناء نهار شهر
رمضان فالظاهر وجوب
الإتمام عليه وصحة صومه منه، وأمّا إذا فاجأه الإغماء قبل النية وأفاق في أثناء النهار فالظاهر عدم وجوب الصوم عليه.
وهذا هو ظاهر كلّ من قال بصحة صوم المغمى عليه مع سبق النية ممّا تقدّم آنفاً.
هل يجب على المغمى عليه قضاء الصوم؟ فيه أقوال:
عدم وجوب القضاء عليه مطلقاً،
وقد نسب هذا القول إلى المشهور
تارة، وإلى عامّة المتأخّرين
اخرى.
قال الشيخ الطوسي: «والمغمى عليه إذا كان مفيقاً في أوّل الشهر ونوى الصوم ثمّ اغمي عليه واستمرّ به أيّاماً لم يلزمه قضاء شيء فاته؛ لأنّه بحكم الصائم، فإن لم يكن مفيقاً في أوّل الشهر بل كان مغمى عليه وجب عليه القضاء على قول بعض أصحابنا، وعندي أنّه لا قضاء عليه أصلًا».
وجوب القضاء عليه إن لم يكن مسبوقاً بالنيّة، وإلّا فلا قضاء عليه.
وهذا هو القول الآخر
للشيخ الطوسي ،
وبه قال
الشيخ المفيد والسيّد المرتضى وابن البرّاج .
وقد استدلّ له:
أوّلًا: بكونه
مريضاً ،
والقضاء واجب على المريض كتاباً
وسنّةً .
ونوقش فيه بمنع كونه مريضاً،
أو بمنع مساواته للمرض الذي يبقى فيه العقل،
وبمنع وجوب القضاء على المريض مطلقاً.
والروايات الدالّة على عدم وجوب القضاء على المغمى عليه تكون مخصّصة للعمومات الدالّة على وجوب القضاء على المريض.
وثانياً: بما دلّ على أنّ المغمى عليه يقضي ما فاته كصحاح
محمد بن مسلم ومنصور بن حازم وحفص .
ونوقش فيها بعدم
الدلالة على
الوجوب ، وتحمل على
الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.
ما حكي عن
الإسكافي حيث خصّ نفي القضاء بما إذا لم يكن أدخل على نفسه سبب الإغماء وكان مستغرقاً لجميع النهار، وإلّا فالقضاء.
وقد صرّح بعضهم بعدم الوقوف على
مستند لهذا التفصيل.
إذا عرض الإغماء في أثناء
الاعتكاف يبطل الاعتكاف، فإنّ الإغماء يزيل العقل، فلا يكون قابلًا لتوجّه الخطاب إليه؛
ولأنّ الاعتكاف
عبادة يعتبر فيه
النيّة وهي لا تحصل من فاقد العقل
فلا يصحّ منه.
هل تجب
الزكاة على المغمى عليه أم لا؟ فيه قولان:
عدم الوجوب؛ لأنّه
تكليف وهو ليس من أهله.
ونوقش فيه بأنّه إن اريد المغمى عليه حال تمام الحول ففيه:
أوّلًا: أنّ
النائم والساهي أيضاً ليسا من أهل التكليف، فالفرق غير واضح.
وثانياً: أنّه وإن لم يكن حينئذٍ من أهله ولكنّه مكلّف بعد ارتفاع الإغماء، ولا يلزم من عدم تكليفه في حال تمام الحول عدمه مطلقاً.
وإن اريد المغمى عليه في أثناء الحول حتى ينقطع بسببه الحول يلزم استئنافه، فإنّه وإن كان له وجه، إلّا أنّه يرد عليه:
أنّ المناط في انقطاع الحول عدم صدق كون المال في يده أو عنده
عرفاً ، ولا شكّ أنّه لا ينتفي الصدق بمجرّد النوم أو السهو أو الإغماء، فتشملهم أدلّة عموم وجوب الزكاة.
الوجوب،
ونسب ذلك إلى المشهور.
قال
السيد العاملي : «المتّجه مساواة الإغماء للنوم في تحقّق التكليف بالزكاة بعد زوالهما كما في غيرها من التكاليف، وعدم انقطاع الحول بعروض ذلك في أثنائه».
وقد استدلّ عليه بعموم الأدلّة الدالّة على وجوب الزكاة.
