الأصل في علم الأصول
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الأصل هو
القاعدة و
الدليل ، وعلم الأصول علم بيحث عن هذه القواعد.
يتنوّع
إطلاق كلمة (الأصل) في علم الاصول، فتارةً يطلقونه على ما يسمّى بالاصول اللفظية، واخرى على ما يعرف بالاصول العملية، ولهم فيه إطلاقات اخرى قد لا تندرج ضمن الاثنين:
وهي القواعد
العقلائية العامة التي يرجع إليها عند
الشكّ في المراد بسبب بعض الطوارئ التي تولّد
احتمالًا على خلاف الظاهر، كأصالة عدم
التخصيص عند الشكّ في طروّ مخصّص على
العام .
وقد سمّيت اصولًا لكونها تعالج حالات الشكّ وتضع
الحلول المناسبة لها، وسمّيت لفظية لكونها تجري في باب الألفاظ، وسمّيت عقلائية لكونها ثابتة
ببناء العقلاء و
سيرتهم في
تلقيهم لمداليل الألفاظ وفهمهم للكلمات، وقد أقرّهم
الشارع على
طريقتهم هذه؛ إذ لم يعهد منه
إبداء طريقة جديدة لكشف
المرادات دون ما هو
المرسوم لدى العقلاء في
محاوراتهم .
والاصول اللفظية كثيرة نعدّد جملة منها، و
الضابط الكلّي في
جريان هذه الاصول هو أنّها تلغي كلّ الاحتمالات التي تنافي
الفهم العقلائي العام تجاه المعنى أو المراد من اللفظ في كلّ
الحقول ما دام لم تكن هناك قرينة عقلائية عليها؛ وأهمّها:
وهي تلغي احتمال
إرادة المعنى المجازي من اللفظ في حالة دوران الأمر بينه وبين المعنى الحقيقي.
أو أصالة عدم التخصيص : وهي تلغي احتمال إرادة
الخاص من العام عند الشكّ فيه.
فنبقى على
العموم إلى حين مجيء
القرينة .
أو أصالة عدم
التقييد : وهي تلغي إرادة التقييد عند الشكّ فيه. وتقوم على ما يعرف بمقدمات
الحكمة .
وهي
عبارة عن
مطابقة ظاهر كلام
المتكلّم لمراده الجدّي ومطابقة الإرادة
الاستعمالية للإرادة الجدية، فهي تلغي احتمال عدم المطابقة.
أو عدم
الإضمار : وهي تلغي احتمال
التقدير في الكلام، ما لم تكن قرينة تدلّ عليه.
أو
أصالة الثبات في
اللغة : وهي تنفي احتمال نقل اللفظ عن معناه
الموضوع له إلى معنى آخر يشكّ في نقله إليه، وهذا الأصل العقلائي يقوم على
أساس ما يخيّل
لأبناء العرف نتيجةً
للتجارب الشخصية من
استقرار اللغة وثباتها، فإنّ الثبات النسبي
والتطوّر البطيء يوحي للأفراد العاديّين بفكرة عدم تغيّرها وتطابق ظواهرها على مرّ الزمن، وهذا
الإيحاء وإن كان خادعاً، ولكنّه على أيّ حال إيحاء عام استقرّ بموجبه البناء العقلائي على
إلغاء احتمال
التغيير في الظهور
باعتباره حالة
استثنائية نادرة تنفى بالأصل.
وهو الأصل الذي يلغى بموجبه احتمال كون
الإخبار الذي يأتي به المخبِر عن حدس فيما إذا دار الأمر بين كونه عن حسّ أو عن
حدس .
وهو الأصل الذي يتمّ بموجبه نفي احتمال
الخطأ و
الغفلة في النقل. ويصحّح به نقل المخبرين.
وهي الأصل الذي يلغى بموجبه احتمال صدور
الرواية عن
المعصوم عليه السلام على نحو
التقية أو غيرها بما يمنع إرادته الجدّية لظاهر الكلام.
وهو الأصل الذي يلغى بموجبه احتمال
النقيصة في الكلام أو احتمال الزيادة على
الخلاف بينهم في ذلك.
