الأعجمي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو من لا يفصح ولا يبيّن كلامه وإن كان
عربيّا.
الأعجمي: هو من يمتنع لسانه من العربيّة ولا يفصح، سواء كان من العجم أم من العرب. وأصل الكلمة: الأعجم، وهو من لا يفصح ولا يبيّن كلامه وإن كان عربيّاً، وغالباً ما يطلق على غير العربي ممّن ينطق
بلغات اخرى من اللغات المختلفة؛
لأنّ العرب لم تكن ترى كلامه مفصحاً ومعبّراً بالنسبة إليها.
والعَجَمي: نسبة إلى غير العرب وإن كان
فصيحاً.
ليس لدى
الفقهاء اصطلاح خاص للأعجمي غير هذين المعنيين اللغويين، لكن بمناسبة كثرة
الابتلاء بالعجمة اعتاد الفقهاء إطلاق كلمة الأعجمي على غير العربي، نتيجة خاصية عدم
النطق الفصيح والواضح.
وهو من لا ينطق من إنسان أو حيوان،
ومؤنّثه عجماء، فيختلف عن الأعجمي، وقد نسب الأعجمي له بجامع عدم البيان.
وهو العربي الذي يميل عن جهة
الاستقامة في الكلام،
يقال: لحن فلان في كلامه، إذا مال عن صحيح المنطق
وأخطأ في الإعراب وخالف وجه الصواب.
وهو كلام لا يفهمه الجمهور، وإنّما هو مواضعة بين اثنين أو جماعة، والعرب تخصّ بها غالباً كلام العجم.
تعرّض الفقهاء لحكم الأعجمي- بمعنى غير العربي- في موارد مختلفة من
الفقه نشير إليها إجمالًا فيما يلي مع إحالة تفصيلها إلى محلّه:
الأعجمي تارةً يكون
قادراً على
إبراز الشهادتين بالعربيّة مع
الالتفات إلى معناهما، بأن يقول: (أشهد أن لا إله إلّااللَّه وأشهد أنّ
محمّداً رسول اللَّه)، فيتحقّق بذلك
إسلامه بلا إشكال.
واخرى يكون عاجزاً فيأتي بما يرادفها من اللغات. قال
كاشف الغطاء: «يتحقّق الإسلام بقول: (أشهد أن لا إله إلّااللَّه محمّد رسول اللَّه) أو بما يرادفها، ولا يحتمل غير معناها، من أيّ لغة كانت، وبأيّ لفظ كان».
واستدلّ
على أنّ العاجز عن العربيّة يكفيه ما يرادفها من اللغات بموثّقة
مسعدة ابن صدقة، فقد قال: سمعت
جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: «إنّك قد ترى من المحرّم (المراد من المحرّم من لا يمكنه
الإتيان بالقراءة ونحوهاعلى وجهها من إخراج الحروف من مخارجها أو لا يفصح به.)
من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذلك
الأخرس في القراءة في
الصلاةوالتشهّد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم، والمحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح».
ثمّ إنّه لو كان في
المسلمين من يفهم
إقراره بالشهادتين بالعجميّة فهو، كما لو أسلم بين قومه المسلمين، وإلّا كفاه
الإشارة المفهمة كما في الأخرس.
قال
الشهيد الثاني: «يصحّ إسلام الأخرس بالإشارة المفهمة... وفي حكمه الأعجمي الذي لا يفهم لغته. وروي أنّ رجلًا جاء إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه
جارية أعجميّة أو خرساء، فقال: يا رسول اللَّه، عليَّ
عتق رقبة، فهل تجزي عنّي هذه؟
فقال لها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أين اللَّه؟» فأشارت إلى السماء، ثمّ قال لها: «من أنا؟» فأشارت إلى أنّه رسول اللَّه، فقال له: «أعتقها فإنّها
مؤمنة».
قيل: وإنّما جعلت الإشارة إلى السماء دليلًا على إيمانها؛ لأنّهم كانوا
عبدة الأصنام، فأفهمت بالإشارة
البراءة منها؛ لأنّ الإله الذي في السماء ليس هو الأصنام، ولا يراد بكونه فيها
التحيّز، بل على حدّ قوله: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلهٌ»
.
