الإمهال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
التأخير و
الإنظار و
تمديد الوقت.
هو
الإنظار و
التأخير و
تمديد الوقت،
ومهّله تمهيلًا: أي أجّله،
ومنه قوله تعالى: «فَمَهِّلِ
الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً»،
واستمهله: طلب منه
النظرة .
وأمّا
اصطلاحاً فلا يخرج عن المعنى
اللغوي .
وهو التأخير والإمهال
يقال: أنظره: أي أخّره، قال اللَّه تعالى: «قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ».
وأنظرته: أي أمهلته.
واستنظر
المشتري فلاناً: سأله النظرة.
وفرّق بين الإمهال والإنظار: «بأنّ الإنظار
مقرون بمقدار ما يقع فيه
النظر ، والإمهال
مبهم . وقيل: الإنظار تأخير
العبد لينظر في أمره، والإمهال: تأخيره ليسهل ما يتكلّفه من عمله».
وهو مدّة
الشيء ،
ووقته الذي يحلّ فيه.
وهي
البرهة من
الزمان .
والبرهة: هي
القطعة من الزمان.
وقيل: هو بعض
الدهر ، يقال: برهة من الدهر كما يقال قطعة من الدهر.
وهو
المكث و
الانتظار ،
يكون
قصير المدّة و
طويلها ، ويسمّى
المتربّص بالطعام وغيره متربّصاً؛ لأنّه يطيل
الانتظار لزيادة
الربح ،
ومنه قوله تعالى: «فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ».
تنجيم الدين هو أن يقرّر عطاؤه في أوقات معلومة
متتابعة ،
مشاهرة أو
مساناة ، ومنه تنجيم
المكاتب .
وأصله: أنّ
العرب كانت تجعل
مطالع منازل
القمر و
مساقطها مواقيت لحلول ديونها .
الإمهال قد يكون
بالتعاقد كإمهال
الزوج في
المهر ، وقد يكون بحكم
الشارع كإمهال
المدين و
الكفيل و
المرتد ، وقد يكون بحكم
القاضي كإمهال الزوج في
العنن و
الإيلاء و
الظهار ، والإمهال في
الدعوى ، وإمهال محي
الأرض و
المعدن .
هذا من جهة، ومن جهة اخرى الإمهال تارة يكون في
الحقوق واخرى يكون في
العقوبات وغير ذلك، فموارد الإمهال كثيرة ومتنوّعة نشير إلى أهمّها فيما يلي:
وهو إمّا يكون من قبل الزوج، أو
الزوجة أو القاضي.
إذا سلّم الزوج
الصداق ، فهل عليه أن يمهلها مدّة لتستعدّ
بالتنظيف و
الاستحداد ؟ قولان:
الأوّل: وجوب الإمهال، صرّح بذلك
الشيخ الطوسي و
العلّامة ؛
لجري العادة به، ولأنّه ربّما ينفر عنها إن لم تستعدّ له، وربّما يفهم من
النهي عن طروق
الأهل ليلًا ، ويؤيّده ما روي في الحديث: «أمهلوا كي تمتشط
الشعثة وتستحدّ
المغيّبة ».
والظاهر أنّ
المدار و
العبرة على المدّة والزمان التي تتمكّن فيه من
الاستعداد والتنظيف، وأمّا
التحديد بيوم ويومين وثلاثة كما في المبسوط، فلعلّ المراد به
التمثيل ، ونصّه على أنّها إن استمهلت أكثر من ثلاثة لم تمهل
باعتبار أنّ الثلاثة تتّسع
لإصلاح حالها.
وناقش
المحقّق النجفي في أدلّة
وجوب الإمهال بأنّها لا تصلح للدليلية؛
لمنافاتها جميع ما دلّ على
تسلّط الزوج على الزوجة
كتاباً و
سنّة .
الثاني: عدم وجوب الإمهال؛
لانتفاء مقتضيه، و
الأصل السالم عن
المعارض .
