أيّام التشريق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي ثلاثة
يوم بعد
يوم النحر وسميت بهذا لأنّ لحوم
الأضاحي تشرّق فيها أي تقطع
قديداً .
الأيّام: جمع يوم، و
التشريق : تفعيل من
الشروق ، يقال شرقت
الشمس وأشرقت، أي طلعت وأنارت وأضاءت.
وأيّام التشريق: هي
الأيّام التي تكون بعد
يوم النحر ، سمّيت بذلك؛ لأنّ لحوم
الأضاحي تشرّق فيها، أي تقدّد في
الشرقة ، وهي الشمس.
قال
ابن منظور : «شرّقت
اللحم : شبرقتُهُ
طولًا وشررته في الشمس ليجفّ؛ لأنّ
لحوم الأضاحي كانت تُشرّق فيها بمنى».
وقيل: سمّيت بذلك لأنّ
الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس، وقيل غير ذلك.
وكيف كان، فهي ثلاثة أيّام بعد يوم النحر، وهي:
الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر
ذي الحجّة ، ولا يطلق هذا
الاسم على هذه الأيّام من سائر
الشهور ؛
لاختصاصها بذي الحجّة.
ويستعملها
الفقهاء في نفس
المعنى اللغوي.
نعم، قد يستفاد من بعض الروايات
شمولها ليوم النحر أيضاً، فتكون أربعة أيّام، وذلك كما في رواية
معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال: «
التكبير أيّام التشريق من صلاة
الظهر يوم النحر إلى صلاة
العصر من آخر أيّام التشريق إن أنت أقمت
بمنى ، وإن أنت خرجت فليس عليك التكبير...».
لكن الظاهر
إرادة الأيّام التي يستحبّ أو يجب فيها التكبير، وإنّما اطلق عليها أيّام التشريق؛ لأنّ
عمدتها منها.
وهي الأيّام التي يكون
الحاجّ فيها بمنى لفعل
المناسك ، من
ذبح و
رمي و
بيتوتة وغيرها من
مناسك منى الواجبة
والمندوبة .
وهي أربعة أيّام: يوم
العيد وثلاثه أيّام بعدها- وهي أيّام التشريق- وقد ورد
التعبير عن هذه الأيّام
بأيّام منى على لسان
الإمام علي عليه السلام في رواية
حمّاد بن عيسى ، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول:
«قال
أبي : قال عليّ: بعث
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق
أيّام منى، فقال: تنادي في
الناس : ألا لا تصوموا؛ فإنّها أيّام
أكل و
شرب ».
ورواية
صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام: «أمّا أيّام منى فإنّها أيّام أكل وشرب لا
صيام فيها...».
و
الفرق بينها وبين أيّام التشريق هو
اختصاص الثانية بشهر ذي الحجّة وجريان الاولى في جميع شهور
السنة ، ويجتمعان في اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة، فإنّه من
الأيّام البيض المستحبّ صومها ومن أيّام التشريق
المحرّم صومها لمن كان بمنى، فيحرم صوم
اليوم الثالث عشر، وهو اليوم الأوّل من الأيّام البيض لمن كان بمنى دون اليومين الأخيرين منها.
وهي الأيّام التي تذبح أو تنحر فيها الأضاحي بمنى أو سائر
الأمصار ، وهي ثلاثة أو أربعة أو جميع ذي الحجّة على ما يذكر
مفصّلًا في محلّه.
قال اللَّه سبحانه وتعالى: «وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيَّامٍ
مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا
إِثْمَ عَلَيهْ لِمَنِ اتَّقَى».
وقال عزّ من قائل أيضاً: «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ
ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ
فَجٍّ عَمِيق لِيَشْهَدُوا
مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ
مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ
الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا
الْبَائِسَ ...».
وفي
المراد منها خلاف، قال
الشيخ الطوسي : «الأيّام المعدودات: وهي أيّام التشريق، ثلاثة أيّام بعد
النحر ، وهو قول
ابن عبّاس والحسن ومالك، والأيّام المعلومات: عشر ذي الحجّة، وهو قول ابن عبّاس أيضاً.
