الإذن (من له حق الإذن)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإذن (توضيح) .
لمّا كان تأسيس
النظام الاجتماعي والفردي والمحافظة عليه من الأهداف التي يتوخّاها
الشارع المقدّس فلا بدّ لأجل تحقيق هذا الهدف من تشريع كلّ ما يكون له دخل في المحافظة على هذا النظام، ومن ذلك
الإذن فيما يتعلّق بمصالح الناس، إمّا بنصّ منه أو اجتهاد من الفقيه .
لمّا كان تأسيس
النظام الاجتماعي والفردي والمحافظة عليه من الأهداف التي يتوخّاها
الشارع المقدّس فلا بدّ لأجل تحقيق هذا الهدف من تشريع كلّ ما يكون له دخل في المحافظة على هذا النظام، ومن ذلك
الإذن فيما يتعلّق بمصالح الناس، إمّا بنصّ منه أو
اجتهاد من
الفقيه .قد ورد في خبر طويل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّ اللَّه تبارك وتعالى.علم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحلّه لهم وأباحه؛ تفضّلًا منه عليهم به لمصلحتهم.
وإذن الشارع- بمعنى تشريعه
للإباحة وحكمه بها- لا بدّ منه في كلّ إباحة تكليفيّة أو وضعيّة، فإنّه لا بدّ وأن ينتهي كلّ إذن إلى إذن الشارع ولو إمضاءً، وإلّا لا تثبت الإباحة، فإذا أذن المالك- مثلًا- في ذبح حيوانه على غير الوجه الشرعي لم يجز ذلك للمأذون؛ لعدم إذن الشارع بذلك.
ولكن تختلف وجوه الإذن بتعدّد المصالح والاعتبارات، فقد يكون إذن الشارع للتوسعة على العباد في حاجاتهم المعيشية، وتسهيلًا على المكلّفين، كالإذن في العقود من
البيع والإجارة والرهن وغيرها، كما ورد في قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»،
وقوله تعالى: «وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا»،
وقوله: «فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ».
وكذلك الإذن
بالانتفاع من النعم الطيّبة، كالمأكولات والمشروبات ونحوها ممّا فيه المنفعة والصلاح،
كما جاء في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ»،
وقوله تعالى: «وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».
ومن ذلك الإذن في
النكاح للاستمتاع والحفاظ على النسل وباب التواصل وسبب الالفة والمعونة على العفّة،
كما حثّ اللَّه تعالى عليه، ودعا عباده إليه في قوله:«فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ»،
أو «وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ...».
وكذا الإذن
بالارتفاق بالمنافع العامّة، من المواضع الواسعة في الطرقات ورحاب الجوامع،
قال
العلّامة الحلّي : «الطرق النافذة هواؤها كالموات فيما لا يضرّ بالمارّة، فلكلّ أحد أن يتصرّف في هوائه بما لا ضرر فيه على المارّة،
كإخراج الرواشن والأجنحة والساباط إذا كانت عالية».
وقد يكون الإذن من الشارع لمجرّد التحليل والإباحة، كالإذن في الأكل من بيوت من تضمّنته الآية، وهي قوله تعالى:«... أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ...»،
وكالإذن في الأكل من ثمار البساتين إذا مرّ بها
وإن ذكر بعض الفقهاء بأنّ المنع أحوط.
وقد يكون الإذن من الشارع لرفع
الحرج ودفع المشقّة؛ لأنّ اللَّه تعالى يريد اليسر بالناس دون
العسر .
ويدلّ عليه عموم ما دلّ على نفي الحرج في
الدين ،
كقوله تعالى: «وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»،
وقوله:«لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها»،
وقوله:«يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ».
وكذلك ورد عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:«لا ضرر ولا ضرار في
الإسلام »،
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: «وضع عن امّتي تسعة أشياء السهو... وما لا يطيقون»،
وغير ذلك من
الآيات والروايات .ومن هذا القبيل إذن الشارع في جواز
المسح على الخفّين عند
الضرورة ،
والإذن في جواز
الإفطار للمريض والمسافر في شهر
رمضان .
ويدلّ عليه أيضاً قوله تعالى: «وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ».
وكذلك الإذن في تناول المحرّمات عند الضرورة، إلّا الخمر،
ويدلّ عليه قوله تعالى: «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»،
وقوله: «وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ».
