الاختصاص (حقه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاختصاص (توضيح) .
يراد بحقّ الاختصاص عند
إطلاقه ما يثبت للشخص في شيء لا يملكه ولكن يملك
الانتفاع به، فيسوّغ له ذلك الحقّ
التصرّف فيه ببعض التصرّفات، ويمنع الغير من
مزاحمته عليه فيها.
يظهر من بعض
الفقهاء كالعلّامة الحلّي في
القواعد وولده في
شرح الإرشاد والايضاح والمحقّق النجفي في الجواهر والسيد محمّد بحر العلوم في البلغة وغيرهم اعتبار كون اختصاص الشخص بالشيء حكماً مفاده- في بعض موارده أو في جميعها-
تحريم المزاحمة له.
قال بعد نقل
استشكال العلّامة و
ابنه - في ردّ الخمر المتخلّل في يد
الغاصب أو
المشترى بالعقد الفاسد: «ظاهر ما نقلنا عن القواعد وولده في شرح الإرشاد و
الإيضاح أنّ حقّ
الأولويّة الحاصلة في الخمر المتّخذة
للتخليل إنّما هو مجرّد حكم تكليفي، وإلّا فمع غصبها ودفع يد ذي اليد عنها لو صارت خلّاً فهي للغاصب نظير حقّ السبق إلى مكان عند بعضهم حيث يقول: إنّه لا يجوز للغير
إزالته عن ذلك المكان، لكن لو عصى وأزاله يصير هو الأحقّ، وتجوز صلاته فيه. وفي
الجواهر أيضاً
اختيار ذلك لو لا
الإجماع .
وظنّي أنّه في مسألة حقّ
السبق أيضاً يقول بذلك، بمعنى أنّ الأولويّة مجرّد تكليف. لكنّه كما ترى، بل
التحقيق أنّ مع ثبوت الأولويّة بالأخذ للتخليل لا ينبغي
الإشكال في كونه أحقّ وضعاً، بمعنى أنّه لو عاد خلّاً كان له لا للغاصب، وكذا في
مسألة حقّ السبق، كيف؟! ومقتضى الأولويّة التكليفيّة أيضاً وجوب ردّ الخمر إلى الأوّل، وكذا ردّ
المكان إلى السابق؟! فلا وجه لأحقّيّته بالغصب».
قال في
البلغة في بيان أنواع
الحقوق : «ومنها: الأولويّة بالسبق في المساجد والمدارس و
القناطر والرباطات والطرق النافذة ونحو ذلك من الحقوق الراجعة إلى عموم الناس أو المتلبّس بعنوان منهم، فالذي يظهر من كثير منهم أنّه من الحقوق، ولعلّه نظراً إلى
إطلاق الحقّ عليه في حديث: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد كان أحقّ به»،
وفي آخر: «كان له»
بدل قوله: «أحقّ به» بناءً على ظهور
اللام فيه. ويحتمل قويّاً بل لعلّه
الأقوى كونها من الأحكام، بمعنى تحريم
مزاحمة السابق فيما سبق إليه ممّا له فيه حقٌّ بجعل
الواقف الذي هو وغيره فيه شرع سواء بذلك الجعل؛ ضرورة أنّ الواقف لم يجعله وقفاً على السابق حتّى يختصّ به هو دون غيره، ولا أحدث السابق حقّاً جديداً له وراء ما جعل له الواقف حتّى يكون له حقّان استحقّ أحدهما بالوقف كغيره، والآخر استحقّه بالسبق دون غيره فيسقط هو
بالإعراض عنه دون المجعول بالوقف، بل السبق سبب لحرمة مزاحمته فيه ومدافعته عنه مطلقاً ولو كان المزاحم من مصاديق عنوان الموقوف عليه، فتقديم السابق في
تزاحم الحقوق كتقديم الأهمّ في تزاحم الواجبات في كونه من الأحكام. فبالإعراض عن المحلّ يرتفع التزاحم الذي هو موضوع الحكم بالتحريم، بل لعلّه يشعر به
التعبير بالأحقّ في الحديث والزيادة لاختصاص
الاستيفاء ، واللّام لمطلق الاختصاص».