ونوقش فيه بأنّ هذه الأدلّة مقيّدة بحكم العقل
بالقدرة ، والمغمى عليه غير قادر على
الامتثال ، فلا تجب عليه الزكاة.
ثمّ اجيب عنه بأنّ هذا
الإشكال إنّما يرد في التكاليف الموقّتة المحدودة بما بين الحدّين
كالصلاة المقيّدة بما
بين الطلوعين ، فلو عرضه الإغماء أو
السكر أو النوم في تمام الوقت فحينئذٍ يتّجه الإشكال في تعلّق القضاء؛ نظراً إلى عدم ثبوت التكليف في حقّه في الوقت؛ لاشتراطه بالقدرة عقلًا المنتفية هناك، وأمّا في المقام فلم يكن التكليف موقّتاً إلّامن ناحية المبدأ فقط وهو بلوغ النصاب.
وأمّا بقاءً ومن حيث المنتهى فلا أمد له، فإذا فرض في المقام أنّ المانع قد ارتفع فأفاق بعد مدّة، فأيّ مانع من التمسّك حينئذٍ بإطلاق وجوب الزكاة وبشموله له
؟
ذكر جملة من الفقهاء أنّه لا تجب
زكاة الفطرة على من أهلّ عليه
شوّال وهو مغمى عليه،
وذكر بعضهم أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام
الفقهاء .
ولكن اعترض عليه بعض الفقهاء بأنّه على إطلاقه لا يخلو من إشكال.
نعم، لو كان الإغماء
مستوعباً لوقت الوجوب اتّجه ذلك؛
نظراً إلى عدم توجّه الخطاب إليه.
وأجاب بعضهم عن الإشكال فيما لو لم يكن مستوعباً بأنّ الدليل عليه
الأصل بعد ظهور الأدلّة في اعتبار حصول الشرائط عند
الهلال ، فلا اعتبار بالبلوغ
والإفاقة من
الجنون والإغماء بعده.
إلّا أنّ
السيد الخوئي أنكر وجود دليل لفظي يقتضي اشتراط وجوبها بعدم الإغماء عند الهلال وعليه إذا كان الإغماء مستوعباً لا تجب الزكاة؛ لعدم الدليل؛ إذ المفروض أنّه لا مجال للتكليف حال الإغماء، وأمّا إذا حصل في أوّل الوقت ثمّ ارتفع فيمكن القول بوجوبها مع عدم قيام
إجماع تعبدي على العدم.
•
الإغماء في الحج .
•
أثر الإغماء في العقود والإيقاعات .
ذكر جملة من الفقهاء أنّه تثبت
الشفعة للغائب، ثمّ ذكروا أنّ المغمى عليه كالغائب ينتظر إفاقته؛
لإطلاق أدلّة الشفعة وشمولها له.
قال الشهيد: «المغمى عليه كالغائب وإن تطاول الإغماء، ولا
ولاية عليه لأحد، فلو أخذ له آخذ لغى الأخذ».
وفي كون
الإجازة موجبة
للملك من حين الإجازة لا قبلها خلاف مربوط بكون الإجازة في أمثال المقام- والذي لا يكون المالك حين العقد صالحاً
للتصرّف كالمغمى عليه
والصبي والمجنون- ناقلة أو كاشفة.
إذا مات من له
الخيار انتقل إلى
الوارث من أيّ أنواع الخيار كان،
ولو جنّ أحد المتعاقدين أو اغمي عليه لم يسقط الخيار وقام الوليّ بما فيه الحظّ؛
لإطلاق أدلّة الخيار.
قال
العلّامة الحلّي : «لو جنّ أحد المتعاقدين أو اغمي عليه قبل التفرّق لم ينقطع الخيار، لكن يقوم وليّه أو
الحاكم مقامه، فيفعل ما فيه
مصلحته من
الفسخ أو الإجازة».
لو تمّت
شهادة الشاهدين عند الحاكم فاغمي عليهما أو على أحدهما لم يؤثّر ذلك في الشهادة ولو كان الإغماء قبل
الحكم .
وكذا لو اغمي على شاهد الأصل لم يؤثّر ذلك في شهادة الفرع.