وموردها ما إذا تعقب الجمل المتعدّدة ضمير واحد يحتمل رجوعه إلى جميع تلك الجمل، ويحتمل رجوعه إلى بعض الجمل، فأصالة عدم
الاستخدام ترجع الضمير إلى جميع الجمل، ولو أرجعناه إلى بعضها سمّي ذلك بالاستخدام.
إذا شككنا في وجود قرينة على خلاف ظاهر الكلام بحيث تمنع من إرادة
الظاهر فالأصل يقتضي عدم
وجودها .
وهي عبارة عمّا إذا كان
اللفظ ظاهراً في معنى خاص لا على وجه النصّ فيه الذي لا يحتمل معه الخلاف، بل كان يحتمل إرادة خلاف الظاهر، فإنّ الأصل أن يحمل الكلام على الظاهر فيه،
فبإجرائها يلغى احتمال خلاف الظاهر عقلائياً.
ولابدّ أن نشير هنا إلى أنّ سائر الاصول اللفظية ترجع إلى هذا الأصل؛ إذ مؤدّى تلك الاصول
إثبات الظهور، فمع احتمال
المجاز يكون اللفظ ظاهراً في الحقيقة، ومع احتمال التخصيص يكون ظاهراً في العموم، وعلى هذا الأساس فلو عبّرنا
بدلًا عن كلّ من هذه الاصول بأصالة الظهور كان
التعبير صحيحاً مؤدّياً للغرض، بل كلّها يرجع اعتبارها إلى اعتبار
أصالة الظهور .
كما لابدّ أن يعلم أنّ هذه الاصول وغيرها وقعت موقع الكلام عند الاصوليين في أصل قبولها ودائرتها
ومساحتها ومجال
توظيفها وغير ذلك مما يطلب في علم الاصول.
الأصل العملي في اصطلاح علماء الاصول عبارة عن الحكم المجعول للشاكّ، دون أن يكون فيه نظر وجهة كشفٍ عن
الواقع .
والاصول العملية عبارة عن القواعد
المقرّرة عقلًا أو شرعاً لتحديد الوظيفة العملية للمكلّف عند الشك في الحكم الواقعي وعدم وجدان الدليل
المحرز الأعم من القطعي والظني المعتبر، فلا يكون المطلوب من
الأصل العملي الكشف عن الحكم الشرعي الواقعي، بل إنّ دوره يتمحّض في تحديد
الوظيفة العملية عند فقدان الدليل المحرز أو ما ينتج نتيجة الفقدان
كإجمال الدليل أو
ابتلائه بالمعارض.
وهذا ما يعني أنّ مرجعية الأصل العملي إنّما تكون بعد
استفراغ الوسع في
البحث عن الأدلّة المحرزة، فإن عثر على ما يصلح للكشف عن الحكم الشرعي الواقعي فهو
المعتمد، وإلّا فالمرجع هو الأصل العملي.
وهذه المنهجية هي التي يتميّز بها الفقه
الإمامي عن فقه
الجمهور الذي ينتهج إثبات الحكم الشرعي فقط من دون أن يهتم بتحديد الوظيفة العملية؛ إذ مع عدم توفّر الأدلّة القطعية يحاول فقه الجمهور جبران ذلك بالعمل
بالأمارات والظنون القائمة على أساس الاعتبارات و
المناسبات و
الاستحسانات ،
فهم يتوسّلون بكلّ
وسيلة لإثبات الحكم الشرعي، بخلاف الفقه الإمامي الذي يتمسّك بالاصول العملية كلّما تعسّر
الحصول على دليل شرعي معتبر. من هنا توسّع اصول الفقه الإمامي في بحث الاصول العملية، بينما نجد فقه الجمهور لا يتحرك إلّافي حدود الاستحسان والامور الظنية غير المعتبرة.
قراءة تاريخية لتطور فكرة الاصول العملية:
إلّاأنّ فكرة الاصول العملية لم تكن بهذه
الدرجة من الوضوح في كلمات
أصحابنا منذ فجر تاريخ
الفقه الإمامي وتدوينه، بل مرّت بمراحل ثلاث حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، وهي كما يلي:
وهي
المرحلة التي ادرجت فيها الاصول العملية في الدليل العقلي الذي هو دليل قطعي، والذي اعتبرت الاصول العملية بسببه دليلًا قطعياً على الحكم الشرعي، فكان ذلك
مستنداً لتوجيه
التزامهم بالاصول العملية في قبال الجمهور الذين التزموا بالأمارات الظنية
الناقصة في عملية
الاستنباط .