ومنه أيضاً إذن الشارع لمن أراد
التزويج بامرأة أن ينظر إلى وجهها وكفّيها،
وسقوط الطمأنينة في
الصلاة عمّن لا يتمكّن منها،
بل يدخل في ذلك كلّ ما فيه حرج ومشقّة، حتّى وضعت لذلك قواعد عامّة، كقولهم: (الضرورات تبيح المحظورات)، و «كلّ ما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر»
التي ينفتح منها ألف باب.
وإلى غير ذلك من الوجوه والأمثلة الكثيرة للإذن الصادر من الشارع.والإذن الصادر من الشارع تختلف حقيقته وماهيّته كما يختلف عنوانه وتقسيماته من موردٍ لآخر، فهو قد يكون
حكماً تكليفيّاً بحتاً، ويعبّر عنه بالإباحة أو الجواز التكليفي، وقد يكون حكماً وضعيّاً، ويعبّر عنه بالصحّة أو الحلّية الوضعيّة، وقد يكون حكماً واقعيّاً، وقد يكون حكماً ظاهريّاً، وقد يكون حكماً أوّليّاً، وقد يكون ثانويّاً، وقد يكون اقتضائيّاً، وقد يكون من جهة عدم مقتضى للممنوعية.
الملكيّة- كما في كلمات الفقهاء- اعتبار شرعي أو عقلائي أمضاه الشارع، مع نوع من التصرّف فيه سعة وضيقاً، وأخذه موضوعاً لحرمة التصرّف في مال الغير،
كما هو موضوع لسلطنة المالك وصحّة تصرّفاته فيه، وقد اختلف في تعريفه وتحديده، وأنّه عبارة عن
السلطنة الاعتبارية أو الاختصاص.والملكية قد تجعل
ابتداء كالتملّك بالحيازة أو
الإحياء أو الميراث، وقد تجعل في طول قرار معاملي، كالبيع والإجارة ونحوهما.
والأصل حرمة التصرّف في مال الغير والانتفاع به بغير إذنه عقلًا وشرعاً،
من غير فرق في ذلك بين اقتضائهما منع شيء من حقوق المالك أو عدمه.ويدلّ عليه قوله تعالى: «وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ»،
وقوله عليه السلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفسه».
وفيه:لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه.
ثمّ إنّ إذن المالك لغيره يكون على أنحاء مختلفة، وهي:
وذلك كأن يأذن المالك للغير في التصرّف فيما يملكه، إمّا بنحو
الاستنابة ، كما في
الوكالة ، أو بنحو إحداث ولاية كما في الوصاية، أو غيرهما كما في
المضاربة ،
أو التنفيذ كما في الإجارة.فإنّ للوكيل والمضارب ونحوهما التصرّف بإذن المالك من دون أن يتجاوزاه، وكذا الوصيّ ونحوه يتصرّف بإذن الوليّ فيما يتولّاه على ما وقع عليه الإذن.
يجوز للمالك أن يأذن للغير بالانتفاع من ملكه، سواء كان ذلك بعوض كما في
المزارعة والمساقاة والإجارة ونحوها،
أو بدون عوض، كما في
العارية ؛ إذ هي إذن في الانتفاع بالعين تبرّعاً.
وذلك كأن يأذن المالك في التصرّف المتلف للعين المملوكة، بحيث لا تبقى بعد ذلك، كالإذن في أكل طعامه
في الولائم ونثار الأعراس. وهذا قد يكون مجّاناً أو بعوض، كما في إذن الحمّامي في
الاستفادة والغسل بالماء في حمّامه بعوض.
ذكر الفقهاء أنّه يجوز أن يأذن المالك للغير أن يتملّك ماله بأخذه مجّاناً أو بعوض ويكون نافذاً، فيتملّكه الغير بالأخذ أو الحيازة لا بالعقد، فكأنّه يعرض عن المال ويرفع يده عنه بالنسبة إلى ذلك الشخص بالخصوص لا مطلقاً ليتملّكه بالحيازة والأخذ.
الحقّ هو اعتبار شرعي، أو عقلائي قد أمضاه الشارع، يثبت ابتداءً، كحقّ الشفعة والتحجير، أو في طول قرار معاملي وإمضاء الشارع له، كالخيار في العقود».
والمستفاد من كلمات الفقهاء أنّ الأصل عدم صحّة التصرّف فيما يعارض حقّ الغير بدون إذنه.