وذكر
الفرّاء أنّ المعلومات هي أيّام التشريق، والمعدودات
العشر . وفيه خلاف ذكرناه في
اختلاف الفقهاء».
والروايات في
تفسيرها أيضاً
مختلفة :
ففي عدّة منها تفسير المعلومات بأيّام التشريق، كما في
رواية حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سمعته يقول:
«قال علي عليه السلام في قول
اللَّه عزّ وجلّ:
«وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ»،
قال: أيّام التشريق».
وكذا في رواية
أبي الصباح عنه عليه السلام أيضاً.
وفي بعضها تفسير المعدودات بأيّام التشريق، كرواية حمّاد بن عيسى، قال:
سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول في قول اللَّه عزّوجلّ: «وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي
أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ»،
قال: «في أيّام
التشريق ».
وكذا رواية
رفاعة عنه عليه السلام.
وفي رواية
زيد الشحّام عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ... قال: «المعلومات والمعدودات واحدة، وهي أيّام التشريق».
ولكن في روايتين اخريين عن حمّاد ابن عيسى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام تفسير
المعلومات بالعشر الاول من ذي الحجّة، و
المعدودات بأيّام التشريق،
قال
الشيخ الحرّ العاملي : «لعلّ وجه
الجمع أنّ الأيّام المعلومات
شاملة لأيّام العشر وأيّام التشريق، أو أحدهما تفسير
ظاهرها والآخر تفسير
باطنها ».
تتعلّق بأيّام التشريق أحكام مختلفة
إلزامية وغير إلزامية نتعرّض لها-
إجمالًا - فيما يلي:
لا خلاف في
مطلوبيّة التكبير لمن كان بمنى في هذه الأيّام، وإنّما
الخلاف في وجوبه
واستحبابه ، فالمنسوب إلى
المشهور استحبابه، وقيل
بوجوبه .
ففي رواية
علي بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن التكبير أيّام التشريق،
أواجبٌ هو أم لا؟
قال: «يستحبّ، فإن نسي فليس عليه شيء».
وفي رواية
محمّد بن مسلم ، قال:
سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ: «وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ»،
قال: «التكبير في أيّام التشريق:
صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة
الفجر من يوم الثالث، وفي الأمصار عشر
صلوات ...».
وصورته على ما في الروايات: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، اللَّه أكبر وللَّه
الحمد ، اللَّه أكبر على ما هدانا، اللَّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة
الأنعام ».
وأضاف في بعضها: «والحمد للَّه على ما أبلانا».
و
التفصيل في محلّه.
يجب على الحاجّ
المبيت بمنى
ليلتي الحادي عشر والثاني عشر من
الغروب إلى
انتصاف الليل، سواء ذهب إلى
مكّة أم لم يذهب، كما يجب المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً على من لم يتّق
الصيد في
إحرامه أو لم يتّق
النساء ، ومن لم يفضِ من
منى يوم الثاني عشر وأدرك غروب الثالث عشر، فإنّهم يجب عليهم المبيت هذه الليالي.
ففي رواية معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا تبت ليالي التشريق إلّا بمنى، فإن بتّ في غيرها فعليك دم، فإن خرجت أوّل
الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى، إلّاأن يكون
شغلك نسكك أو قد خرجت من مكّة، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها».
وفي روايته الاخرى عنه عليه السلام أيضاً قال:
«إذا نفرت في
النفر الأوّل اليوم الثاني عشر قبل
الغروب ، فإن شئت أن تقيم بمكّة وتبيت بها فلا
بأس بذلك»، قال:
وقال: «إذا جاء الليل بعد النفر الأوّل فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح».
نعم، لا يجب المبيت بمنى على بعض
الناس كالمرضى والممرّضين لهم و
الرعاة وأمثالهم. والتفصيل في محلّه.