بعد أن التفت العلماء إلى أنّ الأدلّة المعتمدة في الفقه ليست كلّها قطعية، باعتبار أنّ بعضها ظنّي رغم كونها معتبرة شرعاً- كالظهورات وأخبار الآحاد مثلًا- شاعت بينهم فكرة قبول العمل بالظنّ وبالتالي ادرجت الاصول العملية في الأدلّة
الظنّية .
وتأتي هذه المرحلة بعد أن اختمرت
الفكرة الصحيحة للأصل العملي وجاءت
لتؤكّد على أنّ الأصل لا يطلب منه
الكشف عن الحكم الواقعي حتى يبحث بعد ذلك عن كونه دليلًا قطعياً أو ظنّياً، وإنّما يطلب منه تحديد الموقف العملي
للمكلّف تجاه
الحكم الواقعي عند عدم
إمكان إثباته. وإلى هذا
المعنى أشار المحقّق
جمال الدين الخوانساري في بعض كلماته، وكذا
الوحيد البهبهاني، وكان
اختمار هذه الفكرة هو الذي أدّى إلى اعتبار
عصر الوحيد البهبهاني مرحلة جديدة وعصراً ثالثاً من عصور علم الاصول وتاريخه، وقد كان هذا
فتحاً كبيراً في منهجة علم الاصول، وإن كان ذلك لم ينعكس في
التصنيفات المدوّنة إلّاعلى يد
الشيخ الأنصاري حيث صنّف كتابه
فرائد الاصول حسب هذه
المنهجة .
وعلى أية حال، وقبل
التعرّض لبيان الاصول العملية لابدّ أن نشير إلى أنّ الاصوليين ذكروا أنّ الاصول العملية بإمكانها- بحسب
القسمة العقلية
الثنائية الحاصرة- أن تغطي كل
فروض الشك وعدم
العلم بالواقع، ووفقاً لذلك تحدّث الاصوليون عن أربعة اصول، وسمّوها بالاصول العملية دون غيرها، وذلك لأجل
انطباق تعريف علم الاصول على هذه دون سائر الاصول؛ لأنّها فاقدة للمائز الأساس لعلم الاصول، وهو كونه عنصراً
مشتركاً لجميع أبواب الفقه، ومن ثمّ انحصرت الاصول العملية عندهم بما يلي:
وهي تحدّد وظيفة المكلّف تجاه الحكم الواقعي المشكوك فيه، بلا فرق بين كون
الشبهة حكمية أو موضوعية، وجوبية كانت أو تحريمية.
والوظيفة المقرّرة التي تعيّنها هي
السعة وعدم
الالزام بالنسبة إلى الحكم الواقعي.
وهي تنقسم عندهم إلى
براءة عقلية أو قاعدة
قبح العقاب بلا بيان التي نفاها مثل
السيد الشهيد الصدر واستبدلها بقاعدة
حقّ الطاعة . وبراءة شرعية تقوم على
الكتاب و
السنّة . ومجرى أصل البراءة هو الشبهات
البدوية التي لا تكون
مقترنةً بأيّ علم في
القضية . و
التفصيل في علم الاصول.
وهو يعالج الموارد التي يكون أصل
التكليف فيها معلوماً دون
متعلّقه، فيكون
المشكوك فيه هو
الواجب أو الحرام، ويعبّر عنه ب (المكلّف به)، ومن جملة هذه الموارد هي الشبهات المقرونة
بالعلم الإجمالي، وعندئذ جُعل
الاحتياط ليحدد به وظيفة المكلّف، ويضع أمامه مخرجاً، وهو الاحتياط بفعل جميع المحتملات أو تركها لو تيسّر. وينقسم الاحتياط إلى قسمين:
الاحتياط العقلي أو أصالة
الاشتغال :
وهو حكم العقل بلزوم
مراعاة ما احتمل في
تركه أو فعله ضررٌ اخروي، ويدخل ضمن هذا
التحديد الشبهة البدوية قبل
الفحص ، والعلم الإجمالي بتكاليف إلزامية إذا كان الاحتياط
ممكناً ولو
بالإتيان بجميع المحتملات أو تركها. والعلم التفصيلي بتكليف ما، والشك في
الخروج عن عهدته
بالامتثال لبعض الجهات.