وهناك موارد متعدّدة
لاعتبار إذن صاحب الحقّ فيما يعارض حقّه، أهمّها ما يلي:
فقد اعتبر الشارع إذن الزوج:
أ- في خروج الزوجة من بيتها، فلا تخرج المرأة من بيتها- حتى لو كانت مطلّقة
طلاقاً رجعياً - إلّا بإذن زوجها،
وهذا هو المشهور بين الفقهاء.ويستثنى من ذلك الخروج في
الواجب المضيّق، وجميع ما تضطرّ إليه ولا يمكنها الوصول إليه إلّا بالخروج.
ب- وفي
صوم الزوجة واعتكافها تطوّعاً، فإنّه يشترط في جوازه إذن الزوج وإن اختلف في كراهته أو حرمته عند عدم الإذن.
وهكذا غيرهما من المستحبّات.
ج- وفي إجارة الزوجة نفسها للرضاع أو غيره،
فإنّ المشهور
اشتراط إذن الزوج في صحّة الإجارة، وإن قيّده بعض الفقهاء بما إذا كانت الإجارة مزاحمة لحقوق الزوج،
لا مطلقاً.ولاعتبار إذن الزوج في تصرّفات المرأة موارد اخرى تحال إلى محالّها.
ويعتبر إذن الزوجة:
أ- في نكاح بنت
اختها وبنت
أخيها ، فليس للزوج
إدخالهما على الزوجة إلّا برضاها.
وكذا لا يجوز نكاح
الأمة على الحرّة إلّا بإذنها.
ب- وفي
الإخلال بالمبيت عند إحدى الزوجات بغير عذر، فلا يحلّ للزوج ذلك إلّا مع
العذر ، أو إذنهنّ، أو إذن بعضهنّ فيما تختصّ به الآذنة.
ج- وفي ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر، فلا يجوز له ترك ذلك إلّا بإذنها.
إلى غير ذلك من الحقوق الثابتة لها التي تطلب من محالّها.
الرهن وثيقة لدين المرتهن ومحبوس على ماله،
وعليه فلا يجوز للراهن التصرّف في الرهن
باستخدام ولا سكنى ولا إجارة ولا بيع ولا غير ذلك من التصرّفات الناقلة للعين أو المنفعة، إلّا بإذن المرتهن.
ويعتبر إذن الغرماء:
أ- في خروج المديون إلى
الجهاد ،
بل مطلق السفر،
ثمّ قال: «وليس في الحقيقة هذا منعاً من السفر كما يمنع السيد عبده والزوج زوجته، بل يشغله عن السفر برفعه إلى الحاكم ومطالبته حتى يوفي الحقّ». فيما لو كان الدين حالًّا، وكان قادراً على وفائه.نعم، لو تعيّن عليه الجهاد فلا يعتبر إذنهم؛ لأنّ الجهاد تعلّق بعينه، فكان مقدّماً على ما في ذمّته.
ب- وفي عفو المديون عن
الجناية مجّاناً، فلو جنى على المفلّس أو على عبده جانٍ وأوجبت الجناية المال لم يكن له العفو مجّاناً؛ لأنّه تفويت. نعم، يثبت له ذلك بإذن الغرماء.
ج- وكذا في قبض الموهوب به لو حجر على المالك قبل القبض.
يعتبر إذن ذي
الخيار في نفوذ التصرّفات الناقلة والمتلفة،
بل ذهب بعض إلى عدم جوازها فيما لا يقبل التزلزل من التصرّفات الناقلة،
كالوقف والعتق ، وكذا في التلف؛
لإيجابها إتلاف حقّ الغير الموجب للضرر والضرار.
لا يجوز لأحد الشركاء التصرّف في الشركة إلّا بإذن الباقين،
فلا يجوز لأحدهما التصرّف في الجدار المشترك بتسقيف أو فتح كوّة -الكوَّة، بالفتح ويضمّ: الخرق في الحائط-
أو إدخال خشبة وغير ذلك إلّا بإذن شريكه.
وكذا يعتبر إذن الشركاء في نصب الميازيب إلى الطريق المرفوعة، أو حفر
بالوعة فيها، أو إحداث روشن وجناح.