لكنّ
المشهور بين الفقهاء خلاف ذلك وأنّ اختصاص الشخص بالشيء المانع للغير من مزاحمته- كما سمعت من بعض العبارات المتقدّمة- حقّ يثبت له بأسبابه المختلفة، وتعابيرهم الواردة في أبواب
الوقف وإحياء الموات والمنافع العامّة و
المشتركات و
المكاسب والغصب وغيرها- والتي سيأتي قسم منها- واردة كلّها بلفظ الحقّ، ولا
أثر للحكم فيها، بل سيأتي منهم جواز
المعاوضة على هذا الحقّ و
إسقاطه ككثير من الحقوق.
وكيف كان، فإنّ القائلين بكون الاختصاص حقّاً لمّا اختلفوا في تفسير
حقيقة الحقّ، والفرق بينه وبين الملك أثّر ذلك في
تفسير حقّ الاختصاص أيضاً، وانعكس واضحاً في كلماتهم. فمَن يرى بأنّ الحقّ
سلطنة و
إضافة مجعولة للإنسان- من حيث هو- على غيره- ولو
بالاعتبار - من مالٍ أو شخصٍ أو كليهما معاً، وأنّها أضعف من الملكيّة أو هي نوع منها فسّر حقّ الاختصاص بذلك، حيث جعل ما لا يملك- كالميتة والخمر والكلب والخنزير وسائر النجاسات- وما لا ماليّة له-
كالحشرات والمال التالف أو
الغارق - وما لم يدخل في الملك بعدُ- كالأرض الموات المحجّرة والمحلّ المسبوق إليه من الأوقاف والمنافع المشتركة والمباحات- طرفاً في السلطنة ومَن يده عليها والمحجِّر والسابق طرفاً آخر فيها، وجعل منشأ الضعف إمّا قصور في الإضافة أو في أحد طرفيها. ويظهر ضعف الحقّ عن
الملك في تسلّطه على الشيء ببعض التصرّفات دون الجميع، بخلاف الملك فإنّ له التصرّف فيما يملك بأنحاء التصرّفات.
قال في اختصاص
المالك بالباقي من ماله بعد تعرّضه للتلف: «إنّ حقّ الاختصاص إنّما هو مرتبة ضعيفة عن الملكيّة، يكون منشأ ضعفه إمّا لقصور في الإضافة أو في أحد طرفيها؛ بأن لا يكون الطرف قابلًا لأن يتعلّق به إضافة الملكيّة، والحقّ والملك مشتركان تحت جامع واحد هو الواجديّة».
لكن اورد على هذا المبنى كبرويّاً تارة بالمنع من كون الحقّ نفس السلطنة، واخرى بالمنع من
اختلاف مراتب الملكيّة بالشدّة والضعف. ومن قال بأنّ الحقّ اعتبار مخصوص يختلف من مورد لآخر، وتختلف تبعاً لذلك آثاره، فقد صوّر حقّ الاختصاص بما يتناسب وهذا المبنى.
