الإتلاف المشروع (تكليفا ووضعا)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإتلاف (توضيح).
أورد
الفقهاء لهذا
القسم عدداً كبيراً من
الأمثلة ذكروها في مواضع
مختلفة من
الفقه منها:
التلف الواقع على
المعتدي إذا توقّف دفعه على ذلك (ويسمّى
بالدفاع المشروع ) سواء وقع التلف عليه في
النفس أو
البدن أو المال، وسواء كان الدافع المعتدى عليه أم غيره.
قال: «لا خلاف ولا إشكال في أنّه للإنسان أن يدفع
المحارب أو
اللصّ أو غيرهما عن نفسه و
حريمه وماله ما استطاع؛
للأصل و
الإجماع بقسميه، وما تقدّم من
النصوص في المحارب، بل وعن غيره؛ للأصل و
عموم الإعانة على
البرّ وغير ذلك... وعلى كلّ حال فيذهب دم
المدفوع هدراً جرحاً كان أو
قتلًا فضلًا عن ماله إذا لم يندفع إلّا بذلك، بلا خلافٍ أجده فيه نصّاً وفتوى، بل الإجماع بقسميه عليه».
واستدلّ له
المحقّق الأردبيلي بالروايات وحكم
العقل وما دلّ على وجوب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حيث قال: «دليل
جواز دفع
الإنسان عن نفسه وماله وحريمه وعرضه بقدر
المكنة ظاهر من عموم
النقل وخصوصه، مثل رواية
غياث ابن إبراهيم عن
جعفر عن
أبيه عليهما السلام قال: «إذا دخل عليك اللصّ يريد
أهلك ومالك فإن استطعت أن تبدره وتضربه فابدره واضربه» وقال: «اللصّ محارب
للَّه ورسوله فاقتله، فما تبعك منه شيء فهو عليّ».
وأنّه دفع
ضرر ممكن وهو جائز، بل
واجب عقلًا ونقلًا عن
النفس ، بل يجوز ذلك عن نفس غيره قريباً أو بعيداً، بل عن ماله وبُضعه كذلك، بل قد يجب من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل قد يجوز
الترك عن ماله لجواز
التسامح في ماله؛ بأن يراه محتاجاً وغيره ويخلّي له ذلك باختياره، بخلاف مال
الناس المحفوظ مالهم من
المسلمين و
المعاهدين و
المأمونين ».
ومن هذا
الباب ما يتلف من الحيوان
الصائل كالبعير
المغتلم و
الكلب العقور مع توقّف الدفع على ذلك أيضاً.
قال: «إذا صال حرٌّ على
إنسان فقتله دفعاً عن نفسه فلا
ضمان عليه، وكذلك إن صال عليه عبد فقتله فلا ضمان عليه أيضاً كالحرّ. وأمّا إن صالت
بهيمة على
آدميّ فله أن يدفعها عن نفسه، فاذا دفعها عن نفسه وأتلفها بالدفع فلا ضمان عليه عندنا».
بل لا ضمان عليه أيضاً إن
زجرها فتسبّبت في إتلاف نفس أو مال غيره، قال
السيد الخوئي في
تكملة المنهاج : «يجوز للإنسان أن يدفع عن نفسه أو ما يتعلّق به من مال و-عن- غيره
الدابة الصائلة ، فلو تلفت بدفعه مع توقّف
الحفظ عليه فلا ضمان عليه».
وعلّق عليه في
مباني تكملة المنهاج فقال: «بلا
خلاف عندنا، وتدلّ عليه- مضافاً إلى
الأولوية القطعية
بالإضافة إلى تلف الإنسان
المهاجم المقتول دفاعاً- في خصوص
الدفاع عن النفس
صحيحة المعلّى عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل غَشِيه رجل على دابّة فأراد أن يطأه فزجر الدابّة فنفرت بصاحبها فطرحته وكان
جراحة أو غيرها؟ فقال: «ليس عليه ضمان، إنّما زجر عن نفسه وهي
الجُبار ».
فإنّها بمقتضى
التعليل في ذيلها تدلّ على عدم الضمان فيما إذا تعيّبت الدابة وتلفت أيضاً.
نعم، إذا تمكّن من
الفرار ولم يتوقّف
الحفظ على الدفع لم يجُز
تعييبها أو إتلافها، فلو فعل ذلك والحال هذه ضمن».
وللتفصيل أكثر يراجع مصطلح (دفاع).
