ويراد به عند الفقهاء والاصوليّين بيان الحكم ناقصاً أو مبهماً ، فالفرق بينهما أنّ الإجمال بيان ناقص أو مبهم مردّد ، والإهمال عدم البيان أصلًا .
ومن ذلك تعرف النسبة بين الإجمال والإهمال والبيان.
يختلف حكم الإهمال باختلاف موارده، وبحسب ما يضاف إليه، فيكون متعلّقاً لحكم تكليفي في مورد، ووضعي في آخر، فلا يجوز لأحد الإهمال في الإتيان بالواجبات؛ بمعنى حرمة ذلك وترتّب العقوبة عليه، وكذا لا يجوز إهمال المهر في عقد المتعة بمعنى بطلان العقد ، وغير ذلك ممّا يتّضح من ملاحظة الموارد، وسوف نقتصر هنا على ذكر بعضها مع حكم كلّ مورد إجمالًا و إحالته إلى محلّه المناسب ، وهي:
وكذا لا يستحسن بالمؤمن أن يكون مهملًا في اموره وقضاياه بحيث لا يبالي بما حوله أو بنفسه حتى لو لم يكن المورد من الواجبات الشرعية والتكاليف الإلهية الإلزامية .
ولا يجوز لأحد إهمال العمل بقوانين ومقرّرات وتعليمات الدولة الإسلامية؛
واستثني من ذلك إهمال المجنون و الطفل ، فإنّهما لا يضمنان بذلك؛ لأنّ المودّع لهما متلف ماله بنفسه، والضمان بالإهمال إنّما يثبت حيث يجب الحفظ، و الوجوب لا يتعلّق بهما.
والتفصيل في محلّه.
ج- إهمال المزارع بعد عقد المزارعة الزراعة حتى خرجت المدّة يوجب اجرة مثل الأرض التي زارع عليها؛ لأنّه فوّت على المالك منفعتها فيضمنها.
لو أهمل الأرض بعد تحجيرهاوإحيائها- بمعنى عطّلها- أجبره الإمام إمّا على الإحياء، وإمّا على التخلية بينها وبين غيره، ولو امتنع أخرجها السلطان من يده؛ لئلّا يعطّلها. نعم، إن ذكر عذراً في التأخير - كإصلاحآلاته أو غيبة العمّال ونحوه- أمهله الإمام بمقدار ما يزول معه العذر .
ذكر الاصوليّون أنّ المتكلّم إذا استعمل لفظاً موضوعاً لغة لذات الطبيعة المهملة المحفوظة في المطلق والمقيّد- كما في أسماء الأجناس حيث إنّ استعمالها في المقيّد ليس مجازاً، بل استعمال في الطبيعة أيضاً، وإنّما افيد قيدها بدالّ آخر، وهو المعبّر عنه عندهم بطريقة تعدّد الدالّ والمدلول- ولم يذكر ما يدلّ على التقييد ، وكان في مقام البيان لا الإهمال من ناحية ذلك القيد، انعقد الإطلاق للكلام. وعلى هذا اشترطوا في دلالة المطلق على انتفاء القيد أن يكون المتكلّم به في مقام البيان من ناحية ذلك القيد، وذكروا أنّ القاعدة والأصل يقتضيان كونه في مقام البيان دون الإهمال، وقد فسّره بعضهم بظهور حال المتكلّم في أنّه في مقام البيان.
وقد يفصّل بين كون المتكلّم في مقام البيان بمعنى ما يقابل الإهمال المطلق؛ لأنّ الأصل في الكلام عندما يصدر من المتكلّم أن يكون لبيان أمرٍ ما، فلا يعقل الإهمال المطلق في حقّه إلّامع قرينة ، وبين كونه في مقام البيان من تمام الجهات بعد الفراغ عن كونه في مقام البيان في الجملة مقابل الإهمال المطلق، وهذا ممّا لا يحرز وجود أصل عقلائي فيه.