قال : «إنّ الحق الذي يقابل الملك هل هو
مفهوماً أو مصداقاً هي السلطنة أو الملك أو اعتبار آخر أو اعتبارات مختلفة في الموارد المتشتّتة؟ المعروف أنّه السلطنة. وليكن المراد بالسلطنة منها السلطنة الاعتباريّة لا السلطنة التكليفيّة الراجعة إلى مجرّد جواز
الفسخ و
الإمضاء ، أو جواز الملك من المشتري في
الشفعة وأشباه ذلك؛ لئلّا يورد عليه بأنّ السلطنة من أحكام الحقّ لا نفسه، أو لا سلطنة للقاصر على التصرّفات مع كونه ذا حقّ شرعاً. والمراد بالسلطنة الاعتباريّة اعتبارها كاعتبار الملك في مورده، لا
الانتزاعيّة ... وربّما يقال بأنّ الحقّ هو الملك... وقد يورد عليه بأنّ الملك ملزوم للسلطنة المطلقة مع أنّ الحقّ سلطنة خاصّة... وقد تقدّم دفعه... فاتّضح أنّ جعل الحقّ مفهوماً أو
مصداقاً بمعنى الملك لا مانع منه، لكن الحقّ ربّما يضاف إلى شيء لم يكن له اعتبار الملك شرعاً، كحقّ الاختصاص بالخمر التي كانت خلّاً قبلًا، أو كحقّ الأولويّة في الأرض المحجّرة التي لا تملك إلّا بالإحياء كما هو المشهور، فيعلم منه أنّ الحقّ ليس بمعنى الملك إمّا كلّيّة، أو في خصوص هذه الموارد. ولذا ربّما يقال: إنّ الحقّ مرتبة ضعيفة من الملك، وأوّل مراتبه، فعدم كون الخمر أو الأرض ملكاً يراد به كسائر
الأملاك ، لا الملك بهذه المرتبة الضعيفة. وفيه: أنّ حقيقة الملك سواء كانت من
مقولة الإضافة أو
مقولة الجدة ليس لها مراتب مختلفة بالشدّة والضعف حتّى يكون اعتبارها في مواردها مختلفاً باعتبار مرتبة قويّة تارة، واعتبار مرتبة ضعيفة اخرى... فتبيّن أنّ جعل الحقّ بمعنى الملك لا وجه له، و
دعوى اختلافه بالمراتب فاسدة. نعم، كونه بمعنى اعتبار السلطنة الوضعيّة ممّن يجعل الملك غير السلطنة لا مانع منه، وأمّا من يرى أنّ الملك بمعنى السلطنة
فالإيراد متوجّه إليه أيضاً. ويمكن أن يقال- وإن لم أجد من وافق عليه صريحاً-: إنّ الحقّ مصداقاً في كلّ مورد اعتبار مخصوص له آثار خاصّة، فحقّ
الولاية ليس إلّا اعتبار ولاية
الحاكم و
الأب والجد... وحقّ التحجير أي المسبّب عنه (التحجير) ليس إلّا اعتبار كونه أولى بالأرض من دون لزوم اعتبار آخر، وحقّ الاختصاص في الخمر ليس إلّا نفس اعتبار اختصاصه به في قبال الآخر، من دون اعتبار ملك أو سلطنة له، وأثر الأولويّة والاختصاص عدم جواز مزاحمة الغير له».
لكن بالرغم ممّا ذكره فقد اختار من جاء بعده من الفقهاء نظريات اخرى في تفسير حقيقة الحقّ تتضمّن معنى السلطنة.
والتفصيل في محلّه.
يثبت حقّ الاختصاص في كلّ عين يستحقّها الشخص بسبب ولكن لم يتحقّق سبب ملكيّتها أو لا تكون قابلة للملك شرعاً، وهو جملة امور نذكرها فيما يلي:
وهو كثير، منه أنواع النجاسات إذا لم تكن لها
منفعة محلّلة شرعاً
كالكلب الهراش والخنزير و
الميتة و
العذرة والخمر بناءً على نجاستها وعدم صلاحيّتها للتخليل، وكذلك ما يأتي الفساد منه محضاً
ككتب الضلال و
آلات القمار و
آلات اللهو و
الطرب و
التماثيل والصور و
الصلبان وسائر
آلات العبادات المحرّمة وغير ذلك، فإنّه وإن لم يعتبر الشارع ملكيّتها وأهدر ماليّتها، لكنّه حفظ لمالكها أو الحائز لها حقّ الاختصاص بها فلا يجوز لأحدٍ غصبها منه ولا التصرّف فيها بدون إذنه؛ لأنّه
ظلم محرّم.
وبهذا المعنى وردت كلمات فقهائنا فتعرّضت لذلك حسب ما تقتضيه المناسبة.قال العلّامة الحلّي : «وكذا تصحّ الوصيّة بما يحلّ الانتفاع به من النجاسات كالكلب المعلّم والزيت النجس
لإشعاله تحت السماء، والزبل للانتفاع بإشعاله و
التسميد به، وجلد الميتة إن سوّغنا الانتفاع به، والخمر المحترمة؛ لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها من يد إلى يد
بالإرث وغيره».