الاتلاف الحاصل في
الجهاد الواجب للنفس أو المال
المحترم إذا تترّس به العدوّ كما لو تترس بالأطفال أو
النساء أو
أسارى المسلمين فإنّه يجوز مهاجمته حال
التحام و
قيام الحرب ولو أدّى إلى القتل، ولا ضمان على المهاجم في
دية ولا
قصاص . لكن يقصد عند
الرمي المشركين دون
الأطفال والنساء والأسارى.
هذا؛ وجوّز بعض الفقهاء رميهم إذا تترسوا بنسائهم أو أطفالهم حتى لو لم تكن
الحرب قائمة لكن على
كراهة مع عدم
الحاجة ، فأمّا إذا تترسوا بمسلم فإن لم تكن الحرب قائمة لم يجز الرمي، وكذا لو أمكنت
القدرة عليهم بدون الرمي.
قال: «وإذا تترّس
المشركون بأطفالهم فإن كان ذلك حال التحام
القتال جاز رميهم، ولا يقصد الطفل، بل يقصد من خلفه، فإن أصابه وقتله لم يكن عليه شيء؛ لأنّا لو لم نفعل ذلك لأدّى إلى
بطلان الجهاد...»».
قال: «ولو تترّسوا بالنساء و
الصبيان منهم ونحوهم ممّن لا يجوز قتله منهم كالمجانين كفّ عنهم مع
إمكان التوصُّل إليهم بغير ذلك للمقدِّمة، وإلّا... -ف- في حال التحام الحرب جاز وإن استلزم قتل
الترس ، خصوصاً إذا خيف من الكفّ عنهم
الغلبة ، ترجيحاً لما دلّ على
الأمر بقتلهم على ما دلّ على
حرمة قتل الترس بخبر
حفص بن غياث .. و
الشهرة ، أو عدم
الخلاف وغير ذلك.
وكذا لو تترّسوا بالاسارى من المسلمين وإن قتل
الأسير إذا لم يمكن جهادهم إلّا كذلك، بل مقتضى
إطلاق الخبر
المزبور جوازه وإن لم يتوقّف عليه. بل في
التحرير : لو تترّس الكفّار بنسائهم وصبيانهم فإن كانت الحرب ملتحمة جاز قتالهم ولا يقصد قتل
الصبي ولا
المرأة ، وإن لم تكن ملتحمة بل كان الكفّار متحصّنين بحصن أو من وراء
خندق كافّين عن القتال، قال
الشيخ : يجوز رميهم، والأولى تجنّبهم. ولكن ظاهره
أولوية التجنّب مع عدم التحام الحرب وإن توقّف
الفتح عليه، كما أنّ ظاهره
الاكتفاء في جواز قتالهم بالتحام الحرب وإن تمكّن من غيره.
ومنه ينقدح ذلك أيضاً في عبارة المصنّف -أي
المحقق الحلّي -، بل و
الفاضل -أي العلّامة الحلّي- في
القواعد قال: لو تترّسوا بالنساء والصبيان جاز رمي الترس في حال القتال.
اللهم إلّا أن يكون
المراد ولو بقرينة قوله أخيراً: (إذا لم يمكن
جهادهم إلّا كذلك) عدم
التمكّن في تلك الحال- وهو حال قيام الحرب- من غيره كما هو الغالب. ولذا قال في
النافع : لو تترسوا بالصبيان والمجانين ولم يمكن
الفتح إلّا بقتلهم جاز.
ونحوه ما في
التبصرة و
الإرشاد ، بل و
التذكرة ، قال: لو تترّس الكفّار بنسائهم وصبيانهم فإن دعت
الضرورة إلى الرمي؛ بأن كانت الحرب ملتحمة وخيف لو تُركوا لغلبوا جاز قتالهم، ويجوز قتل الترس، وإلّا كُفّ عنهم لأجل الترس؛ لقول
الصادق عليه السلام : «ولا تمسك عنهم لهؤلاء»، ولأنّ ترك الترس يؤدّي إلى
تعطيل الجهاد؛ لئلّا يتّخذوا ذلك
ذريعة إليه. وفي الدروس: ويكفّ عن
النساء إلّا مع الضرورة، وكذا عن الصبيان والمجانين، ولو لم يمكن الفتح إلّا بقتلهم جاز. وكذا في
المسالك . نعم، أطلق في
اللمعة و
الروضة فقال: يجوز قتل الترس ممن لا يقتل.