تعرّض الفقهاء لبيان الأحكام المرتبطة بصلاة الأعجمي
كتكبيرة الإحرام وقراءة
الحمد والسورة وإتيان
الأذكار، واتّفقوا على أنّ الأعجمي إذا كان قادراً على
التلفّظ بالعربيّة يجب عليه ذلك، ولا يجزيه الإتيان بغير العربيّة. ولكن اختلفوا فيما إذا كان
عاجزاً عن ذلك، فهنا آراء نشير إليها إجمالًا فيما يلي ونحيل تفصيلها إلى محلّه:
صرّح الفقهاء بأنّ الأعجمي إذا كان عارفاً بالعربيّة لم يجز له أن يستفتح الصلاة إلّا بالعربيّة، وهو قول: (اللَّه أكبر).
ولا تنعقد بغيرها من الألفاظ وإن كانت في معناها.
قال في
الغنية: «ولا
يقين في سقوطها عن
الذمّة إلّا بما ذكرناه».
وأمّا إذا لم يكن عارفاً بالتلفّظ بالعربية، فإن كان
متمكّناً من تعلّمها والوقت واسع فيجب عليه أن يتعلّم، ولا يجوز له الدخول في الصلاة قبل التعلّم؛ لأنّ النطق بالعربية
واجب، فالتعلّم لمن لا يعرف واجب من باب المقدّمة،
وإن تعذّر ولم يتمكّن من تعلّمها حتى ضاق الوقت أجزأه
إتيانها بغير العربية.
ونسبه
السيّد العاملي إلى علمائنا، ثمّ احتمل
سقوط التكبير عمّن هذا شأنه
كالأخرس؛
عملًا
بأصالة البراءة؛ لعدم
الدليل على وجوب
الترجمة بعد سقوط التكبيرة
بالعجز.
وقال بعضهم: لو تعذّر عليه التعلّم، إمّا لضيق الوقت، أو
لليأس عنه يأتي بها ملحونة.
واستدلّ له بفحوى موثّقة
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «تلبية الأخرس وتشهّده
وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه
وإشارته بإصبعه»،
فإنّ
الاكتفاء بتحريك اللسان والإشارة بالإصبع يستدعي
الاجتزاء بالقراءة الملحونة، وكذا التكبير الملحون بطريق أولى.
وإن لم يتمكّن من إتيانها ملحونة أتى بترجمتها من غير العربية.
واحتجّ له
برواية القدّاح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:...وتحريمها التكبير...»،
بناءً على أنّ لفظ التكبير كالتحميد
والتسبيح ونحوهما من المصادر الموضوعة لإنشاء مبادئها، وهو في التكبير: الثناء على اللَّه بصفة الكبرياء المتحقّق بالعربي وغيره، غاية الأمر قيام الدليل على
وجوب كونه في ضمن القول المخصوص بالنسبة إلى القادر، فيبقى على إطلاقه بالنسبة إلى غيره.
إذا كان الأعجمي قادراً على قراءة
سورة الحمد أو جزء منها فلابدّ أن يأتي به ولا تجزي الترجمة، وقد ادّعي عليه
الإجماع.
وكذا إذا أمكنه
تبديل القراءة
بالذكر، فيسبّح اللَّه أو يحمده أو يهلّله بقدر الحمد.
أمّا إذا لم يتمكّن من ذلك، فهل يجوز له الاكتفاء بالترجمة؟ فيه قولان:
الأوّل: عدم الجواز، وهو مذهب الأكثر،
وحينئذٍ يجب عليه إمّا التعلّم مع سعة الوقت، أو
الائتمام بالقادر، أو
متابعة من يقرأها له مع ضيق الوقت،
بل قد ادّعي عليه الإجماع.
القول الثاني: الجواز، وهو قول
العلّامة الحلّي والشهيدين.
وعلى هذا الفرض فهل المقدّم ترجمة القرآن أو الذكر؟ فيه احتمالان:
الأوّل:
تقديم ترجمة القرآن على الذكر.