وهو كلّ شيء لا منفعة مقصودة عقلائيّاً وعرفاً فيه ولهذا أسباب عديدة تعرّض لها الفقهاء في مطاوي بحوثهم المختلفة، فمنه: ما لا
ماليّة له لقلّته كحبّة
الحنطة و
الخيط و
بلل الوضوء، ومنه ما لا ماليّة له لحقارته وزهد
الناس فيه كفضلات
الإنسان وزوائده مثل
الشعر و
الظفر و
الأسنان ، أو بقايا الشيء التالف الذي لا منفعة مقصودة فيه وغير ذلك، ومنه: ما لا ماليّة له لوفرته في محلّ
التواجد كالماء قرب النهر، و
الرمل في
الصحراء وغير ذلك.
وقد أفتى الفقهاء بثبوت حقّ الاختصاص للمالك لها قبل
ذهاب ماليّتها، أو الحائز لها حال ذهابها، وعليه فلا يجوز للغير مزاحمته عليها وإن لم يكن يترتّب عليها آثار المال من الضمان وصحّة البيع وغير ذلك. وهناك من فصّل بين الملكيّة والماليّة فقال بأنّ حبّة الحنطة- مثلًا- مملوكة لصاحبها ولا تخرج عن ملكه فهي ملك له ولكنّها ليست مالًا. فكلّ أثر مترتّب على الماليّة لا يثبت فيها وكلّ أثر مترتّب على الملكيّة يثبت فيها.
اتّفق الفقهاء على ثبوت حقّ الاختصاص في الأراضي
العامرة حين الفتح المملوكة للمسلمين
بتقبيل الإمام إيّاها ممّن يقبلها، وفي الموات المملوكة له بتحجيرها، أو وقوعها حريماً لعامر، بل قيل بعدم تملّكها بالإحياء أيضاً، وإنّما يثبت فيها حقّ الاختصاص للمحيي فقط في حال
غيبة الإمام. وأمّا حال حضوره فيثبت حقّ الاختصاص
بإقطاع الإمام إيّاها و
إدخالها في حماه، و
الإذن في إحيائها على وجه لا يثبت منه التمليك، وإلّا جاز على وجه التمليك أيضاً عند بعض الفقهاء، بل قد تعمّم هذه الأحكام لمطلق ما هو ملك للإمام، فلا يختصّ ذلك بالموات، بل يعمّ مثل
الآجام و
بطون الأودية ورءوس الجبال وغيرها، فإنّ للإمام تقبيلها أو إقطاعها أو الإذن في إحيائها أيضاً، كما يثبت حقّ الاختصاص أيضاً في غير الأراضي من المباحات بالسبق إليها ووضع
اليد عليها للانتفاع منها، نظير النباتات الطبيعيّة كأشجار الغابات و
العشب والحشائش و
المعادن الظاهرة و
الباطنة ، والحيوانات التي لا مالك لها كالصيود، ومياه الأنهار الكبار، والعيون والآبار المباحة، وغير ذلك، ولو حاز شيئاً منها للتملّك ملكه.
كما يثبت حقّ الاختصاص أيضاً لمن سبق إلى موضع من
المنافع المشتركة نظير الطرق والمساجد وأماكن
النزهة والأوقاف المطلقة كالمدارس والمساكن والخانات والمنازل العامّة وغيرها، ولا يبطل حقّه فيها ما دام غير معرض عنها، ولا يجوز للغير مزاحمته على ما سبق إليه، إلّا أن يكون زائداً عن حاجته، أو فرض كون المنفعة مقيّدة بمدّة معيّنة شرعاً أو عرفاً أو ممّن له التصرّف في ذلك كالوالي والواقف».وتفصيل ذلك كلّه يأتي في محلّه.
وقد حاول بعض الفقهاء الإشارة إلى ما يتعلّق به حقّ الاختصاص ضمن الحديث عن شروط إحياء الأرض الموات
قال : « والميّت منها يملك بالإحياء، ونعني بالميّت: ما خلا عن الاختصاص ولا ينتفع به... و
أسباب الاختصاص ستّة:
الأوّل:
العمارة، فلا يملك معمور، بل هو لمالكه، وإن اندرست العمارة، فإنّها ملك لمعيّن أو للمسلمين... وما هو بقرب العامر من
الموات يصحّ إحياؤه إذا لم يكن مرفقاً للعامر ولا حريماً.