نعم، لو كان
الاشتراك في أمر تابع، مثل البئر والطريق غير النافذ والدهليز ونحوها ممّا كان الانتفاع به مبنيّاً عرفاً على عدم
الاستئذان ، جاز التصرّف وإن لم يأذن الشريك.
والمشهور اعتبار إذن أولياء
القصاص - لو كانوا جماعة- في أصل القصاص، أو في سقوط نصيبهم من
الدية ؛
لأنّه مقتضى اشتراك جماعة في حقّ واحد.
يشترط في صحّة يمين المنكر وحلفه عند
القاضي - في المرافعات والحقوق الشخصية- إذن المدّعي في ذلك، فلا يصحّ يمينه قبل ذلك.
قال
الشيخ الأنصاري : «وليس للحاكم
إحلافه ؛ لأنّ الحلف مسقط لحقّ المدّعي، فلا يصحّ من دون إذنه».
إلى غير هؤلاء ممّن يعتبر إذنه في التصرّفات المتعلّقة بحقّه.
الوليّ هو من له
الإمارة والسلطنة على الغير في نفسه أو ماله أو أمر من اموره،
لصغر أو جنون أو سفه أو رقّ أو غير ذلك.
والمراد منه هنا الوليّ القهري، فينحصر في
الأب والجدّ ومولى المملوك،
والولد في بعض الامور، كتجهيز أبيه الميّت والصلاة عليه.
فقد اعتبر الشارع للأب والجدّ من طرفه
ولاية في التصرّف في مال الطفل، والنظر في مصالحه وشئونه ما دام غير رشيد،
فلا بدّ من إذنهما في تصرّفات الصبيّ، في النكاح والمال، سواء كان
بإعارة ،
أو
إخراج زكاة،
أو بيع وشراء، أو نحو ذلك،
كما يعتبر إذنهما في صحّة نكاح السفيه
وبيعه
وعقد كتابته.
وأيضاً يعتبر إذن الوليّ في نكاح الصغيرة والبكر، وإن اختلف بالنسبة إلى البكر الرشيدة.
وكذا لا يجوز للمملوك أن يتصرّف في نفسه بإجارة ولا استدانة ولا نكاح ولا غير ذلك من العقود، إلّا بإذن سيّده، كما لا يجوز له التصرّف فيما في يده ببيع ولا هبة إلّا بإذنه أيضاً، حتى لو حكم له بملكه؛ وذلك لكونه محجوراً عليه.
نعم، يستثنى من ذلك
الطلاق ، فإنّ للعبد إيقاعه وإن كره المولى،
كما في الصلاة والصوم الواجبين.
متولّي الوقف أو الناظر هو من يعيّنه الواقف أو
الحاكم الشرعي للقيام بشئون الوقف ممّا يتعارف من العمارة والإجارة، وتحصيل الغلّة، وقسمتها على مستحقّها، وحفظ الأصل ونحو ذلك ممّا لا يجوز لغيرهما.
واعتبر الشارع إذنهما في التصرّفات المذكورة، فلا يجوز لغيرهما التصرّف في شيء من تلك الأعمال، ولا في شيء من الغلّة إلّا بإذنهما وإن كان المتصرّف هو المستحقّ.
نعم، استشكل بعض الفقهاء فيما لو كان الموقوف عليه متّحداً، إمّا ابتداءً، أو لاتّحاده في بعض الطبقات
اتّفاقاً ، أو في الأوقاف العامّة على المسلمين ونحوهم التي يريد الواقف انتفاع كلّ من الموقوف عليه بالثمرة إذا مرّ بها، كأشجار الثمار، فإنّ مقتضى القاعدة أيضاً عدم جواز تصرّف أحد منهم في شيء منها إلّا بإذن الحاكم، مع أنّه لا يخلو من
إشكال وتفويت لكثير من أغراض الواقف.
الأصل فيها أنّه ليس للمأذون أن يأذن لغيره فيما جعل إليه إلّا بإذن الآذن، وعلى هذا الأساس ليس لعامل القراض- باعتبار أنّه مأذون من ربّ المال في التجارة- أن يقارض غيره، إلّا أن يأذن له صاحب المال.
وكذا لا يجوز للوكيل أن يوكّل فيما جعل إليه إلّا بإذن الموكّل؛
ضرورة أنّ مجرّد وكالته على البيع- مثلًا- لا يقتضي وكالته- بل ولا الإذن في إيقاع عقد الوكالة- عنه للغير، أو الإذن له في ذلك.