وقد وسّع السيد الشهيد الصدر دائرة الاحتياط العقلي حيث استوعب عنده تمام موارد الشك في التكليف، لكنه قال بأنّ هذا الاحتياط-
المسمّى عنده بحقّ الطاعة- محكوم للبراءة الشرعية أو مورود لها.
والاحتياط الشرعي: ويراد به حكم الشارع
بلزوم الإتيان بجميع محتملات التكاليف أو
اجتنابها عند الشك بها، والعجز عن
تحصيل واقعها مع إمكان الإتيان بها جميعاً أو اجتنابها. ويجب مراعاته عند خصوص
الإخباريين من علمائنا في الشبهات البدوية
التحريمية فقط.
وهو عبارة عن الوظيفة العقلية التي بها يتخيّر المكلّف بين فعل شيء وتركه أو تخيّره بين فعلين، وذلك عند عدم إمكان الاحتياط فيهما باتيانهما معاً أو تركهما كذلك، وتسمّى هذه الحال
بدوران الأمر بين المحذورين .
وهو حكم الشارع بالبناء على
اليقين السابق حالة الشكّ فيه لاحقاً، فهو يقتضي
الالتزام عملياً بما هو المتيقن سابقاً، ومن هنا عرّف بأنّه
إبقاء ما كان،
أو بأنّه
مرجعية الحالة السابقة بقاءً،
أو غير ذلك، فيكون مجرى
الاستصحاب كلّ حكم شرعي أو موضوع ذي حكم شرعي متيقناً به سابقاً، مشكوكاً فيه لاحقاً، فيعمل فيه وفق الحالة السابقة، كمن كان متيقناً بالطهارة ثمّ شكّ فيها، أو كان عالماً بالوجوب أو
الحرمة ثمّ شكّ فيه. وللاستصحاب أقسام وتفاصيل يحال بحثها إلى محالّها.
وقد يعبّر عن الاستصحاب في
المواطن الخاصة من أبواب الفقه والاصول بتعبير آخر، كما يعبّر عنه في
المعاملات ب (أصالة
الفساد في المعاملات)،
وأصالة البقاء، وأصالة عدم الأكثر، وأصالة عدم
النسخ وهي ترجع في حقيقتها إلى الاستصحاب، فلابدّ من عدم
الوقوع في
الاشتباه في ذلك بتعدد العناوين وتكثّرها في موارد الاستصحاب وغيره من الاصول العملية.
وهي من الاصول العملية
المؤمّنة التي تنفي
المسؤولية تجاه الفعل المشكوك الحرمة، ويمكن تصوير جريانها في موارد الشكّ بنحو الشبهة الحكمية، كما إذا وقع الشكّ في جعل الحرمة أو عدم جعلها نتيجة فقدان الدليل
الاجتهادي أو
تعارضه أو نتيجة إجماله، فيكون المرجع هو
أصالة الحلّ، بمعنى أنّ الحكم الظاهري الثابت للفعل المشكوك حكمه من حيث الحلّية والحرمة هو الحلّية. مثاله: ما لو وقع الشكّ في حلّية أكل لحم
الأرنب . وكذا يمكن تصوير جريانها في
الشبهة الموضوعية كما لو شكّ في مائع خاص أنّه خمر أو خلّ، فإنّ مثل هذه الشبهة تؤول إلى الشبهة في حلّية هذا
المائع وحرمته، والأصل
الجاري حينئذٍ هو أصالة الحلّ.
لكن ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ أصل الحل خاصّ بالشبهات الموضوعية؛ لأنّ الرواية الدالّة عليه، وهي صحيحة
عبد اللَّه بن سنان، عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه
بعينه فتدعه»،
ظاهرة في الشبهة الموضوعية بقرينة «فيه» و «منه» و «بعينه».
وعلى هذا تختصّ أصالة الحلّ بالشبهات الموضوعية، وتمتاز بذلك عن أصالة البراءة، وإلّا كانت والبراءة سواء. ولمزيد من تفصيل
المقال راجع بحث
أصالة البراءة في علم الاصول.