الثاني: اليد، فكلّ أرض عليها يد
مسلم لا يصحُّ إحياؤها لغير المتصرّف.
الثالث:
حريم العمارة، فإذا قرّر البلد بالصلح لأربابه لم يصحّ إحياء ما حواليه من الموات من
مجتمع النادي، ومرتكض
الخيل ومناخ
الإبل ، ومطرح
القمامة ، وملقى
التراب ، و
مرعى الماشية، وما يُعدُّ من حدود مرافقهم، وكذا سائر القرى للمسلمين، والطريق والشرب، وحريم
البئر والعين...
الرابع: أن يكون مشعراً للعبادة كعرفة و
منى وجمع وإن كان يسيراً لا يمنع المتعبّدين.
الخامس:
التحجير ، وهو بنصب المروز أو
التحويط بحائط أو بحفر ساقية محيطة أو
إدارة التراب حول الأرض أو أحجار، ولا يفيد ملكاً، فإنّ الملك يحصل بالإحياء لا بالشروع فيه، والتحجير شروع في الإحياء، بل يفيد اختصاصاً وأولويّة...
السادس:
إقطاع الإمام، وهو متّبع في الموات... وليس للإمام إقطاع ما لا يجوز إحياؤه كالمعادن الظاهرة على إشكال...وفي حكم الإقطاع
الحمى ...».
المعروف بين الفقهاء أنّ
العبد لا يملك شيئاً وأنّه وماله لسيّده، وقال بعض الفقهاء: بل يملك، وذهب بعض آخر إلى أنّه يختصّ ببعض الأموال كفاضل
الضريبة و
أرش الجناية، وربّما اختصّ بما عدا ذلك.
وتفصيله في محلّه.
الاختصاص (أسباب حقه) ، هناك أسباب عديدة لنشوء حقّ الاختصاص نذكرها فيما يلي: ۱-زوال
الماليّة في الشيء المملوك، ۲-
الحيازة والسبق لما لا يقبل الملك، ۳-التحجير، ۴-الإقطاع، ۵-
الإحياء ، ۶-الحمى.
يعتبر في ثبوت حقّ الاختصاص للشخص في الشيء أمران:
وجود
فائدة في الشيء بحيث يتعلّق به غرض شخصي ولو لم يكن نوعيّاً وعقلائيّاً، فمع عدمها يعدّ تعلّق حقّ الاختصاص به لغواً.
قال في
العين التي يتعذّر
إرجاعها إلى صاحبها: «ما لا يمكن ردّه إلى المالك مع وجوده عقلًا، وذلك كالبلل الباقي من ماء
الوضوء لو توضّأ بماء مغصوب جهلًا بالغصب ثمّ علم بالغصب قبل
المسح ، فإنّ تلك البلل لا يمكن عودها إلى المالك أصلًا، ولا إشكال في
انتفاء ملكه عنها، وإنّما
الكلام في بقاء حقّ الاختصاص، فلو كان حقّ الاختصاص من المالك باقياً عليها لا يجوز للمتوضّئ أن يمسح بها إلّا بإذن المالك، ولو لم يكن له حقّ الاختصاص فيجوز له المسح ولو مع نهي المالك. وربّما يقال ببقاء حقّ الاختصاص، والحقّ عدم ثبوته؛ وذلك لأنّ تلك
البلل كما تكون قاصرة عن تعلّق الملكيّة بها قاصرة عن تعلّق حقّ الاختصاص بها أيضاً؛ إذ لا يفيد للمالك فائدة أصلًا، كما أنّه لا ماليّة لها أصلًا، وما لا فائدة فيه بوجه من الوجوه فلا يصحّ تعلّق حقّ الاختصاص به، فيكون حاله كحال سائر المباحات بالأصل كما لا يخفى».