وممّا يدخل في ذلك
العبد المأذون له في التجارة، فليس له أن يأذن لغيره في التجارة، ولا أن يوكّل إلّا بإذن سيّده.
ويستثنى من ذلك ما جرت العادة بالتوكيل فيه، فيجوز له ذلك؛ لأنّه كالمأذون فيه؛ إذ الإذن في التجارة عرفاً إذن في التوكيل فيما تعارض فيه التوكيل.
والحكم كذلك في سائر المأذونين.هذا إذا كان مأذوناً على نحو
الاستنابة ، وأمّا لو كان على نحو الولاية، كالوصيّ الذي وصايته ولاية لا استنابة، فيجوز له الوكالة عن نفسه إلّا مع نصّ الموصي المنع.
ومن ذلك ما كان على هذا النحو.
الإمامة هي الولاية والرئاسة العامّة في امور
الدين والدنيا، وقد ورد في حديث عن
عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: «... أنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين، أنّ الإمامة اسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي...».
والمستفاد من كلمات الفقهاء أنّ الإمام هو الوليّ العامّ الذي يتولّى
إقامة العدل والحكم على طبق الموازين الشرعية، وقطع المنازعات، والفصل بين الخصومات، والتصالح بين الناس، وأنّه هو المتولّي لحفظ ما يضيع.
كما أنّ المتّفق عليه عندنا أنّ الإمامة العامّة إنّما تكون بالأصالة
للأئمّة المعصومين عليهم السلام، وهم الأئمّة الاثنا عشر بعد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي زماننا تكون للإمام الثاني عشر الغائب عن الأنظار، وهو
محمّد بن الحسن العسكري عليهما السلام أرواحنا فداه، وتثبت الولاية والإمامة العامّة لغيرهم بنصب وتفويض من قبلهم.والمعروف بين فقهائنا أنّه في عصر الغيبة قد جعلت الإمامة والولاية العامّة من قبلهم للفقهاء العدول الأكفّاء.
وقد اعتبر الشارع إذن الإمام عليه السلام أو الوليّ العامّ في نفاذ كثير من التصرّفات؛ لاستيفاء هذه الأغراض ونحوها من المصالح العامّة. ومواردها كثيرة في مسائل
الفقه ، ونشير إلى بعضها فيما يلي:
يعتبر في وجوب الجهاد على المسلمين إذن الإمام عليه السلام، أو إذن من نصبه لذلك، فلا يجب عليهم، بل لا يجوز لهم ذلك بغير إذنه،
كما يعتبر إذنه عليه السلام في
المبارزة بين الصفّين عند بعض الفقهاء، فلا يجوز لمسلم أن يبارز
كافراً بغير إذنه.
وذهب بعض آخر إلى
كراهة ذلك.
وكذا يعتبر إذن الإمام عليه السلام في قتال
أهل البغي ،
وقتل أهل الذمّة إذا خرجوا عن ذمّتهم بترك شرائطها.
وأيضاً لا يصحّ أن يتولّى مهادنة الكفّار أحد إلّا الإمام عليه السلام أو من يأذن له بالخصوص.
والبحث في اعتبار إذن الفقيه الجامع للشرائط في زمن
الغيبة وخلاف الفقهاء فيه
يحال إلى محالّه.
القضاء ولاية شرعيّة على الحكم في المصالح العامّة من قبل الإمام عليه السلام؛
وقال
السيد الگلبايگاني في كتاب القضاء: والأولى أنّ القضاء نفس الحكم عن التنازع والخصومة، لا الولاية على الحكم.
ولذلك اعتبر الشارع في جواز تولّي القضاء بين الناس وإقامة
الحدود والقصاص إذن الإمام عليه السلام أو إذن من نصبه لذلك.
ويستثنى من ذلك السيّد بالنسبة إلى مملوكه، فيجوز له إقامة الحدّ على عبده وأمته من دون إذن الإمام عليه السلام،
وإن اختلف في اختصاص ذلك بزمن الغيبة أو عدم بسط يده أو مطلقاً.
وكذا اختلف الفقهاء في جواز إقامة الرجل الحدّ على ولده وزوجته بغير إذن الإمام عليه السلام.
هذا، عند حضور الإمام، وأمّا في حال الغيبة فقد فوّض ذلك إلى فقهاء
الشيعة المأمونين المخلصين.