اضطربت الكلمات في تحديد المراد من أصالة
الإباحة والتي تقابل أصالة
الحظر ، ويمكن تصنيف
الأقوال المحدّدة لهوية هذا الأصل إلى ثلاثة:
الأوّل: حكم العقل بإباحة كلّ فعل وقع الشكّ في حكمه الواقعي. هذا بناءً على
أصالة الإباحة، وأمّا بناءً على
أصالة الحظر فالمقصود هو حكم العقل بلزوم
الامتناع عن كلّ فعل وقع الشكّ في حكمه الواقعي. وبهذا التفسير تكون أصالتا الإباحة والحظر
مساوقتين لأصالتي البراءة و
الاشتغال العقليّتين.
الثاني: حكم العقل بإباحة الأفعال والأشياء أو المنع عنها- بناءً على أصالة الحظر- بغضّ النظر عن حكم الشارع، فالقول بالإباحة معناه حكم العقل
بحلّية الأفعال وعدم
استحقاق العقاب عند
ارتكابها ما لم يمنع الشارع عن ارتكابها. وبناءً على هذا التفسير تكون أصالة البراءة أو الاشتغال مغايرتين لأصالة الإباحة والحظر؛ إذ البراءة والاشتغال- على هذا
التفسير - متأخرتان عن الحكم الشرعي؛ إذ موضوعهما الشكّ في الحكم الشرعي بينما أصالة الإباحة والحظر تجريان في خصوص
ظرف عدم الحكم الشرعي؛ إذ أصالة الإباحة تعني حكم العقل بإباحة الأفعال إلّاإذا منع الشارع، أي إلّاإذا كان هناك منع واقعي عن
الفعل معلوم أو مشكوك.
الثالث: أنّ موضوع أصالة الإباحة وكذلك الحظر هو الأفعال و
الأشياء بما هي، أي حكم الأشياء واقعاً
بعناوينها الأولية هي الإباحة أو الحظر، فتكون أصالة الإباحة- لو تمّت- من الأدلّة الاجتهادية الكاشفة عن حكم الأشياء واقعاً وتكون وظيفتها هي الكشف عن الحكم الشرعي الواقعي للأشياء بعناوينها الأوّلية.
وعلى المعنى الثالث- ومدركها بعض العمومات
المبيحة في باب
الأطعمة والأشربة- يستند إليها
بوصفها عموماً فوقانياً ما لم يثبت
المنع والحظر بدليل خاص. وقد خصّصها بعضهم بمجال الأطعمة والأشربة لا بمطلق أفعال المكلّفين.
هناك عدّة تقسيمات للأصل العملي باعتبار
خصائصه و
مميّزاته نذكرها فيما يلي:
الأصل الشرعي: وهو القاعدة
المنصوصة شرعاً والمتكفّلة
لتحديد الأحكام الظاهرية في فرض الشكّ في الحكم الواقعي، كالاستصحاب والبراءة الشرعية.
الأصل العقلي: وهو القاعدة التي يحكم بها العقل و
المتكفّلة تعيين الوظيفة الفعلية كأصالة
التخيير والاحتياط العقلي، وذلك عند
العجز عن تحصيل الأحكام الواقعية أو الظاهرية
بالطرق والقواعد الاخرى.
الأصل
المحرز : عبارة عن أن يكون
لسان دليل الأصل معبّراً عن جعل الشارع مورد الأصل علماً
تنزيلًا، بحيث ينزّل الشك منزلة اليقين، كما يلاحظ ذلك في
صياغة دليل الاستصحاب
وقاعدة التجاوز .
الأصل غير المحرز: وهو ما لا يصاغ دليله صياغة
الإحراز والكشف عن الواقع أو تنزيله
منزلته، بل هو
متمحّض في تحديد
الموقف العملي البحت، ليس فيه جهة الكشف و
الطريقية .
كما في أصل البراءة المحضة.
الأصل التنزيلي: هو ما كان لسان دليله
معبّراً عن
تنزيل الأصل (الحكم الظاهري) منزلة الحكم الواقعي، فالشارع في موارد الاصول العملية التنزيلية لاحظ الحكم الواقعي ونزّل الحكم الظاهري منزلته. ويمكن
التمثيل لهذا
النحو من الاصول بأصالة
الطهارة وأصالة الحلّ، حيث إنّ لسان جعلهما- «كلّ شيء
طاهر »، و «كلّ شيء حلال» - يعبّر عن تنزيل مشكوك الطهارة والحلّية منزلة الطهارة الواقعية.
