الباطن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الباطن
داخل كل
الشيء و
جوفه وضد الظاهر وهما
إسمان من أسماء
الله تعالى لأنّه
العالم بالباطن و
الظاهر .
الباطن- لغةً-:
مقابل الظاهر، من
البطن خلاف
الظهر ،
فيطلق على جوف
الإنسان و
الحيوان ، كما في قوله تعالى:
«وَإِذْ أَنتُمْ
أَجِنَّةٌ فِي
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ »،
وعلى
مطلق ما ليس ظاهراً كقولك: باطن
الاذن وباطن
الأنف و
الكفّ و
القدم ، وعلى مكنونات
الإنسان و
عقائده و
خلقياته المخفيّة على
الغير .
ويستعمل لدى
الفقهاء في نفس
المعنى اللغوي.
ليس للباطن
نفسه حكم وإنّما يتعلّق به الحكم
باعتبار ما يتعلّق به أو يضاف إليه، وفيما يلي نتعرّض
إجمالًا لأهم موارده بعد
اندراج بعضها في
مصطلح (جوف) حيث استخدمه الفقهاء بهذا
العنوان ، ويراجع في
محلّه :
وقع
الكلام بين الفقهاء في أنّ
الأعيان النجسة-
كالبول و
الغائط و
الدم - هل هي كذلك حتى حال
وجودها في الباطن أم تختصّ
نجاستها بما إذا كانت خارج
البدن ؟
ومع تسليم نجاستها فهل يكون للأدلّة
الدالّة على تنجّس
الملاقي للنجاسة
إطلاق بالنسبة
لفرض تحقّق الملاقاة داخل البدن أم لا؟
قال
السيّد الخوئي : «لا
دليل على نجاسة الدم في
العروق أو البول والغائط في محلّهما
فضلًا عن أن يكون
منجّساً لملاقيه والأدلّة
الواردة في نجاسة الدم والبول والغائط
مختصّة بالدم الخارجي أو البول والغائط الخارجيين؛ لأنّ
أمره عليه
السلام بغسل ما يصيبه البول من البدن و
الثياب لا يشمل لغير البول الخارجي... وكذلك ما دلّ على نجاسة الدم...»
وتظهر
الثمرة في حكم ملاقي الأعيان النجسة في الباطن، كملاقاة
الإبرة للدم داخل العروق، وملاقاة مائع
الاحتقان للغائط داخل البدن، وملاقاة
الإصبع للدم داخل الأنف و
الفم ونحوهما، وملاقاة السنّ للدم داخل الفم، وملاقاة
النخامة و
البصاق للدم داخل الأنف أو الفم، ثمّ الخروج من دون أثر للنجاسة عليهما، و
أمثال ذلك.
وقد حكم
جماعة من الفقهاء بعدم
التنجّس ، واحتاط بعضهم في خصوص الشيء الخارجي إذا ادخل ولاقى النجاسة في الباطن.
والتفصيل في محلّه.
محلّ الكلام في هذه
المسألة عند الفقهاء هو
غسل باطن الأنف والاذن والفم و
العين وتحت
الشعر ، فإنّ الفقهاء بين مطلق لغسل هذه الامور؛
لقوله تعالى:
«فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَ
أَيْدِيَكُمْ »
الظاهر في وجوب غسل ما يصدق عليه الوجه، وهو ظاهره بما له من
الأجزاء فلا يشمل باطنها، وبين
مصرّح بعدم وجوب غسل البواطن منها.
نعم، يجب غسل شيءٍ منها من باب
المقدّمة ، وهو أمر آخر.
قال السيّد الخوئي في
الوضوء : «الشعر
النابت فيما دخل في حدّ الوجه يجب غسل ظاهره، ولا يجب
البحث عن الشعر
المستور ، فضلًا عن
البشرة المستورة».
وقال أيضاً: «لا يجب غسل باطن العين والفم والأنف ومطبق
الشفتين والعينين».
وقال في غسل اليدين: «
الوسخ تحت
الأظفار إذا لم يكن زائداً على
المتعارف لا تجب
إزالته ، إلّاإذا كان ما تحته معدوداً من الظاهر، وإذا قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله بعد إزالة الوسخ».
وصرّح بمثل ذلك
السيّد اليزدي والإمام الخميني أيضاً،
نعم، في الغسل قد دلّ الدليل على
لزوم غسل البشرة على كلّ حال. قال السيّد اليزدي في الغسل: «والواجب فيه بعد
النيّة غسل ظاهر تمام البدن دون البواطن منه، فلا يجب غسل باطن العين والأنف... ولا يجب غسل الشعر مثل
اللحية ، بل يجب غسل ما تحته من البشرة، ولا يجزي غسله عن غسلها».
وقال السيّد الخوئي في
واجبات الغُسل:
«ومنها: غسل ظاهر البشرة على وجه يتحقّق به
مسمّاه ... ولا يجب غسل الباطن أيضاً».
وذكر مثله في
تحرير الوسيلة مع زيادة تصريحه بلزوم غسل
ثقبة الاذن والأنف إذا كانت
وسيعة بحيث تعدّ من الظاهر.
ولعلّه ممّا لا خلاف فيه بعد وضوح
الملاك . والتفصيل في محلّه.