قال : «لا ريب في أنّ
اعتبار الملكيّة، وكذا الاختصاص لدى
العقلاء ليس جزافاً وعبثاً، بل للاعتبارات العقلائيّة كلّها مناشئ ومصالح نظاميّة ونحوها. فاعتبار الملكيّة والاختصاص فيما لا ينتفع به، ولا يرجى شيء منه رأساً، ولا يكون مورداً لغرض عقلائي- نوعي أو شخصي- لغو صرف و
عبث محض، فمثل
البرغوث والقمّل ليس ملكاً لأحد، ولا لأحد حقّ اختصاص متعلّق به، فما ربّما يقال: إنّ
للإنسان حقّ اختصاص بالنسبة إلى فضلاته ليس وجيهاً على إطلاقه، فالنخامة الملقاة على الأرض ليست ملكاً لصاحبها ولا له حقّ اختصاص بها، أعرض عنها أم لم يعرض. وبالجملة: اعتبار الملكيّة وحقّ الاختصاص تابعٌ لجهة من جهات المصالح، وما لا
نفع فيه مطلقاً ولا غرض لأحدٍ في
اقتنائه لا يعتبر ملكاً، ولا مختصّاً بأحدٍ».
قصد الانتفاع أو الحيازة والاختصاص بالشيء فيما يراد
إحداث الاختصاص فيه، فمع عدم القصد المذكور، كما لو حاز الشيء عبثاً لم يحدث له الحقّ المذكور. وأمّا موارد زوال الماليّة أو الملكيّة وبقاء حقّ الاختصاص كبقايا التلف و
انقلاب العصير خمراً ونحو ذلك فلا يشترط فيه هذا
الشرط .
قال : «ثمّ إنّه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد
الحائز للانتفاع، ولذا ذكروا أنّه لو علم كون حيازة الشخص للماء والكلأ لمجرّد العبث لم يحصل له حقٌّ، وحينئذٍ فيشكل
الأمر فيما تعارف في بعض
البلاد من جمع العذرات حتّى إذا صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في
البساتين و
الزرع بذل له مال فأُخذت منه، فإنّ الظاهر، بل
المقطوع به أنّه لم يحزها للانتفاع بها، وإنّما حازها لأخذ
المال عليها. ومن المعلوم أنّ حلّ المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقّف على قصد الانتفاع المعلوم انتفاؤه في المقام. وكذا لو سبق إلى مكان من الأمكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكنى. نعم، لو جمعها في مكانه المملوك، فبذل له المال على أن يتصرّف في ذلك المكان بالدخول لأخذها كان حسناً، كما أنّه لو قلنا بكفاية مجرّد قصد الحيازة في الاختصاص وإن لم يقصد الانتفاع بعينه، وقلنا بجواز
المعاوضة على حقّ الاختصاص كان أسهل».
لكنّ الشرط المذكور غير معتبر في جميع موارد حقّ الاختصاص عند بعض الفقهاء، وإنّما يصحّ في حيازة الأمكنة المشتركة كالموقوفات؛ لأنّ الانتفاع بها على حسب ما أوقفه عليها أهلها، فقصده شرط في صحّة التصرّف في الوقف، وأمّا غيرها كالمباحات فلا يعتبر فيه قصد الحائز؛ لعدم
الدليل عليه.
قال بعد
تقرير كلام الشيخ الأنصاري: «التحقيق أن يقال: إنّ
المحاز قد يكون من الأمكنة المشتركة كالأوقاف العامّة، وقد يكون من
المباحات الأصليّة .
أمّا الأوّل فلا ريب في أنّ اختصاص الحائز به مشروط بقصد الانتفاع على حسب ما أوقفه
أهله ، وإلّا فلا يثبت له الاختصاص؛ لكونه على خلاف مقصود الواقف. ومن هنا لم يجز بيعه، ولا هبته، ولا إجارته، ولا
استملاكه . على أنّا لو قلنا بعدم
الاشتراط بذلك لجاز
إشغال المساجد ومعابد المسلمين بنحو من الحيازة، ولو
بإلقاء السجّادة، ووضع التربة، ثمّ بيعها من المصلّين، ومن
البديهي أنّ هذا على خلاف وجهة الوقف. نعم، لو اكتفينا في ثبوت الاختصاص بمجرّد قصد الحيازة ولم نشترط فيه قصد الانتفاع، وقلنا بأنّ حقّ الاختصاص ممّا تجوز المعاوضة عليه لارتفع الإشكال. وأمّا الثاني
كالاحتطاب و
الاصطياد فالظاهر أنّ الاختصاص به غير مشروط بشيء، بل يكفي فيه مجرّد الحيازة الخارجية؛ لعدم الدليل على التقييد. ومن هنا ذهب جمع من الأصحاب ومن العامّة إلى عدم الاشتراط، ويظهر ذلك لمن يلاحظ الموارد المناسبة لما نحن فيه».