وفي بعض
الكلمات ما يفسّر الأصل التنزيلي بما تقدّم في معنى الأصل المحرز، فلا يمتاز التنزيلي- بناءً عليه- عن المحرز في شيء.
وبخلاف الأصل التنزيلي الأصل غير التنزيلي الذي يحدّد الوظيفة دون تنزيل، مثل أصل البراءة
وأصل الاحتياط .
يطلق الأصل
المثبت أحياناً ويراد به الأصل الذي ينتج إثبات التكليف مثل الاحتياط، مقابل الأصل
النافي مثل أصالة البراءة، لكن
الإطلاق الأشهر له جاء في بحث الاستصحاب. ويراد به إثبات اللوازم
التكوينية للمستصحب أو إثبات
الآثار الشرعية
بتوسيط اللوازم التكوينية له، كاستصحاب
الحياة - مثلًا- لإثبات
نبات اللحية أو إثبات
الوفاء بالنذر المشروط بنبات اللحية. وقد قالوا بعدم
جريان هذا الأصل؛ إذ لم يتوفّر في أدلّة الاستصحاب عرفاً
ظهور في
التعبّد بإثبات الآثار التكوينيّة، أو
الآثار الشرعية
بالواسطة العقلية.
فهم وإن عبّروا عنه بالأصل المثبت إلّاأنّه في واقعه لا يثبت، على تفصيلات عندهم في خفاء الواسطة
عرفاً وغير ذلك. وتفصيله موكول إلى علم الاصول.
الأصل
المؤمّن : هو الأصل الذي يقتضي نفي التكاليف المحتملة، كحرمة
التدخين المنفية بأصالة البراءة، وسمّي بذلك لأنّه يؤمّن من العقاب.
والأصل
المنجّز : وهو الأصل الذي ينجّز التكاليف المحتملة ويجعلها في ذمّة المكلّف كالاحتياط واستصحاب
الوجوب أو
الحرمة .
الأصل الوجودي : وهو الأصل الذي يثبت أمراً وجودياً كإثبات
عدالة زيد عند الشكّ في بقائها.
بخلاف الأصل العدمي فإنّه ينفي وجود
الأمر المشكوك الحدوث كاستصحاب عدم عدالة زيد- مثلًا- عند الشكّ في
تلبّسه بها.
و
تطبيقات الأصل العدمي عندهم كثيرة جداً.
المراد
بالأصل السببي الأصل الذي بجريانه ينتفي موضوع
الأصل المسبّبي كما في استصحاب طهارة الماء الذي يمنع من جريان استصحاب نجاسة الثوب الذي غسل بهذا
الماء ، فإنّ الثوب وإن كان
مسبوقاً بالنجاسة إلّاأنّه بعد غسله بالماء المحكوم بالطهارة المستصحبة لا يبقى بعد ذلك مجال لاستصحاب
النجاسة .
وعليه فاستصحاب طهارة الماء أصل سببي، فيما استصحاب نجاسة الثوب أصل مسبّبي.
والمراد
بالأصل الحكمي : خصوص الاصول الجارية في الأحكام الشرعية، مثل: استصحاب الوجوب أو الحرمة.
والمراد
بالاصول الموضوعية : خصوص الاصول التي تجري في الموضوعات الخارجية، أي في موضوع القضية، كاستصحاب حياة زيد أو
موته ونحوه.
نعم، عبّر الشيخ الأنصاري عن الأصل السببي بالأصل الموضوعي أيضاً.
وللأصل الموضوعي إطلاق ثالث وهو الأمر
المتفق عليه بين طرفين
متنازعين مسلّم عندهما ينطلقان منه في خلافهما
وجدالهما، ويعبّر عنه بالاصول الموضوعة، وهو
اصطلاح منطقي بحسب أصله جرى
استخدامه في كلماتهم أحياناً. إلى غير ذلك من
تنويعات الاصول عندهم.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۳۲۳-۳۳۵.