الثاني: العكس، أي تقديم الذكر على ترجمة القرآن كما رجّحه
الشهيد الأوّل؛
استناداً إلى أنّ الذكر لا يخرج بترجمته عن كونه ذكراً، بخلاف القرآن الموصوف بكونه معجزاً؛ لأنّه يخرج عن كونه كذلك بترجمته؛ لأنّ
إعجاز القرآن بنظمه، فإذا فات نظمه فات إعجازه (ولهذه العلّة قال
المحقق الثاني بتعيين ترجمة الذكر وعدم
كفاية ترجمة القرآن على فرض جواز الترجمة.).
واكتفى الشهيد في موضع آخر بذكر الاحتمالين ولم يرجّح أحدهما.
هذا في قراءة سورة الحمد، وأمّا السورة- فعلى القول بوجوبها- إنّما هي واجبة بالنسبة إلى
المختار والمتمكّن من تعلّمها، أمّا
المضطرّ ومن لم يتمكّن من تعلّمها فلا تجب عليه،
ولذلك لا معنى فيها
للانتقال إلى
البدل والترجمة.
أطبق الفقهاء على عدم الاجتزاء بغير العربيّة في الأذكار الواجبة في حال الاختيار،
مثل أذكار
الركوع والسجود وأذكار
الركعتين الأخيرتين ونحوها.
وإن لم يحسنها وجب عليه التعلّم، فإن تعذّر التعلّم بأن ضاق الوقت أو عجز أجزأت الترجمة.
اختلف الفقهاء في جواز
القنوت بغير العربيّة على أقوال:
الأوّل:
الجواز،
ونسبه
المحقق النجفي إلى أكثر
الفقهاء،
وقيّده
الشيخ الطوسي في
النهاية بمن لا يحسن
الدعاء بالعربيّة.
الثاني: عدم الجواز، اختاره
المحقق البحراني ومال إليه
الوحيد البهبهاني في
شرحه على المفاتيح على تقييد سيأتي، وأمر
العلّامة الطباطبائي باجتنابه.
الثالث: التفصيل بين أصل الدعاء بغير العربية فيجوز في القنوت، وبين
أداء القنوت بغير العربية فلا يجوز،
وبناءً على هذا القول يجوز الدعاء بغير العربيّة أثناء القنوت، لكن لا يسقط أصل القنوت ما لم يقنت بالعربية.
وأرجع المحقّق النجفي عبارات الأصحاب إلى ما ذكره من التفصيل حيث قال: «ويمكن
إرجاع كثير من عبارات الأصحاب إلى ما قلنا؛ لأنّ جميعهم لم يذكره في
تأدية وظيفة القنوت، بل إنّما ذكروا جواز الدعاء
بالفارسية بمعنى عدم
بطلان الصلاة معه، ونحن نقول به كما عرفت».
وقال الوحيد البهبهاني: «والظاهر أنّ الاكتفاء بالترجمة ومثلها إنّما يجوز إذا ضاق الوقت».
هذا، واكتفى بعض الفقهاء بذكر القولين ولم يرجّح أحدهما، كالسيّد العاملي
والمحقّق السبزواري.
كما لم يتعرّض للمسألة جماعة آخرون كبعض القدماء والمتأخّرين.
ذكر الفقهاء من جملة شرائط
الاقتداء في
صلاة الجماعة أهليّة الإمام للإمامة، وذلك
باجتماع أوصاف، منها: القراءة إذا أمّ قارئاً من غير خصوصيّة للعربيّة والعجميّة؛ لأنّ القراءة واجبة مع
القدرة، وإنّما تسقط
بتحمّل الإمام، ومع عجزه لا يتحقّق التحمّل،
فيجوز لكلٍّ من العربي والأعجمي أن يصير إماماً إذا كان قادراً على القراءة ولم يلحن فيها. وأمّا إذا كان الأعجمي والعربي لا يفصح بالقراءة كرهت إمامتهما عند
الشيخ الطوسيوابن حمزة.