اختلف الفقهاء في لزوم كون
المسح في الوضوء بباطن الكفّ وعدمه، فأفتى بعضهم
بالاختصاص بباطن الكفّ كالسيّد اليزدي،
وظاهر
السيّد الحكيم والسيّد الخوئي
الاحتياط لزوماً،
ولكن ظاهر كلمات بعض الفقهاء
كفاية المسح بظاهر الكفّ أيضاً.
اختلفوا في وجوب ستر
المرأة باطن قدميها في
الصلاة بعد
اتّفاقهم على العدم بالنسبة لظاهر القدمين، فذهب جماعة منهم إلى لزوم ستر الباطن،
حيث اقتصروا في
الاستثناء من الستر على ظاهر القدمين، فباطنهما باقٍ تحت المستثنى منه فيجب سترهما.
وظاهر آخرين العدم؛ لإطلاقهم استثناء القدمين من لزوم الستر في الصلاة، كالحلّي والعلّامة في أكثر
كتبه ، ومن
المعاصرين الإمام الخميني،
بل صرّح بعضهم بالإطلاق، كالشهيد في
الدروس حيث نصّ على استثناء القدمين ظاهرهما وباطنهما،
ومثله فعل بعض المعاصرين.
نعم، تردّد فيه
المحقّق الحلّي في
الشرائع وعدّة من
المعلّقين على
العروة ، فأوجبوا الاحتياط بالستر لزوماً.
ولا فرق فيما ذكر بين وجود
الأجنبي وعدمه؛ لأنّ الستر في
الصلاة شرط في نفسه.
هذا في الصلاة، وأمّا في غير الصلاة- كما إذا كان هناك أجنبي-
فالمعروف عدم جواز نظر الأجنبي إلى ما عدا الوجه والكفّين من الأجنبية حتى من دون
تلذّذ و
ريبة .
والقدم داخل في عدم
الجواز ظاهره وباطنه.
ولو قيل بأنّ كلّ ما يحرم على الأجنبي
النظر إليه يجب على المرأة ستره وجب عليها ستر القدم أيضاً، وإلّا فلابدّ من
مراجعة الأدلّة في خصوص الستر بالنسبة لباطن القدم.
تعرّض الفقهاء في مواطن من
الفقه إلى أنّه لا يجوز للإنسان أن يكون ذا وجهين وذا
لسانين ، بأن يكون باطنه الذي هو
ذهنه و
حقيقته غير ما يظهر في وجهه ويبرزه، ولا يصلح له أن يكون ذا قولين
مختلفين أو عقيدتين
متضادّتين .
وقد ورد في الأخبار
المستفيضة النهي عن ذلك و
حرمته :
منها: ما رواه
الزهري عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «بئس
العبد عبدٌ يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري
أخاه شاهداً ويأكله
غائباً ، إن اعطي
حسده وإن ابتلي
خذله ».
ومنها: ما رواه
عبد الرحمن بن حمّاد رفعه قال: قال
اللَّه تبارك وتعالى
لعيسى عليه السلام : يا عيسى، ليكن لسانك في
السرّ و
العلانية لساناً واحداً وكذلك
قلبك ، إنّي احذّرك نفسَك وكفى بك
خبيراً ، لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا
سيفان في
غمد واحد، ولا قلبان في
صدر واحد، وكذلك
الأذهان .
اتّفق الفقهاء و
الاصوليون على
حجّية ظواهر
القرآن الكريم، وخالف في ذلك بعض
الإخباريين فرفضوا حجّية
الظواهر القرآنية.
أمّا بطون القرآن فقد تعرّض لها الاصوليون
بمناسبة الحديث عن
استعمال اللفظ في أكثر من معنى، حيث وردت
الروايات بذلك فاقت حدّ
الاستفاضة ، وقد وقع خلاف بين الاصوليين في معنى باطن القرآن، وذكرت
نظريات عديدة:
منها: أنّ بطون القرآن هي
المدلولات الالتزامية للنص القرآني؛ وذلك أنّها لا تكون ظاهرةً
للوهلة الاولى مثل المدلول المطابقي، لهذا صحّ
التعبير عنها بالبطون.
ومنها: أنّ باطن القرآن الكريم هو
المصاديق الجديدة الحادثة التي ينطبق عليها
العنوان الجامع الوارد
في الآية ،
فيكون الباطن هو المصداق المخفي للعنوان الوارد في الآية.
ومنها: ما احتمله
الآخوند الخراساني وهو أن يكون باطن القرآن عبارة عن المعاني التي أرادها
المولى حين
إبراز كلامه، فحصل
التقارن بين صدور الكلام و
انقداح معنى لا ربط له بالكلام في ذهن
المتكلّم .
ولكن نوقش بأنّ مجرّد تقارن انقداح المعنى الباطن حال التكلّم بالكلام لا يخلق
ارتباطاً بين اللفظ والمعنى المنقدح في ذهن المتكلّم، فلا يصحّ وصف ذلك المعنى بأنّه باطن هذا اللفظ، بعد أن كان ظاهر هذه الكلمة هو ارتباط الباطن باللفظ نفسه.
إلى غير ذلك من
التفاسير التي تراجع في محلّها من علم الاصول.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۵۸-۶۳.