هذا بالنسبة للإمهال لأجل الاستحداد والتنظيف، وأمّا لغيره فقد صرّح بعض الفقهاء بأنّه لا ريب في عدم وجوب إمهالها لأجل تهيئة الجهاز ولا لأجل الحيض لإمكان الاستمتاع بغير القبل.
صرّح بعض
الفقهاء بأنّه لا إشكال في وجوب إمهال الزوجة لو كانت
صغيرة لا تطيق
الجماع ، وإن بلغت تسعاً فصاعداً أو كانت
مريضة كذلك إلى زمان
الإطاقة .
صرّح
جملة من الفقهاء
بأنّه إذا اعسر
الرجل ولم يقدر على
الإنفاق على زوجته وجب عليها
الصبر والإمهال إلى أن يوسر؛ لقوله تعالى: «وَإِن كَانَ ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ»،
بل ادّعي عليه
الشهرة ،
وإن نقل العلّامة عن بعضهم أنّ للحاكم أن يبينها منه.
يمهل
الحاكم العنّين مع
المرافعة سنة، فإن جامع فيها وإلّا فرّق بينهما
على المشهور،
بل ادّعي عدم
الخلاف فيه؛
لما روي في
صحيح محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «العنّين يتربّص به سنة، ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت، وإن شاءت أقامت»،
وغير ذلك من
النصوص المؤيّدة بالاعتبار؛ لأنّ
العجز قد يكون
لحرّ فيتربّص به إلى
الشتاء ، أو
برد فيتربّص به إلى
الصيف ، أو
رطوبة فيتربّص به إلى
الخريف ، أو
يبوسة فيتربّص به إلى
الربيع .
إذا تمّ الإيلاء بشرائطه، فإن صبرت المرأة على امتناع الزوج عن
المواقعة فلا كلام، وإلّا فلها أن ترفع أمرها إلى الحاكم فيحضره وينظره مدّة أربعة أشهر، والمدّة
المضروبة تحتسب من حين المرافعة على المشهور لا من حين الإيلاء؛
لأنّ ضرب المدّة حكم شرعي فيتوقّف ثبوته على حكم الحاكم، وبعد
مضي المدّة يطالب
بالرجوع أو
الطلاق ، وتحصل
الفئة بالنسبة للقادر
بغيبوبة الحشفة في
القبل و
العاجز بإظهار
العزم على
الوطء مع
القدرة كأن يقول: إذا قدرت فئت.
وإذا طلب
القادر الإمهال امهل بما جرت
العادة بإمهاله فيه قدر ما يتهيّأ له ذلك ويزول معه
المانع عرفاً، فيمهل
الصائم إلى أن يفطر و
الشبعان إلى أن يخفّ عنه
ثقل الطعام ، و
الجائع إلى أن يأكل.
إذا تحقّق الظهار ولم تصبر
المظاهر منها عليه ورفعت أمرها إلى الحاكم يخيّر الحاكم الزوج بين
العود بعد
التكفير وبين طلاقها، فإن اختار أحدهما فهو، وإلّا أمهله ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فإن اختار أحد الأمرين فهو، وإلّا ضيّق عليه في
المطعم و
المشرب حتى يختار.
الأصل في العقوبات عدم جواز الإمهال والتأخير إلّاأن يثبت
الدليل على
التأجيل .
وقد ثبت ذلك في مواضع:
لا إشكال في وجوب
استتابة المرتد الملّي ، بل لا خلاف فيه بينهم،
وإنّما اختلفوا في تحديد مدّة استتابته على أقوال:
الأوّل: إمهاله ثلاثة أيّام حيث استحسنه المحقّق،
وهو
موافق للاحتياط ؛
لمعتبرة
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام حيث قال: «ويستتاب ثلاثاً، فإن رجع وإلّا قتل
يوم الرابع».
وقد ضعّفها بعض الفقهاء،
ولكن اجيب عنه بأنّها وردت بإسنادين تكون على أحدهما معتبرة.
الثاني: إمهاله
القدر الذي يؤمل معه
عوده إلى
الإسلام واحتجّ لذلك بإطلاق الأدلّة التي لا يقيّدها
الخبر المزبور كخبر علي بن جعفر عن
أخيه عليهما السلام - في حديث- قال: قلت: فنصراني أسلم ثمّ ارتد؟ قال: «يستتاب، فإن رجع وإلّا قتل».