أمّا
الامّي- وهو الذي لا يحسن قراءة
الفاتحة أو السورة- ومن يلحن في القراءة فلا تجوز إمامتهما لمن يحسن القراءة
إجماعاً في الأوّل،
وعلى المشهور في الثاني.
نعم، للشيخ الطوسي قول بالجواز مع
الكراهة في الثاني مع عدم القدرة على رفع
اللحن.
وأمّا إمامة الامّي ومن يلحن في قراءته لمثلهما فالمعروف جوازه إذا عجزا عن التعلّم.
إذا خطب الأعجمي
الجمعة بالعربية السليمة لم يكن في ذلك بأس، وهذا واضح، إنّما الكلام لو لم يكن يمكنه ذلك، فقد اختلف
الفقهاء في جواز
إيراد خطبتي الجمعة بغير العربية وإجزائه، سواء من العربي أو غيره.
صرّح أكثرهم بوجوب
إيقاعها بالعربيّة، ومنعوا من إجزاء الخطبة بغير العربية اختياراً؛
للتأسّي،
وهو المشهور.
ولو لم يفهم العددُ العربيّةَ ولا أمكن التعلّم، قيل: تجب العجميّة؛
لأنّ المقصود لا يتمّ بدون فهم معانيها. ويحتمل سقوط الجمعة؛ لعدم ثبوت
مشروعيّتها على هذا الوجه.
وقال جماعة منهم بإجزاء العجميّة في صورة الاضطرار.
ومنع
المحدث البحراني عن الخطبة بغير العربية حتى في صورة
الاضطرار؛ لأنّ فهم المعنى
حكمة لا
علة، وأنّ الخطباء كانوا يخطبون في البلدان المفتوحة بالعربية، ثمّ قال: «...
فالأحوط الخطبة بالعربية، وترجمة بعض الموارد التي يتوقّف عليها المقصود من الخطبة».
واختار
الفاضل النراقي مقالته الأخيرة أيضاً حيث قال: «الظاهر عدم وجوب العربيّة في الخطبتين كما عن
المسالك؛
للأصل، ويؤيّده
انتفاء الفائدة التي هي علّة
التشريع لو لم يفهمها العدد. ولو ضمّ خطبة- يفهمها السامعون بأيّ لغة كانت- مع العربيّة كان أولى وأحوط».
واختار جماعة آخرون حدّاً وسطاً بين ذلك كلّه، وحاصله: الفرق بين
التصلية- أي الصلاة على
النبيّ وآله صلى الله عليه وآله وسلم- والحمد فتجبان بالعربيّة حتماً، وبين
الوعظ فيجوز بغير العربيّة حتّى في حال
الاختيار.
فاعتبر
السيد الخوئي العربيّة في المقدار الواجب من الخطبة- وهو
تحميد اللَّه والثناء عليه،
والوصية بالتقوى، وقراءة سورة في الخطبة الاولى، والحمد والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمّة عليهم السلام
والاستغفار في الثانية- لكن إذا كانت لغة الحاضرين غير عربية فالأحوط الجمع في
الإيصاء بالتقوى بين العربيّة ولغة الحاضرين، وأمّا ما زاد على القدر الواجب فلا تعتبر فيه العربيّة أصلًا.
وقال
السيد الخميني: «الأحوط
إتيان الحمد والصلاة في الخطبة بالعربي وإن كان الخطيب والمستمع غير عربي، وأمّا الوعظ والإيصاء بتقوى اللَّه تعالى فالأقوى جوازه بغيره، بل الأحوط أن يكون الوعظ ونحوه في ذكر
مصالح المسلمين بلغة المستمعين».
ذكر الفقهاء من جملة آداب
المسجد كراهة
الرطانة بالأعجميّة فيه؛
استناداً إلى رواية مسمع بن أبي سيّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «نهى
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عن رطانة الأعاجم في المساجد»،
ومثله غيره.
وربما يكون المراد
الحديث بأيّ لغة بين اثنين بما لا يفهمه الآخرون، وأنّه جرى إطلاق (رطانة الأعاجم) من باب
التشبيه، كما يقال: لا ترطنوا رطانة الأعاجم، أي تتكلّموا بما لا يُفهم في المساجد وبالألغاز والرموز فيما بينكم، لا أنّ المراد كراهة الحديث للعربي وغيره بغير اللغة العربية في المساجد.