وخلاصة
الكلام : أنّ قتل
الكافر الحربي واجب، فمتى أمكن
الوصول إليه من دون مقدّمة محرّمة فعل، وإلّا
تعارض خطاب
الوجوب و
الحرمة ، فمع عدم
الترجيح يتّجه
التخيير . ولعلّه
المراد من الجواز في
عبارة الأصحاب ، بل ظاهر
الخبر المزبور ترجيح الأوّل على وجه يبقى
الوجوب ؛ لقوله عليه السلام: «ولا تمسك عنهم لهؤلاء» بل ربّما يؤيّد معلومية
ترجيح الإسلام على مثل ذلك. ولذا رمى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطائف
بالمنجنيق وفيهم النساء و
الصبيان .
وأمّا
احتمال ترجيح خطاب الحرمة في
الفرض فلم أجده لأحد إلّا ما سمعته من
الفاضل في
التحرير من
أولويّة التجنّب التي سمعتها، ونحوه في
التذكرة ، قال: وإن لم تكن الضرورة داعية إلى قتلهم بأن كانوا يدفعون بهم عن أنفسهم، ولم تكن الحرب ملتئمة، وكان المشركون في
حصن متحصنين، أو كانوا من وراء
خندق كافّين عن
القتال فالأقرب كراهة قتلهم؛ للنهي عن قتل النساء والصبيان، ونحن في غُنية عن قتلهم، والقول الثاني
للشافعي المنع، وليس بجيّد ... و
التحقيق ما عرفت.
ولا فرق في ذلك بين قسمي الجهاد ولا بين الترس
المسلم وغيره ممن هو
محترم الدم . فما في
الإيضاح - من رمي الترس مطلقاً إذا كان الجهاد دفعاً للكفّار القاصدين، وأمّا إذا كان للدعوة ولم يحتمل الحال تركهم رمي الترس غير المسلم، وأمّا الترس المسلم فلا يجوز رميه؛ لقوله تعالى: «وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ...»
الآية، وتبعه
الكركي - لا يخلو من نظر، خصوصاً بعد
اشتمال الخبر
المزبور على النساء والصبيان والاسارى والتُجّار من المسلمين وظهوره في القسم الثاني، والآية ليست فيما نحن فيه.
هذا وقد صرّح بعضهم باعتبار عدم
القصد إلى قتل الترس، ولعلّ المراد عدم قصد قتله
لعداوة ونحوها مما لا مدخل له في
الجهاد . وأمّا قصد قتله مقدّمة للفتح وغلبة الكفّار و
الاستيلاء عليهم فهو معنى جوازه... وعلى كلّ حال فلا يلزم
القاتل قود في الحال المزبور
إجماعاً بقسميه... بل ولا دية عندنا كما صرّح به الشيخ والفاضل والشهيدان وغيرهم، بل عن ظاهر
المنتهى الإجماع عليه.. ولكن تلزمه
الكفارة كما صرّح به الفاضل والشهيدان وغيرهم، بل نفى الاشكال فيه ثانيهما كما عن غيره نفي الخلاف، ولعله كذلك».
وقد نقلنا كلامه بطوله لما ينطوي عليه من فوائد ترتبط بالفرع، وإن كان البحث عنه مفصّلًا يأتي في محلّه.
فإنّه لا يأثم بالقتل ولا يضمن، غير أنّ عليه أن يثبت وقوع
الزنا أمامه، وإلّا اقتصّ منه. وقيّده بعض الفقهاء
بإحصانهما . ولا بد في جواز القتل لهما من
العلم بصدور ذلك منهما
مطاوعة لا عن
إكراه .
قال: «إذا وجد مع زوجته رجلًا يزني بها فله قتلهما ولا
إثم عليه».
قال: «إذا وجد مع زوجته رجلًا يزني بها، وعلم بمطاوعتها له، فله قتلهما وإن لم يكن له
استيفاء الحدّ، ولا إثم عليه كما عن الشيخ و
جماعة القطع به.
لكن قيّده- كما عن
ابن إدريس - بإحصانهما، ومقتضى
إطلاق المصنف -المحقق الحلّي- وغيره- بل عنه في
النكت القطع به- الإطلاق أي سواء كان الفعل يوجب
الرجم أو
الجلد .. وسواء كان الزوجان حرّين أم عبدين أم
بالتفريق ، وسواء كان الزوج قد دخل أم لا، وسواء كان دائماً أم
متعة ؛ لإطلاق
الرخصة المستفادة من
إهدار دم من اطّلع على قوم ينظر إلى عوراتهم، وما ورد من إهدار دم من راود
امرأة على نفسها حراماً فقتلته».