لا كلام في كون
الأنفال - بجميع أقسامها- ملكاً للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ من بعده للقائم مقامه، وهم الأئمّة المعصومون، وعليه فلا يجوز التصرّف في شيء منها من دون إذن منهم في زمني الحضور والغيبة.
والمعروف أنّهم قد أذنوا وأباحوا ذلك لشيعتهم.والمعروف أيضاً أنّ الأنفال إنّما تكون لهم بوصفهم أئمّة وولاة الأمر، لا بأشخاصهم الحقيقية، فيثبت لمن يكون منصوباً من قبلهم للإمامة العامّة ذلك أيضاً.
قال
الإمام الخميني : فلا إشكال في أنّ للفقيه في زمن الغيبة الإذن في التصرّف في كلّ ما كان للإمام التصرّف فيه من الجهات العامّة المربوطة ببيت المال أو بحدود بلادهم.
وكذا اعتبر الشارع إذن الإمام عليه السلام في موارد اخرى، وهي:
إقامة
الجمعة ،
وتفريق
الزكاة على أهلها،
وجواز المقاصّة للمستحقّ من مال مَنْ عليه الزكاة
والخمس عند
الإنكار ،
والتصدّق بمال اللقطة بعد اليأس من الوصول إلى المالك،
وجواز التصرّف في الأراضي الخراجية،
وبيع الوقف عند طروّ الخراب،
وجواز البناء أو وضع الخشب على جدار
المسجد وشبهه من الوقوف العامّة،
وتجهيز الميّت إذا كان الوليّ قاصراً، أو غائباً،
ودخول الحربيّ في دار الإسلام،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو افتقر إلى الجراح أو
القتل عند بعض الفقهاء.
وغير ذلك من التصرفات الحسبيّة.وكما ثبت اعتبار إذن الإمام فيها ثبت اعتبار إذن نائبه الخاصّ والعامّ فيها.
تقدّم أنّ القضاء ولاية شرعيّة من قبل الإمام عليه السلام للحكم في المصالح العامّة، فهي تثبت لمن أذن له الإمام بنحو خاصّ أو عامّ، كما أنّه عليه السلام قد فوّض ذلك في حال الغيبة إلى فقهاء الشيعة المأمونين.
ويتوقّف كثير من التصرّفات على إذن القاضي، ونشير إلى بعضها فيما يلي:
۱- يشترط في صحّة القسامة إذن الحاكم.
۲- ليس للمدّعي
إحلاف المنكر بغير إذن الحاكم، فلو أحلفه لم يعتدّ به.
۳- اعتبر بعض الفقهاء إذن الحاكم في مبادرة الوليّ الواحد إلى القصاص؛
لأنّها مسألة اجتهادية مبنيّة على
الاحتياط ، فتكون منوطة بنظر الحاكم.
۴- ويعتبر إذن الحاكم في اعتداد المرأة المفقود زوجها، بعد أن رفعت أمرها إليه وأجّلها أربع سنين.
۵- يشترط في نكاح السفيه- مع فقد الوليّ- إذن القاضي، بل قد يجب أن يأذن له.
۶- وكذا يعتبر إذن الحاكم في جواز التصرّف في التركة إذا كان الميّت مشغول الذمّة بما يستوعب التركة.
۷- وأيضاً يعتبر إذن الحاكم في
إنفاق الملتقط على المنبوذ من ماله- أي مال المنبوذ- لأنّه لا ولاية له في ماله.
وغير ذلك من الموارد الكثيرة المتوقّفة على إذن القاضي، وتطلب في محالّها.
الفقيه هو
المجتهد العالم بالأحكام الشرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة، ورأيه حجّة في حقّ نفسه وفي حقّ مقلّديه إذا كان واجداً لسائر شروط
التقليد .
ويكون إذنه في فعل أو ترك حجّة شرعيّة للمقلّد، يمكنه الاستناد إليه فيما بينه وبين اللَّه، فلا يجوز له ارتكاب فعل أو ترك إذا لم يكن مأذوناً في ذلك من قبل مقلَّده، إلّا أنّ الإذن هنا يكون معناه رأي الفقيه ونظره الكاشف والطريق الشرعي للوصول إلى
الحكم الشرعي الواقعي، فليس الإذن هنا بالمعنى المتقدّم في سائر الموارد.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۲۸۵-۲۹۹.