قال العلّامة الحلّي: «ولا يؤثّر في شهادة الفرع
موت شاهد الأصل ولا غيبته ولا مرضه، ولو طرأ عليه
الفسق أو
العداوة أو
الردّة لم تقبل شهادة الفرع، ولو طرأ الجنون أو الإغماء أو
العمى لم يؤثّر».
وقال
الفاضل النراقي : «لو مات الشاهدان قبل الحكم أو قبل
تزكيتهما أو جُنّا أو عميا أو اغمي عليهما لم تبطل الشهادة، فيحكم بها؛
لاستناده إلى الشهادة المستجمعة للشرائط حين الأداء، ولم يعلم توقّفه على شيء آخر، والأصل عدمه».
والفرق بين الإغماء وبين طروّ الفسق هو أنّ المغمى عليه
كالميّت الذي ليس له شهادة حال موته، فتبقى شهادته الاولى على حالها، بخلاف الفاسق وغيره ممّا ورد في النصوص ردّ شهادته
الشامل لها بعد
الإقامة قبل الحكم بها.
ذهب الفقهاء إلى
بطلان الولاية بالإغماء.
وصرّح بعضهم بأنّ من مسقطات الولاية
النقص عن كمال
الرشد ، ثمّ مثّل له بالجنون والإغماء.
وقال
العلّامة الحلّي : «الإغماء إن كان ممّا يدوم يوماً ويومين وأكثر فالوجه
زوال الولاية حالة الإغماء وينتظر وقت إفاقته... كالنائم ينتظر
استيقاظه ...
ولو كان ممّا لا يدوم غالباً- كهيجان المرّة الصفراء والصرع- لم تزل ولايته؛ لأنّه كالنوم تنتظر إفاقته ولا يزوّجها غيره، والمرجع في طول مدّته وقصرها إلى أهل الخبرة».
وقال
الشهيد الثاني : «إنّما يفرّق بين الطول والقصر عند من يجعل
ولاية الجدّ مشروطة
بفقد الأب
كالشافعي ».
ونوقش فيه بأنّ ذلك لا يتفرّع على القول المزبور؛ ضرورة اشتراط ولاية الحاكم- مثلًا- بفقد الأب والجدّ عندنا، فيلزم جريان ذلك فيه، فالمتّجه عدم الفرق على القولين؛ لعدم القابلية بذهاب العقل الموجب للفرق بين الجنون والإغماء وبين النوم الذي هو عادي للإنسان.
وقال
المحقق الكركي : «إذا زال (الإغماء) عادت (الولاية) مع وجود مقتضيها
كالابوّة والجدودة».
وعلّق عليه
المحدث البحراني بأنّ قوله:
(مع وجود مقتضاها) إشارة إلى أنّه لو كان
وصيّاً لم تعد الولاية؛ نظراً إلى أنّ الولاية في الأب والجدّ مترتّبة على الابوّة والجدودة، وهي موجودة في محلّ الفرض، والولاية في الوصاية ليست كذلك، بل هي منفكّة عنها، فزوالها بالإغماء لا يعود بمجرّد بقاء الوصاية؛ لانفكاكها عنها، بل يحتاج إلى نصّ من الموصي على العود؛ إذ لابدّ من دليل على عودها، وليس إلّا ذلك.
ثمّ ناقش فيه بأنّ هذا الكلام إنّما يتّجه على القول باختصاص ولاية الوصي بنصّ الموصي على الولاية، وأمّا على القول بأنّها تثبت بمجرّد الوصاية وإن لم ينصّ عليها- كما هو مختار جمع من المحقّقين- فإنّه لا فرق حينئذٍ بين الأب والجدّ وبين الوصي؛ لبقاء الوصاية التي هي الموجبة للولاية كالابوّة والجدودة.
وقال
السيد الحكيم - بعد كلام
السيد اليزدي في
العروة بأنّه لا ولاية للأب والجدّ مع جنونهما ونحوه-: «بلا خلاف ولا
إشكال ... لأنّ
اختلال العقل يوجب قصور النظر والرأي، وقوام الولاية بذلك، لكن يشكل الأمر في الإغماء، فإنّه يشبه النوم في أنّه يقتضي القصور في العمل، لا في الرأي، فإذاً العمدة فيه
الإجماع ».