الدالّ على ثبوت حقّ الاختصاص للشخص في الشيء كما يمكن أن يكون لفظاً خاصّاً، كذلك يمكن أن يكون فعلًا معيّناً. ومن الأفعال التي تدلّ على حقّ الاختصاص بالشيء وضع اليد عليه والتصرّف فيه. لكن وضع اليد كما يكون من الدوالّ على حقّ الاختصاص، فإنّه من الدوالّ على الملكيّة أيضاً. وقد جعل الفقهاء الأصل في تصرّف الشخص في العين كونها مملوكة له، إلّا أن يمنع من ذلك مانع كأن يُعلم كونها موقوفة أو مملوكة لغيره، أو ممّا لا يُملك، وأسّسوا في ذلك قاعدة تعرف
بقاعدة اليد .
قال : «كما أنّ مقتضى اليد
أصالة الملكيّة فيما يملك، كذلك مقتضاها أصالة الاختصاص بذي
اليد فيما ليس ملكاً كالوقف، فلو كان شيء في يد أحد مدّعياً وقفيّته عليه، فادّعاه غيره ولا بيّنة له يقدّم قول ذي اليد؛ لموثّقة
يونس بن يعقوب .
.. بل الظاهر
الإجماع أيضاً، ومن هذا القبيل أيضاً ما إذا ادّعى على غيره بكون ما في يده-
بادّعاء الإجارة من مالكه- أنّه الذي استأجره منه، فيقدّم قول ذي اليد».
وقريب من هذه العبارة عبارته في
المستند .
وقال : «كما أنّ اليد
أمارة على ملكيّة
الأعيان كذلك أمارة على ملكيّة المنافع، وعلى الحقوق كحقّ الاختصاص وحقّ الانتفاع، وحقّ
الاستيثاق وحقّ التحجير ونحو ذلك، كما إذا كان ماله في يده يدّعي كون منافعه له بالإجارة أو الوقفيّة أو نحو ذلك، أو ادّعى كونه متولّياً على ما في يده من العين الموقوفة، أو ادّعى كون ما في يده رهناً عنده، أو كان له رحى على نهر الغير أو كان جذوعه على حائط الغير ونحو ذلك؛ لظهور الإجماع، وعموم بعض ما مرّ من الأخبار كقوله عليه السلام (في موثّقة يونس): «من استولى على شيء منه فهو له» ونحوه، بل لا ينبغي الإشكال فيه».
وقال : «مالكيّة
صاحب اليد لما تحت يده ليس الميزان في ثبوتها
إخباره بل نفس اليد، بنكتة أنّ
الاستيلاء الخارجي كاشف عن الاستيلاء والاختصاص التشريعي بتمام مراتبه وهو الملكيّة؛ ولهذا تثبت الملكيّة ولو لم يخبر صاحب اليد بذلك، كما أنّ ثبوت المراتب
الدنيا من الاختصاص بعد العلم الخارجي بعدم الملكيّة يقوم على أساس اليد أيضاً لا الإخبار؛ فإنّ الاختصاص والاستيلاء
التكويني يكشف عن تمام مراتب الاختصاص
التشريعي ، وإذا ثبت من الخارج عدم مرتبة بقيت المراتب الاخرى على ثبوتها».
وقد جعل بعض الفقهاء دلالة اليد على الملكيّة أصرح حتّى من
الشياع المفيد للعلم ، وقدّمها عليه؛
لاحتمال إفادته الاختصاص المطلق.
قال : «لو كان لواحدٍ يد، ولآخر
سماع مستفيض فالوجه
ترجيح اليد؛ لأنّ
السماع قد يحتمل
إضافة الاختصاص المطلق المحتمل للملك وغيره، ولا تُزال اليد بالمحتمل».
ومثلها عبارة العلّامة.
