الإحضار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو طلب
الحضور وبمعنى مشاهدة
الشيء.
إحضار: وزان
إفعال من حضر.
وحضر كنصر وعلم، حضوراً و
حضارةً بمعنى إيراد
الشيء و
وروده وؤ
مشاهدته،
وهو
ضدّ غاب،
وفي اللسان: «الحضور نقيض
المغيب و
الغيبة... ويعدّى فيقال:... أحضر الشيء وأحضره إيّاه».
فالإحضار هو طلب الحضور.
و
الفقهاء يستعملونه بنفس
المعنى اللغوي.
۱- إلقاء
القبض و
الاعتقال:
إلقاء القبض هو أن يرسل
الحاكم من يحضر
الشخص بالقهر و
القوّة، وهو من
الاصطلاحات المستخدمة في
القوانين العصريّة، وكذا الاعتقال، إلّا أنّه قد يستعمل في الإحضار
للحبس، ولكنّ الإحضار هو
طلب الحضور و
الإلزام به، فيكون الإحضار أعمّ من إلقاء القبض والاعتقال.
۲-
الاستدعاء: هو أن يرسل إليه شخص أو
مذكّرة يدعوه من خلالها للحضور، ولكنّ الاحضار كما تقدّم هو طلب الحضور.
وقد يقع
البحث عنه في الإحضار لمجلس
الحكم وما يتفرّع عليه، وفي إحضار
الأرواح، وفيما يلي تفصيل ذلك:
يحضر الخصم تارة لأصل إثبات
الحقّ، واخرى بعد ثبوته للحكم و
استيفاء الحق منه فهل يجبر على الحضور لذلك أم لا؟
لا خلاف بين الفقهاء في جواز الحكم على
الغائب في حقوق
الناس مع قيام
البيّنة على
وفق دعوى
محرّرة، من دون فرق في ذلك بين أن يكون
مسافراً أو
حاضراً، تعذّر عليه الحضور أو لا،
وعليه فلا يعتبر إحضار
المتّهم في مجلس الحكم.
نعم، لو التمس الخصم من الحاكم إحضار خصمه في مجلس الحكم للمرافعة معه، فهل يجب إحضاره حينئذٍ؟
المعروف بين الفقهاء
وجوب
إجابته وإحضاره إذا كان المتّهم حاضراً في
البلد،
بل ادّعي عدم الخلاف فيه،
بل ظاهر الشيخ
وثاني الشهيدين
الإجماع عليه؛
استناداً إلى تعلّق حقّ
الدعوى به، وبأنّ ذلك مقتضى
منصب الحاكم.
قال
الشهيد الثاني: «من أتى
القاضي مستعدياً على خصمه ليحضره،
فخصمه إمّا أن يكون في البلد، أو خارجه، فإن كان في البلد وكان ظاهراً يمكن إحضاره،
وجب إحضاره
مطلقاً عند
علمائنا وأكثر
العامّة».
ولا فرق في وجوب الإحضار بين ما إذا كان قد حرّر
المدّعي دعواه أم لم يحرّرها.
ولكن استشكل بعض
المحقّقين في وجوب الإحضار بل
جوازه مع عدم تحرير الدعوى»، بل ذهب
المحقّق السبزواري إلى أنّ
الأحوط عدم الحكم بإحضاره قبل تحريره؛ مستنداً إلى أنّ الإحضار في مجلس الحكم نوع
إيذاء.
ولذلك ذهب
الفاضل النراقي إلى القول
بتخيير الحاكم بين الإحضار أو الحكم عليه غائباً، مع أولويّة
البعث إليه و
إخباره بأنّه يحضر أو يحكم عليه؛ لأنّه لا وجه لوجوب الإحضار فيما يجوز فيه الحكم عليه؛ لعدم
توقّف الحكم عليه بل يحكم مع
غيبته، فإن أدّى إلى
الحلف فإن جوّز الحلف في غير مجلس
القضاء يبعث من يحلّفه، وإلّا يحضره، وإن أدّى إلى أخذ
مال فيؤدّيه الحاكم من مال المدّعى عليه إن كان، وإن كان ماله عند
نفسه يبعث من يأخذه منه أو يأتي
بحجّته.
ولكن أجاب
الشيخ الأنصاري عن ذلك بأنّ تحرير الدعوى في غياب المدّعى عليه لا
فائدة فيه بعد
لزوم إعادتها إذا حضر
ليستمعها ويجيب عنها،
فاحتمال أن يكون دعواه دعوى غير مسموعة فيكون إحضار الخصم
لغواً، جارٍ في صورة
تحرير الدعوى في غيابه أيضاً؛ إذ لعلّه يحرّرها بعد الحضور على وجه
لا تسمع، مع أنّهم اتّفقوا على أنّ الخصم لا يجاب
التماسه في إحضار الخصم الغائب عن البلد حتّىيحرّر دعواه.