وقال
السيد الخوئي : «ثمّ إنّ المراد بنفي الولاية إن كان عدم الولاية من باب السالبة بانتفاء الموضوع- باعتبار أنّ الولاية عبارة عن
التسلط والتمكّن من
التصرف في ماله أو مال غيره، وهو يتوقّف على الشعور
والإدراك - فهو واضح، إلّا أنّ مقتضاه نفي الولاية عن النائم
والغافل أيضاً؛ لعدم تمكّنهما من التصرّف لعدم الشعور، وقصورهما عن التصرّف، وإن كان عدم الولاية بمعنى سلبها عنهما
وانتقالها إلى غيرهما كما هو الحال في الصغير والمجنون، فلا يمكن إثباته بدليل، ومن هنا فلو اغمي على رجل لم يكن لأبيه أو الحاكم التصرّف في أمواله
بالبيع والشراء وغيرهما.
نعم، لو كان فترة نومه أو إغمائه طويلة إلى حدّ لم يتمكّن معه من التصرّف في
ماله وكان المال في معرض
التلف ثبتت الولاية عليه حسبة؛ لأنّ مال
المسلم محترم ويجب حفظه، إلّا أنّه أجنبيّ عن انتقال الولاية بالإغماء إلى غيره».
لابدّ في انعقاد
النذر والعهد والحلف من
القصد ،
فالمغمى عليه لا ينعقد منه ذلك لو تلفّظ بصيغتها حال الإغماء؛ لفقد القصد.
قال
المحقّق الحلّي : «ويعتبر فيه (الحالف)
البلوغ وكمال العقل
والاختيار والقصد».
وقال أيضاً: «ويشترط فيه (الناذر) القصد».
وقال
العلّامة الحلّي - مفرّعاً على اشتراط
التكليف والحرّية والإسلام في الناذر-: «فلا ينعقد نذر
الصبي ولا
المجنون ولا
السكران ولا المغمى عليه»، إلى أن قال: «وحكم النذر
واليمين والعهد في الوجوب والشرط واحد».
لم يتعرّض
الفقهاء لحكم
ضمان المغمى عليه ما يتلفه حال الإغماء إلّا أنّه يمكن استفادة ذلك من حكمهم بضمان النائم ما يتلفه- نفساً أو طرفاً- حال النوم بانقلابه وحركته بحيث يسند
الإتلاف عرفاً إليه، فإنّهم حكموا بثبوت ضمان المال المتلف أو ثبوت
الدية عليه في ماله أو في مال عاقلته على خلاف فيه.
ونفس الحكم ثابت في المغمى عليه أيضاً؛ لأنّ أدلّة ضمان الإتلاف في الأموال أو
الخطأ في
الجناية تشمل المغمى عليه أيضاً وكذلك ما دلّ على أنّ
عمد المجنون أو
النائم خطأ.
قد ينتقل مال أو حقّ إلى شخص بتصرّف إنشائي
ومعاملة من
عقد أو
إيقاع ، وقد تقدّم عدم
أهلية المغمى عليه له حين الإغماء، وقد ينتقل بتصرّف مشروط بالقصد
والنية -
كالتملّك بالحيازة والأخذ أو
بالقبض والإقباض أو
بالإحياء أو
الاحتطاب والاحتشاش - وهذا النحو من التملّك أيضاً لا أهلية للمغمى عليه حين إغمائه له؛ إذ لا
وعي له وليس له قصد تام حينه، ولا يترتّب الأثر على مجرّد الفعل الخارجي بدون القصد والنية.
وقد ينتقل المال أو الحقّ إلى شخص قهراً بلا دخل
لاختياره وقصده فيه- كالانتقال
بالإرث أو الجناية عليه- وفي هذا القسم يكون المغمى عليه كالمفيق من دون فرق بينهما، فينتقل إليه ذلك الحقّ ويتملّك المال الموروث أو الدية قهراً.
لا إشكال في عدم المسؤولية الجنائية للمغمى عليه حين إغمائه، فما يصدر منه من الجريمة أو الجناية حال إغمائه لا يعاقب عليه
بحدّ ولا
تعزير ولا
قصاص .
نعم، يثبت عليه أو على عاقلته الدية في الجناية على النفس أو الأعضاء أو
المنافع كما تقدّم، وأمّا إذا اغمي على الجاني أو المجرم بعد الجناية، فهل يجرى عليه الحدّ والتعزير والقصاص أم لا؟ فيه تفصيل يطلب في محالّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۲۱۲-۲۴۰.