ولعلّ ما ذكرناه هو مراد الشيخ
كاشف الغطاء، حيث احتمل في الأمر أن يراد مطلق اللسان الذي لا يفهم.
لا
ريب في لزوم الإتيان
بالتلبية على الوجه الصحيح المطابق للقواعد العربيّة، وأداء الحروف من مخارجها مع القدرة؛ لأنّ ذلك هو المأمور به.
قال
العلّامة الحلّي: «ولا يجوز التلبية إلّا بالعربية مع
القدرة... لأنّه المأمور به، ولأنّه ذكر مشروع فلا يجوز بغير العربيّة،
كالأذان».
وقال
السيد الخوئي: إذا لم يتمكّن من الصحيح يكفي الإتيان بالملحون،
واستدلّ على ذلك بمعتبرة
مسعدة بن صدقة، قال: سمعت
جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: «إنّك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم
الفصيح، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهّد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم، والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح»،
فإنّ المستفاد منها عدم
الاكتفاء بالترجمة بالعجز عن الصحيح، وأنّه يجب على كلّ
مكلف أن يأتي بالتلبية بالعربيّة، ولا تصل النوبة إلى الترجمة مع التمكّن من العربية، فيجب عليه الإتيان بالعربية حتى الإمكان ولو بالملحون؛ لأنّ ما يراد من العربي العارف باللغة لا يراد من العجمي الذي لا يتمكّن من
أداء الكلمات على النهج الصحيح، فلا يسقط عنه التلبية بمجرّد عجزه عن أداء الكلمات صحيحاً؛ إذ لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح العارف باللغة العربية، فالملحون يقوم مقام الصحيح.
وقال السيّد الخوئي أيضاً: «لا ريب أنّ من كان قادراً على التكلّم يقدر على أداء الكلمات العربية ولو ملحوناً... فيجوز الاكتفاء بالملحون بدلًا عن الصحيح. نعم، لو فرض عدم
التمكن حتى من الملحون فيدور الأمر بين الترجمة
والاستنابة.
وقد يشكل بأنّ هذا الشخص لم يجب عليه
الحجّ؛ لأنّه معذور عن أدائه، فكيف يجب عليه الترجمة أو الاستنابة مع أنّهما فرع وجوب الحجّ عليه؟! فعليه أن يصبر إلى العام القابل ليتعلّم أداء الكلمات صحيحاً».
ولم يستبعد [[| المحقق النجفي]] القول بوجوب ما استطاع منها، حيث قال: «ولا يبعد القول بوجوب ما استطاع منها، وإلّا اجتزأ بالترجمة التي هي أولى من
إشارة الأخرس، ويحتمل الاستنابة؛ عملًا
بخبر زرارة (المتقدّم)».
من هنا ذكر بعض الفقهاء أنّه لو لم يتمكّن من الأداء على وجه صحيح
فالأحوط الجمع بين الإتيان بالملحون والاستنابة.
وقد يستدلّ عليه بأنّ مقتضى
قاعدة الميسور الاجتزاء بالملحون، ومقتضى خبر زرارة- والذي جاء فيه: أنّ رجلًا من أهل
خراسان قدم حاجّاً لا يحسن أن يلبّي فاستفتي له
أبو عبد اللَّه عليه السلام فأمر له أن يلبّى عنه...
- لزوم الاستنابة، والجمع بين الدليلين يقتضي الإتيان بالملحون والاستنابة.
هذا، وقد أفتى جماعة
بالاحتياط كالسيّد اليزدي حيث قال: «وكذا لا تجزي الترجمة مع التمكّن، ومع عدمه فالأحوط الجمع بينهما (التلقين والتصحيح) وبين الاستنابة».
وقال
السيد الخميني: «لا يجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح ولو بالتلقين أو التصحيح، ومع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بين إتيانها بأيّ نحو أمكنه، وترجمتها بلغته، والأولى الاستنابة مع ذلك، ولا تصحّ الترجمة مع التمكّن من الأصل».