ولو قال
عقيب الاستتابة (حلّوا شبهتي) احتمل
الإنظار إلى أن تحلّ شبهته.
الثالث: إمهاله بلا
تقدير كما نسب إلى القيل؛
وذلك لأنّ
التحديد يحتاج إلى الدليل.
الرابع: يمهل بما يراه الحاكم.
لا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا يقام
الحدّ على
السكران في حال سكره، بل يمهل حتى يفيق،
ووجهه: أنّ
الحكمة في تشريع الحدود هو الإيلام و
الإيذاء والتأثّر ليمتنع المحدود عمّا حدّ به فلا يفعله ثانياً، وهي إنّما تحصل بعد الإفاقة لا مطلقاً.
إذا كان
تنفيذ العقوبة المستحقّة يخشى منه تعدّيها، كما إذا كان
المستحقّ للجلد مريضاً أو
مستحاضة أو
حاملًا فلا يجلد المريض بل ينتظر حتى يبرأ من مرضه خوفاً من
التلف .
ففي معتبرة السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: اتي
أمير المؤمنين عليه السلام برجل أصاب حدّاً وبه
قروح في جسده كثيرة، فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: «أقرّوه حتى تبرأ».
وكذا تمهل المستحاضة حتى ينقطع عنها
الدم خوفاً من
استمراره ، وقد روي أيضاً: «لا يقام الحدّ على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها».
صرّح الفقهاء بأنّه لا يقام الحدّ في أرض العدو
خشية الالتحاق بالكفّار، بل يمهل من ارتكب ما يوجب الحدّ حتى يعود إلى
دار الإسلام، ثمّ يقام عليه الحدّ،
كما روى ذلك
إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: لا تقام الحدود بأرض العدو؛ مخافة أن تحمله
الحميّة فيلتحق بأرض العدو».
واختلف في أنّ النهي حينئذٍ على وجه
الحرمة كما صرّح بعضهم بذلك،
أو
الكراهة كما هو
صريح آخرين،
بينما أطلق بعضهم،
واستظهر منه في
الرياض الحرمة.
والحامل أيضاً تمهل فلا يقام الحد عليها، سواء كان جلداً أو
رجماً ،
مراعاةً لحقّ
الولد ، حتى تضع وتخرج من
نفاسها وترضع الولد إن لم يتّفق له
مرضعة بلا خلاف فيه.
واستدلّ لذلك بروايات:
منها:
الموثّق عن
عمار الساباطي ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن
محصنة زنت وهي حبلى؟ قال: «تقرّ حتى تضع ما في بطنها وترضع ولدها، ثمّ ترجم».
والتفصيل في محلّه.
إذا طلب
المدّعي مهلة ليقدّم
البيّنة على ما يدّعيه أجّله الحاكم وضرب له وقتاً بمقدار
إحضارها بلا خلاف فيه،
وكذا لو استمهل المدّعى عليه لإحضار
الجارح على بيّنة المدّعي أمهله الحاكم بمقدار لا يضرّ بالمدّعي،
وقيل: يؤجّل ثلاثة أيّام،
وكذا لو استمهل
المنكر في
الحلف فيمهله الحاكم بمقدار لا يضرّ بالمدّعي.
الحقّ إذا هلّ وقته أو حصل سببه لزم من عليه أداؤه لكن ثبت في بعض المواضع والحالات وجوب أو
جواز الإمهال كما في الموارد التالية:
صرّح الفقهاء بوجوب إنظار المدين إذا ثبت
إعساره ، وقد تكثّرت الأدلّة من الكتاب والسنّة على ذلك،
مثل قوله تعالى: «وَإِن كَانَ ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ».
وكان
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ليس لمسلم أن يعسر مسلماً ومن أنظر معسراً أظلّه
اللَّه يوم القيامة بظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه».