كما ذكروا أنّ الإهمال ثبوتاً بالنسبة إلى قيود الحكم الشرعي موضوعاً أو محمولًا غير معقول؛ لأنّ الحاكم الجاعل لحكمه لا محالة إمّا يجعله على الطبيعة مطلقاً أو مقيّداً.
فالإهمال إنّما يكون دائماً بلحاظ عالم الإثبات و الدلالة ؛ إذ قد لا يكون المتكلّم في مقام البيان، أو يكون اللفظ مجملًا أو مردّداً بين المطلق والمقيّد.
أمّا البحث الثاني المرتبط بالحكم العقلي فقد أرادوا بالإهمال فيه الشكّ والتردّد، حيث اختلفوا في إمكان الشكّ في الحكم العقلي بنحو الشبهة الحكمية أو الموضوعية ؛ لأنّ حكم العقل لا يكون إلّا جزمياً ، وقد ذكر في وجه ذلك أنّ أحكام العقل العملي منوطة بالعلم بها صغرى وكبرى.
وفرّع على ذلك التفصيل في جريان الاستصحاب بين الأحكام الشرعية المستكشفة بالدليل الشرعي و المستكشفة بحكم العقل، فإنّ النوع الثاني حيث إنّه مستكشف بقانون الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل، فمع عدم الشكّ في حكم العقل لا شكّ في الحكم الشرعي أيضاً، فلا يجري الاستصحاب؛ لانتفاء موضوعه، وهو الشكّ في البقاء .
قال الشيخ الأنصاري في مبحث الاستصحاب ما خلاصته: إنّ الأحكام العقلية لا يتطرّق الإهمال والإجمال فيها، فإنّ العقل لا يستقلّ بقبح شيء أو حسنه إلّا بعد الالتفات إلى الموضوع بجميع ما يعتبر فيه من القيود و الخصوصيّات ، فكلّ قيد اعتبره العقل في حكمه فلابدّ وأن يكون له دخل في الموضوع، ومعه لا يمكن الشكّ في بقاء الحكم العقلي وما يستتبعه من الحكم الشرعي- بقاعدة الملازمة - مع بقاء الموضوع و اتّحاد القضية المشكوكة و المتيقّنة .
واعترض عليه بأنّ حكم العقل على قسمين : الأوّل أن يحكم على نحو القضية الشرطية ذات المفهوم ، بأن يحكم بثبوت الحكم للموضوع مع وجود القيد وبعدمه مع انتفاء القيد.
والثاني أن يحكم لموضوع من باب القدر المتيقّن فليس له مفهوم حينئذٍ، فيحكم بثبوت حكم لموضوع مع اجتماع قيوده، ولا يحكم بعدم الحكم مع انتفاء أحدها؛ لاحتمال بقاء الملاك فلا إهمال في حكم العقل حسب مقام الإثبات لإدراكه وجود الملاك ، وإنّما الإهمال بحسب مقام الثبوت لعدم إحاطة العقل بجميع ما له دخل في الحكم.
وأجاب السيّد الخوئي عن ذلك بأنّه لو أراد الشيخ الأنصاري حكم العقل بوجود الملاك كان إيرادالميرزا النائيني عليه في محلّه ؛ لإمكان أن يحكم العقل بوجود الملاك من باب القدر المتيقّن، فبعد انتفاء أحد القيود لا يحكم العقل بانتفاء الحكم؛ لاحتمال أنّ الملاك ما زال باقياً ، إلّاأنّ هذا مجرّد فرض لم يُعثر له على موردٍ خارجي، بعد كون التحقيق عدم إدراك العقل لملاكات الأحكام الشرعية، وأنّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول.
أمّا إذا كان مراد الشيخ الأنصاري من الحكم العقلي المستكشف به الحكم الشرعي حكمه بالحسن أو القبح ، فلا يرد إشكال الميرزا النائيني عليه؛ لأنّ حكم العقل بالحسن أو القبح لا يمكن أن يكون مهملًا، فإنّ العقل لا يحكم بحسن شيء إلّا مع تشخيصه بجميع قيوده، وكذلك القبح .