فإنّ
القاتل لا يأثم، بل يؤجر، كما لا يقتل به إذا تمكن من إثبات ذلك ولا ضمان عليه، لكن يشترط في الحكم بجواز القتل أن لا يخاف
السامع من لحوق ضرر به أو بغيره في
النفس أو
المال أو
العرض .
قال: «من سبّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاز لسامعه قتله ما لم يخَف الضرر على نفسه أو ماله أو غيره من
أهل الإيمان، وكذا من سبّ أحد
الأئمة عليهم السلام».
قال: «من سبّ اللَّه تعالى كفر، وكذا من استهزأ باللَّه تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه سواء فعل ذلك على
سبيل الجدّ أو
الهزل .
وكذا من سبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأئمة عليهم السلام جاز لسامعه قتله ما لم يخَف الضرر على نفسه أو ماله أو بعض المؤمنين».
قال: «من سبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم- والعياذ باللَّه- وجب على سامعه قتله ما لم يخَف على نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن أو عرضه، ومعه لا يجوز. ولو خاف على ماله المعتدّ به أو مال
أخيه كذلك جاز ترك قتله. ولا يتوقف ذلك على
إذن من
الإمام عليه السلام أو نائبه. وكذا الحال لو سبّ بعض الأئمة عليهم السلام.
وفي
إلحاق الصديقة الطاهرة عليها السلام بهم وجه، بل لو رجع إلى سبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقتل بلا إشكال».
كهياكل
العبادة مثل
الصنم و
الصليب و
آلات اللهو مثل
الشطرنج و
النرد ، وإتلاف
كتب الضلال ونحو ذلك.
قال القاضي ابن البرّاج: «ومن كسر شيئاً من
الملاهي كالبربط و
الطنابير و
آلات الزمر أو ما جرى مجرى ذلك لم يكن عليه شيء».
وقال
العلّامة الحلّي : «يجوز كسر آلات اللهو و
القمار كالبربط والطنبور والنرد والشطرنج والأربعة عشر وأشباه ذلك، وكذا هياكل العبادة كالصنم والصليب، ولا شيء على من كسرها؛ لأنّها محرّمة
الاستعمال ، ولا حرمة لتلك
الصنعة و
الهيئة ».
وقال
المحقّق النراقي : «يجب على كلّ متمكّن كسر آلات اللهو أو اتلافها نهياً عن المنكر الذي هو
إمساكه و
اقتناؤه ، ولا يضمن به صاحبه. نعم، يجب عليه في صورة الكسر ردُّ المكسور إلى المالك إن تصوّر فيه نفع».
مثل قلع مالك
الأرض المغصوبة ما أحدثه
الغاصب في أرضه من غرس وزرع وبناء وإن تضرّر به الغاصب.
قال
المحقق الحلّي : «لو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها فالزرع ونماؤه للزارع وعليه
اجرة الأرض و
إزالة غرسه وزرعه وطمّ
الحفر وأرش
الأرض إن نقصت».
وقال
الإمام الخميني : «لو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها فالزرع أو الغرس ونماؤها للغاصب وعليه اجرة الأرض ما دامت مزروعة أو مغروسة. ويلزم عليه إزالة غرسه وزرعه وإن تضرر بذلك».
ومثله قطع
أغصان الأشجار أو عروقها الخارجة إلى ملك الجار.
قال
الشهيد الأوّل : «لو سرت عروق
الشجرة أو فروعها إلى ملك الغير فله عطفها إن أمكن، وإلّا فله قطعها من حدّ ملكه. ولا فرق بين أن يكون الفروع في ملكه أو هوائه، ولا يحتاج إلى إذن المالك».
وقال
المحقق النجفي : «إذا خرجت أغصان شجرة أو عروقها إلى ملك الجار وجب وثبت له
استحقاق عطفها مثلًا على مالكها إن أمكن وإلّا قطعت من حدّ ملكه، وإن امتنع صاحبها عن ذلك عطفها أو قطعها الجار، ولا يتوقف على
إذن الحاكم في تفريغ ملكه عما لا يستحق
بقاؤه عليه فضلًا عما يكون بقاؤه عدواناً».
وقال الإمام الخميني: «لو خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار من غير استحقاق له أن يطالب مالكها بعطف الأغصان أو قطعها من حدّ ملكه، وإن امتنع صاحبها يجوز له عطفها أو قطعها ومع
إمكان الأوّل لا يجوز الثاني».
الإتلاف المسبب عن
تصرف الولي لمصلحة المولّى عليه جائز تكليفاً ووضعاً بحكم
ولايته .