هذا كلّه في إحضار المتّهم
لإثبات الحقّ.
وأمّا إحضار الخصم لاستيفاء الحقّ منه فيما توقّف عليه
فالظاهر عدم
الخلاف في ثبوت هذا الحقّ له ووجوب
إجابته أيضاً.
وبناءً على وجوب إحضار المتّهم فلا فرق بين أن يكون من أهل
المروّات أم لا،
لإطلاق
الأدلّة وغيره،
خلافاً للمحكيّ عن
ابن الجنيد حيث ذهب إلى عدم وجوب إحضار ذوي المروّات و
الشرف لمجلس الحكم، بل يوجّه الحاكم إليه من يعرّفه
الحال ليحضر أو وكيل له، أو يُنصف خصمه ويغنيه عن
معاودة الاستعداء عليه.
نعم يشترط ألّا يكون المدّعي
أجنبيّاً عمّا يدّعيه، وإلّا فلا يترتّب على
قوله أثر من
الآثار من وجوب إحضار المدّعى عليه وغيره.
ثمّ إنّ الظاهر من كلمات الفقهاء- كما تقدّم- بل صريح الشهيد الثاني،
أنّه لا فرق فيما ذكر بين أن يكون الدعوى من الدعاوي
المدنيّة أو
الجزائيّة.
ولكنّ الموجود في اصول المحاكمات الجزائية لزوم إحضار المتّهم في الدعاوى الجزائية،
من غير فرق بين التماس المدّعي ذلك وعدمه.
كما أنّ
الأمر كذلك في
حقوق الله تعالى، فإنّه لا يقضي على الغائب في حقوق
الله تعالى، بل لا بدّ من إحضاره؛ لأنّها مبنيّة على
التخفيف، ومن ثمّ درئت
الحدود بالشبهات.
وتفصيل البحث في ذلك وما يتعلّق به يطلب في مصطلح: قضاء.
لا يجب على المدّعي
إقامة البيّنة على دعواه؛ لإمكان إرادته
اليمين، بل له
إسقاط الدعوى من
أصلها، وعلى هذا
الأساس فلو كان له البيّنة لا يلزم بإحضارها في مجلس الحكم؛ لأنّه حقّ له إن شاء جاء بها وإلّا فلا.
فما ورد في
كلمات بعض الفقهاء من أنّ للحاكم أن يأمره بإحضار البيّنة
- خصوصاً إذا لم يعرف أنّ المدّعي يعلم ذلك
- فالمراد منه الإذن والإعلام، لا الوجوب والإلزام.
قال الشهيد الثاني: «القول بأنّ الحاكم لا يقول للمدّعي: أحضر
بيّنتك،
للشيخ في
المبسوط، فقال: لا يقول للمدّعي: أحضر بيّنتك، بل يقول له: إن شئت
أقمتها، ولا يقول له: أقمها، لأنّه
أمر. والحقّ له، فلا يؤمر
باستيفائه، بل إليه
المشيئة. وتبعه القاضي في
المهذّب و
ابن إدريس. وقال في
النهاية: يجوز أن يقول له: أحضرها.
واختاره
الأكثر. و
استحسنه المصنّف؛ لأنّ الأمر هنا ليس
للوجوب والإلزام، بل مجرّد
إذن و
إعلام، خصوصاً إذا لم يعرف أنّ المدّعي يعلم ذلك، فيكون
إرشاده إليه
مندوباً إليه».
هذا كلّه في حقوق
الآدمي التي تثبت باليمين.
وأمّا حقوق اللَّه تعالى
كالزنا و
اللواط و
السرقة و
شرب الخمر وبعض حقوق الآدمي التي لا تثبت إلّا بالبيّنة،
كالطلاق و
الخلع ونحوهما فلا بدّ للمدّعي إحضار البيّنة في مجلس الحكم وإلّا يلزمه حدّ
القذف أو
التعزير للفرية.
كما أنّه لو قتل شخصاً مدّعياً أنّه رآه يزني
بامرأته فلا بدّ من أن يحضر بيّنة على دعواه فإن لم يقم بيّنة فعليه
القصاص.
وكذلك لو قذفه يجري عليه الحدّ إلّا أن يحضر البيّنة
المصدّقة التي يثبت بهاالزنا مثلًا أو صدّقه
المستحق الحدّ أو
يعفو عنه.
وتفصيل ذلك يطلب في مصطلح: قضاء، بيّنة.
يستحبّ للقاضي إحضار جمع من أهل العلم بالأحكام
الشرعية مجلس الحكم ليشهدوا حكمه و
يشاورهم و
يناظرهم و
لينبّهوه إن
أخطأ. وفي أنّ
المراد من أهل العلم
المجتهدون أم لا خلاف وإن اتّفقوا على أنّه ليس المراد
تقليدهم.