هذا، ولو تعذّر على الأعجمي التلبية مطلقاً حتى بالملحون ففي الاكتفاء بترجمتها أو وجوب الاستنابة أو الجمع بينهما أقوال:
وجوب الترجمة، قال
صاحب المدارك: «ولو تعذّر على الأعجمي التلبية فالظاهر
وجوب الترجمة».
وتنظّر
الشهيد الأوّل في الترجمة.
وجوب الاستنابة، قال
ابن سعيد الحلي: «من لم يتأتّ له التلبية لبّى عنه غيره»،
وبه رواية
أشار إليها الشهيد الأوّل في الدروس.
وجوب الجمع بين الأمرين، أي الترجمة
والنيابة، وإليه ذهب
الفاضل الأصفهاني، حيث قال: «ولا يبعد عندي وجوب الأمرين، فالترجمة لكونها كإشارة الأخرس وأوضح، والنيابة لمثل ما عرفت (من أنّ أفعال الحجّ
والعمرة تقبل النيابة ولا تبرئ
الذمّة عنها بيقين ما لم يوقعها بنفسه أو نائبه)».
اختلف الفقهاء في
جواز أداء الأعجمي
العقود والإيقاعات بغير العربية مع قدرته على اللغة العربية، ومرجع ذلك إلى أصل اشتراط العربية في العقود والإيقاعات.
والكلام هنا تارةً في العقود، واخرى في الإيقاعات:
أمّا العقود فتارةً يقع الكلام عندهم في العقود الجائزة، واخرى في العقود اللازمة.
أمّا العقود الجائزة فالظاهر عدم اشتراط العربية في جملة منها، كما صرّح الفقهاء
بذلك في الموارد الخاصّة، مثل: الوديعة والعارية والوكالة ونحوها.
وأمّا العقود اللازمة- مثل
البيع ونحوه- فتارةً يتحدثون عن حال القدرة، واخرى عن حال العجز.
أمّا حال القدرة فهناك تفصيل بين
النكاح وغيره، ففي سائر العقود صرّح جماعة باشتراط العربيّة فيها؛
وذلك للتأسّي، ولأنّ عدم صحّته بالعربي غير الماضي يستلزم عدم صحّته بغير العربي بطريق أولى.
فيما صرّح جماعة آخرون
بعدم اشتراط العربيّة، وصحّته بغيرها، وعليه سار المتأخرون.
قال
المحدث البحراني: «إنّ غاية ما يستفاد من
الأخبار الواردة في البيوع
والصلح والأنكحة ونحوها وجود الألفاظ الدالّة على
التراضي بما دلّت عليه بأيّ نحو كانت، وكون العقود في وقتهم عليهم السلام كانت باللغة العربيّة وعلى النهج العربي الصحيح لا يدلّ (على) ما ذكروه من اشتراط ذلك؛ لأنّ ذلك إنّما صدر من حيث إنّ محاوراتهم ومحادثاتهم وكلامهم كانت على ذلك النحو، في عقد كان أو غير عقد، فهو من قبيل
السليقة والجبلّة التي طبعت عليها ألفاظهم ومحاوراتهم وألسنتهم.
واشتراط ذلك في صحّة العقود يحتاج إلى دليل واضح
وبرهان لائح، وأصالة العدم أقوى متمسّك في المقام، وإن كان
الاحتياط فيما ذكروه، لا سيّما في باب النكاح المبني على الاحتياط».
وقال
السيد الخوئي: «إنّ العربيّة غير معتبرة في مفهوم
العقد بوجه، وليس عليه دليل عقلي ولا نقلي، ولا شاهد عليه من
العرف واللغة، بل كلّ ذلك يساعد على صدق مفهوم العقد على المنشأ بغير الألفاظ العربيّة، فيكون مشمولًا للعمومات والمطلقات الدالّة على صحّة العقود ولزومها، والسرّ في ذلك... أنّ حقيقة كلّ أمر إنشائي- من
الأوامر والنواهي والعقود والإيقاعات- متقوّمة بالاعتبار النفساني المظهر بمظهر خارجي، سواء أكان ذلك المظهر فعلًا من الأفعال الجوارحيّة أم كان قولًا، وسواء أكان القول عربيّاً أم كان غير عربي، وإذن فلا وجه لتخصيص المظهر بالقول، فضلًا عن تخصيصه بحصّة خاصّة منه، وعليه فيصحّ الإنشاء بالألفاظ غير العربيّة».