قال
المحقق الكركي : «إنّ
للأب أن يزوّج
المجنون الكبير عند حاجته إلى
النكاح لا بدونها؛ لأنّ لوازم النكاح من
المهر و
النفقة تقتضي إتلاف ماله من غير
حاجة ولا
مصلحة في ذلك، وحصول الولد غير
منظور إليه هنا؛ لأنّ الواجب على الوليّ حفظ المال و
صيانته عن التلف فيقتصر في ذلك على موضع الحاجة».
وقال
الفاضل الهندي في
ضرب الزوجة والطفل إذا انجرّ إلى الإتلاف: «ولو تلف بالضرب شيء من أعضائها ضمن؛ لأنّه
الأصل في الإتلاف، ولخروج الضرب حينئذٍ عن المشروع بخلاف
تأديب الطفل فإنّه لمصلحته وفعله أولى، وربما يجب فهو
محسن محض و «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ»
فلذا لا يضمن إن أتلف».
الاتلاف الحاصل نتيجة
إجراء الحدود وإيقاع التعزيرات على
الجناة ومرتكبي المعاصي و
الذنوب كما في قطع
السارق ، وكذا الحاصل بالقصاص من قطع عضو أو القتل قصاصاً فانّه لا ضمان فيه؛ لكونه بحق، وأمّا الاتلاف للعضو أو
النفس بالسراية، فلا يجوز القصاص فيه ولا الحدّ إذا كان يخشى فيهما
السراية ، وأمّا مع عدم خوف السراية فذهب بعضهم إلى عدم الضمان لو اتفقت السراية.
قال
الشيخ الطوسي : «لو قطع
الإمام سارقاً فسرى إلى نفسه، أو قطع رجلًا قصاصاً فسرى إلى نفسه فلا ضمان في السراية».
ويلحق به موارد خطأ القاضي أو عامله فانّه لا
إثم للخطأ وهو عذر لا ضمان عليه؛ لأنّه على
بيت المال .
فانّه يجوز إتلافه ولا ضمان فيه.
قال
العلّامة الحلّي : «ولا يضمن مال الحربي لو أتلفه
إجماعاً ».
وقال
المحقق الكركي : «إنّ الحربي فيء للمسلم، فإذا قهره أو أتلف عليه شيئاً لم يثبت له عليه شيء».
وقال
المحقق النجفي : «ما هو
المعلوم .. كون مال الحربي فيئاً للمسلم فله
التوصل إليه بكل طريق».
وقال أيضاً: «الاتلاف.. لو وقع من
المسلم لم يطالب به؛ لأنّ مال الحربي ونفسه هدر».
إتلاف المالك مال نفسه بأكل أو أي تصرف متلف جائز بشرط ألا يكون مصداقاً
للإسراف أو
الإضرار المحرّم، هذا إذا كان بالغاً عاقلًا،
أمّا إذا كان غير بالغ أو مجنوناً فيجوز له ذلك مطلقاً؛ لكونه مرفوعاً عنه قلم
التكليف والإثم، فلا حرمة كما أنّه لا ضمان لكونه مال نفسه.
كالأكل من بيوت
الأرحام وأكل المارّ من
ثمار الأشجار وأكل الوالد من مال الولد بمقدار
النفقة في حال
العسر والحاجة.
فانّه إذا كان إذناً مطلقاً- أي بالتصرف على
المجانية - لم يكن فيه ضمان أيضاً، ومنه ما يؤخذ بحكم الحاكم. وسيأتي بحث بعض ذلك مفصّلًا.
الأكل من
المباحات العامة أو
التصرف المستلزم للإتلاف فيها وكذلك
الانتفاع بالمشتركات العامة وإتلاف منافعها
بالاستيفاء فإنّ ذلك كلّه جائز تكليفاً، ولا ضمان فيه وضعاً؛ لعدم رجوعها إلى أحد، ويلحق به المال الذي أعرض عنه صاحبه فانّه يجوز أكله أو التصرف المستلزم لتلفه إمّا لخروجه
بالاعراض عن ملك مالكه أو لحصول الإباحة بذلك.
فانّه رافع للتكليف والإثم، كما أنّ
المشهور انّ الضمان على المكرِه- بالكسر- وقد تعدّى بعضهم إلى
الإكراه على إتلاف النفس أيضاً إذا كان
التوعّد بالقتل لو لم يفعل،
والمشهور خلافه فلا يجوز، كما أنّ فيه الضمان عليه،
وسيأتي تفصيله.
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۱۹۹-۲۰۹.