قال
المحقّق النجفي: «ويستحبّ له... أن يحضر من أهل العلم بالأحكام الشرعية من يشهد حكمه فإن أخطأ نبّهوه؛ لأنّ
الإنسان محلّ الخطأ و
النسيان، ولا يعتبر فيهم
الاجتهاد؛ لأنّه ليس المراد تقليدهم؛ إذ قد عرفت
اعتبار الاجتهاد في القاضي عندهم، بل المراد
الطمأنينة بصحّة ما قضى به، وقد تحصل بمن لم يبلغ
رتبة الاجتهاد إذا كان من أهل
النظر و
الذكاء... وبالجملة: يراد حضورهم
للتنبيه على
فساد الاجتهاد إن كان».
وتفصيل تلك الأحكام كلّها موكول إلى مصطلح قضاء.
ينبغي للحاكم إذا أراد
إجراء الحدّ أن يعلم الناس
ليجتمعوا على
حضوره، بل ينبغي إحضارهم،
بل ذهب بعض
إلى وجوب الإحضار إذا كان الحضور متوقّفاً عليه.
هذا ما صرّح به الفقهاء في حدّ الزنا وقد صرّحت به
الآية الشريفة: «وَ لْيَشْهَدْ
عَذابَهُما...»،
وهل يشمل الحكم سائر الحدود أيضاً فيه خلاف.
ينبغي للحاكم أن يحضر عند استيفاء القصاص
شاهدين عارفين
بمواقع القصاص و
شرائطه،
احتياطاً في
الدماء، وليشهدا إذا
أنكر المقتص الاستيفاء
حتى لا يؤدّي ذلك إلى أخذ
الدية أو قضاء القاضي بعلمه مع احتمال
اتّهامه، قال المحقّق النجفي: «قد عبّر غير واحد
بالاستحباب، ويمكن أن يكون المراد ممّا في
المتن ونحوه وإن كنّا لم نعثر على أثر فيه بالخصوص، وما سمعته أقصاه
الإرشاد الذي يمكن منع كونه مستحبّاً مع عدم ورود الأمر به، ولكنّ الأمر في
الندب سهل؛
للتسامح».
المتيقّن من مورد
الكفالة هو
التعهّد بإحضار
النفس فترجع فائدتها إلى
التزام الكفيل بإحضار
المكفول حيث يطلبه المكفول له.
ولو لم يتمكّن الكفيل من إحضاره لا تصحّ كفالته. وإن كانت الكفالة مؤجّلة لم يجب الإحضار قبل
الأجل، ولو أحضره قبله لم يجب
القبول ولا تبرأ
ذمّة الكفيل.
إذا خلّص شخص
القاتل من يد
وليّ الدم الزم بإحضاره فيما إذا كان القتل
عمداً وقد دلّت عليه بعض
الروايات وإلّا فهو مخيّر بين أن يحضره أو يدفع عنه الدية.
وتفصيله في مصطلح دية، قصاص.
إذا وجب على الحاكم إحضار المتّهم واحتاج ذلك إلى بعض
الأعوان و
المؤن فإنّ مئونته على المدّعي إن لم يكن
يرتزق من
بيت المال؛ لأنّه الملتمس
للإرسال إليه فمئونته عليه.
حكم إحضار الأرواح يختلف بحسب
حقيقة هذا
العمل، فإن كان الإحضار من
السحر فيدخل تحت
عنوانه ويحرم
بناءً على
حرمة السحر، كما صنع المحقّق النجفي ذلك حيث عدّ إحضار الأرواح من أقسام السحر، حيث قال: «ومنه السحر الاستحضار بتلبّس
الروح ببدن منفعل
كالصبي و
المرأة وكشف النائب عن
لسانه».
لكن استشكل بعض في كونه من السحر.
وكذا إذا كان يؤدّي إلى
هتك حرمة
مؤمن أو
إضراره أو غير ذلك من العناوين المحرمة، فيحرم بناءً على ما ذهب إليه جملة من الفقهاء
ولا خلاف فيه ظاهراً، ويدلّ على حرمته ما يدلّ على حرمة تلك العناوين.
وقال
السيد الخوئي: «الأظهر تحريم إحضار من يضرّه الإحضار من
النفوس المحترمة دون غيرهم».
وأمّا إذا لم يكن سحراً فذهب جمع من الفقهاء
إلى عدم حرمته حينئذٍ، بينما يظهر من
إطلاق عبارة
السيد الگلبايگاني تحريمه.
هذا حكم إحضار الأرواح
تكليفاً، وأمّا من حيث
صحّة الدعوى واعتبار الإخبار فقد صرّح بعض الفقهاء
بعدم صحّة دعوى من يدّعي الإحضار وعدم اعتبار
إخباره.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۱۳۹-۱۴۷.