وأمّا في عقد النكاح، فظاهر المشهور عدم جواز إيقاعه بغير العربيّة،
بل ادّعى المحقّق النجفي الاتّفاق عليه،
بل ادّعي عليه الإجماع.
نعم، قال
ابن حمزة باستحباب إيقاعه بالعربيّة،
ومعناه جوازه بغيرها.
مع ذلك استشكل جماعة
على القول بالمنع بعدم الدليل.
هذا كلّه في صورة القدرة على العربيّة، وأمّا مع العجز عنها فظاهر جماعة من الفقهاء
جواز إيقاعه بغيرها،
سواء كان عقداً
للنكاح أو غيره مع فرض علم كلّ منهما بمقصود الآخر.
قال
السيد العاملي: «اتّفاق الأصحاب ظاهراً على إجزاء الترجمة ممّن لا يحسن العربيّة، وأنّه لا يجب عليه
التوكيل في العقد- إلى أن قال- وكيف كان فينبغي القطع بإجزاء العقد بغير العربيّة مع المشقّة اللازمة من تعلّم العربيّة، أو فوات بعض الأغراض المقصودة بذلك».
لكن يظهر من
الفاضل النراقي عدم
إجزاء العقد الواقع بغير العربيّة في خصوص النكاح.
هذا في العقود، وأمّا الإيقاعات-
كالطلاق ونحوه- فقد صرّح بعض الفقهاء باشتراط وقوعها باللفظ العربي الصحيح مع الإمكان.
ويظهر من بعضهم
جوازه بغير العربيّة مع كونه قادراً على التلفّظ بالعربية، كما ذكروا في باب الطلاق.
قال
الشيخ الطوسي: «وما ينوب مناب قوله: (أنت طالق) بغير العربيّة بأيّ لسان كان، فإنّه تحصل به الفرقة».
لكن المشهور بين المتأخّرين
- ومعهم
ابن إدريس- أنّه لا يقع الطلاق بغير العربيّة مع القدرة على التلفّظ باللفظ العربي المخصوص.
الكفاءة المطلوبة في النكاح إجمالًا هي التماثل في
الدين. نعم، ربّما يبحث عن تأثير بعض الامور الاخرى فيها، لكن ليس منها- على أيّ تقدير- التساوي في العربيّة والعجميّة، بل العجمي كفوٌ للعربي، وكذا العكس إذا تماثلا في
الإسلام، أو فيه وفي
الإيمان على اختلاف الآراء.
يصحّ
إقرار العجمي بالعربيّة، والعربي بالعجميّة حتى في صورة
الاختيار، ويكون
نافذاً في حقّ المقرّ، لكن ذلك فيما إذا كان عارفاً باللغة التي أقرّ بها ولو إجمالًا، بحيث يعرف ما يقول،
ولا أثر في غير هذه الصورة بالإقرار.
ولو أقرّ ثمّ ادّعى عدم معرفته باللغة التي أقرّ بها وأنّه لا يعرف مؤدّى إقراره، فإن صدّقه المقَرّ له لم يلزمه شيء، وإن كذّبه فالقول قول المقِرّ مع
يمينه أنّه لم يدر معناه؛ عملًا بالظاهر- وهو عدم معرفة كلّ إنسان بغير لغته- وأصالة عدم تجدّد علمه بغير لغته.
ولم يذكر بعضهم اليمين، بل قال: تقبل دعواه، وأطلق.
وكذلك
الشهادة بغير العربية فإنّها تقبل من العربي وغيره، يفهم ذلك من حكمهم بأنّه لو شهد أحد الشاهدين بالعربية والآخر بالعجمية وتواردت الشهادتان على مورد واحد كفى.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۲۰-۳۵.