لو غاب المكفول عنه بعد
حلول الكفالة وطالب المكفول له بإحضاره، أمهل الكفيل بمقدار ما يمكنه الذهاب إليه والعود به،
بلا خلاف فيه،
بل عليه عامّة
أهل العلم .
يعتبر في ثبوت الشفعة كون
الشفيع قادراً على
أداء الثمن ، فلو ادّعى
غيبة الثمن امهل ثلاثة أيّام، وإذا ادّعى أنّ الثمن في بلد آخر امهل بمقدار
وصول المال إليه وزيادة ثلاثة أيّام، فإن انتهى
الأجل فلا شفعة.
من أخذ أرضاً للإحياء واقتصر على
التحجير وأهمل
العمارة ، أجبره الحاكم أو وكيله على
إتمام العمل أو رفع يده عنها، ولو أبدى
عذراً أمهله إلى أن يزول عذره ثمّ يلزمه أحد الأمرين،
وكذا إذا شرع في
إحياء معدن ثمّ أهمله
بلا خلاف في شيء من ذلك بينهم.
وقع الكلام في إمهال
إمام المسلمين أو
نائبه لأخذ
الجزية أو
الخراج أو
الزكاة ، وكذا إمهاله في
إعطاء الخمس لمن يجب عليه، حيث إنّه ضريبة مالية يتصدّى الإمام أو نائبه لأخذها.
أمّا الجزية فهي
ضريبة مالية تؤخذ من أهلها برفق و
لطف وتقديرها ووضعها
موكول إلى
اجتهاد الإمام عليه السلام،
وعلى المشهور بينهم أنّها تؤخذ من فقراء
أهل الذمّة كما هو المحكي عن فعل أمير المؤمنين عليه السلام حيث إنّه وظّف على
الفقير ديناراً .
نعم، ينتظر بها ويمهلهم حتى يوسر ويقدر على دفعها حيث إنّها
دين كسائر الديون.
ومن الضرائب المالية الزكاة حيث أمر اللَّه الرسول بأخذها من أموال الناس، قال اللَّه تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا»،
وفوّض أمر تعيينه لمتعلّقها إلى نبيّ الإسلام ومن له
ولاية الأمر من جانبه،
ومن مقتضيات ذلك الإمهال من جانب الإمام عليه السلام أو الحاكم الشرعي لمن لا يمكنه أداء الزكاة حيث صار فقيراً، فللحاكم الشرعي إمهاله بأخذ الزكاة من
المالك ثمّ الردّ عليه
المسمّى بالفارسية (دست گردان) أو
المصالحة معه بشيء يسير أو قبول شيء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك
لتفريغ ذمّته،
وكذا يجري هذا في الخمس الذي في يد الإمام عليه السلام وجعله لمنصب
الإمامة ،
أو الفقيه الجامع الشرائط.
إذا كاتب
المولى عبده فحلّ عليه
نجم من كتابته فطلب
الرخصة حتى يجيء بالمال، كان
للسيّد إمهاله بحيث لا يتضرّر بتأخيره.
ولو عجز عن أداء مال
الكتابة فقد صرّح الفقهاء
بأنّه يستحبّ للمولى
الصبر وإمهاله بلا خلاف فيه،
لما فيه من
الإعانة على
التخلّص من
الرقّ ، وإنظار المعسر بالدين؛ لأنّه عليه بمنزلة الدين، وللأمر بإنظاره
سنة وسنتين وثلاثاً
المحمول على
الاستحباب . وقيل: إن عجز، وجب إنظاره ثلاثة أنجم.
صرّح بعض الفقهاء
على أنّ أهل
البغي إذا سألوا الإمام أن ينظرهم ورجا دخولهم في طاعته وعرف عزمهم على ذلك أنظرهم لأنّها
مصلحة .
وكذلك غيرهم من
المتأوّلين و
المرتدّين و
المحاربين ،
بل عرّف بعض الفقهاء
عقد الأمان بأنّه عبارة عن ترك
القتال إجابة لسؤال الكفّار بالإمهال، واستشهد على جوازه بقوله تعالى «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ».
الموسوعة الفقهية، ج۱۷، ص۳۲۲-۳۳۱.