لكنّ من جاء بعدهما من الفقهاء لم يقبل ذلك، بل وجّه كلامه بما إذا كان المفاد بالسماع تعلّق الشيء به، كما إذا كان محصّله أنّ هذه الدار لفلانٍ دون
الشهادة بالملكيّة أو الاختصاص، وأمّا إذا كان
المفاد به تعلّقه على وجه الملكيّة، فالسماع مقدّم.
وتفصيله في محلّه.
الاختصاص (أحكام حقه) ، ذكر الفقهاء جملة من الأحكام المتعلّقة بحقّ الاختصاص نوردها فيما يلي:۱-حرمة
المزاحمة و
التصرف من قبل الغير،۲-
انتقاله بالإرث ،۳- المعاوضة عليه،۴-نقل حق الاختصاص ومحله مجانا أو وقفه،۵-
رهن ما فيه حق الاختصاص،۶-صحة
المزارعة فيما ثبت فيه حق الاختصاص ،۷-
ضمان ما فيه حق الاختصاص،۸-تعلق
الخمس بما فيه حقّ الاختصاص.
يختلف السبب في
انتهاء حقّ الاختصاص تبعاً
لاختلاف الموارد التي يثبت فيها الحقّ المذكور وتنوّعها:
فحقّ المحجِّر ينتهي
بإهمال العمارة وترك الإحياء للأرض، فيجوز للسلطان حينئذٍ رفع يده عنها و
الإذن لغيره في إحيائها،
وكذا
المعدن الباطن الذي شُرع في حفره ولم يبلغه بعد، فإنّه تحجير أيضاً يرتفع حقّ الاختصاص فيه بإهمال إحيائه و
تعطيل العمل فيه.
وأمّا المتقبّل للأرض فينتهي حقّ اختصاصه بها بانتهاء مدّة عقد
القبالة أو بالتخلّف عن الشروط المعتبرة فيه.
وحقّ السابق إلى مكان من الأماكن العامّة والمنافع المشتركة كالسوق والمسجد والطريق ونحوها يرتفع
بمغادرته المكان، ولو بنيّة
العود إليه، إلّا أن يترك رحله فيه،
وبعض الفقهاء نفى زوال حقّه بمغادرة المكان لحاجة إذا عاد إليه،
ولو سافر أو قعد في موضع آخر أو ترك
الحرفة أو مَرِض فطال مرضه زال اختصاصه قطعاً.
و
الساكن في المدارس والربُط ونحوهما يرتفع حقّه في الاختصاص بالمكان الذي يسكنه بمغادرته أو
بمجاوزته المدّة المعيّنة أو تخلّفه عن الشروط المعتبرة إن كان ثمّة
اشتراط من الواقف لذلك.
وحافر
البئر أو محيي الأرض والمعدن للانتفاع بها لا للتملّك يزول حقّه في الانتفاع بمفارقتها و
إعلان انصرافه عنها،
وكذلك متقبّل الأرض يرتفع حقّ اختصاصه بها.
وينتهي حقّ الاختصاص الحاصل بسبب
الإقطاع بإهمال المقطع
إعمار ما اقطع وعدم إحيائه كالمحجّر.
وتقدّمت
مناقشة بعض الفقهاء في ذلك، وأنّه ليس لأحد
الاعتراض على المقطع بتعطيله وإن تمادى الزمان إذا كان الإقطاع على وجه يفيد تمليك المنفعة.
وصاحب
الروشن يسقط حقّ اختصاصه في
فضاء الأرض بسقوطه الروشن و
انهدامه ، فيحقّ لغيره
إقامة روشن مكانه، واحتمل بعض الملك؛ لصدق الإحياء عليه، فلا يسقط.
وذو
الحمى يزول حقّه بزوال
المصلحة الداعية إليه.
وما أهدر الشارع ماليّته، وألغى ملكيّته، وكذا ما لا
منفعة أو ماليّة فيه يرتفع حقّ الاختصاص به
بالإعراض عنه على قول بعض الفقهاء. هذا عدا ما يرتفع به حقّ الاختصاص من نواقل وأسباب تقدّم ذكرها.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۲۹۰-۳۳۱.