ذكر الفقهاء وجوب رمي الحاجّ
الجمار الثلاث أيّام التشريق
بترتيب خاص وأحكام خاصّة.
قال
المحقّق الحلّي : «ويجب أن يرمي كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث، كلّ جمرة سبع
حصيات ، ويجب هنا- زيادة على ما تضمّنه
شروط الرمي- الترتيب، يبدأ بالاولى، ثمّ الوسطى، ثمّ
جمرة العقبة ... ولو نسي رمي يومٍ قضاه من
الغد مرتّباً، يبدأ
بالفائت ويعقّب
بالحاضر ».
ولا يخفى أنّ وجوب
الرمي في هذه الأيّام يختص بالحادي عشر والثاني عشر.
نعم، من وجب عليه
البقاء ليلة الثالث عشر يجب عليه الرمي في الثالث عشر أيضاً، وقد صرّح به
المحقّق النجفي قائلًا:
«يجب الرمي أيضاً في اليوم الثالث عشر إن أقام ليلته فيها، كما صرّح به
الفاضل وغيره، بل في
كشف اللثام : لعلّه لا
خلاف فيه».
والتفصيل في محلّه.
يستحبّ للحاجّ- زائداً على
المقدار الواجب لفعل
المناسك الواجبة من
الذبح والرمي وغيرهما-
المُقام بمنى أيّام التشريق كما صرّح به المحقّق الحلّي،
بل في
الجواهر : «بلا خلاف أجده فيه»؛
لبعض
الأخبار ، منها: خبر
ليث المرادي ، أنّه سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن
الرجل يأتي مكّة أيّام منى بعد
فراغه من
زيارة البيت، فيطوف بالبيت
تطوّعاً ، فقال:
«المقام بمنى أحبّ إليّ»،
والمراد به الإقامة في بياض النهار كما صرّح به
المحقّق النراقي ،
فلا يختلط بالمبيت.
أمّا
الهدي - أي الذبح والنحر- فالمشهور لزوم
إيقاعه يوم النحر، أي عاشر ذي الحجّة-
عيد الأضحى - مع
الإمكان .
وفي
الذخيرة : «لا أعلم فيه خلافاً بين
أصحابنا »،
وفي
المدارك : أنّه قول علمائنا،
فلا يجوز تعمّد
التأخير عنه إلى أيّام التشريق وغيرها من ذي الحجّة.
وذهب المحقّق و
العلّامة الحلّيان ضمن قولهما
بوجوب إيقاعه يوم النحر وتعلّق
الإثم بالتأخير، إلى
الإجزاء في تمام ذي الحجّة.
وذكر آخرون جواز إيقاعه في بقيّة
الشهر اختياراً ، فيصحّ عندهم إيقاعه أيّام التشريق اختياراً».
وفيه
احتمالات وتفاصيل اخرى تراجع في محلّها.
هذا في الهدي، وأمّا الاضحيّة التي يستحبّ فعلها للحاجّ زائداً على
هديه ، - كما يستحبّ لغيره أيضاً في منى وغيرها-
فأيّامها أربعة بمنى وثلاثة
بالأمصار ، فيجوز إيقاعها أيّام التشريق.
قال المحقّق الحلّي: «
الخامس : في الاضحيّة، ووقتها بمنى أربعة أيّام، أوّلها يوم النحر، وفي الأمصار ثلاثة».
وقال المحقّق النجفي: «بلا خلاف أجده فيه، بل
الإجماع بقسميه عليه،
مضافاً إلى صحيح علي بن
جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر عليه السلام قال:سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: «أربعة أيّام»، وسألته عن الأضحى في غير منى؟
فقال: «ثلاثة أيّام»، فقلت: ما تقول في
مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، أله أن يُضحّي في اليوم
الثالث ؟ قال:
«نعم».
و
الظاهر - ولو
بقرينة ما قبله-
إرادة اليوم الثالث من يوم النحر، لا الثالث بعده كما استظهره في كشف اللثام، فيكون
دالّاً على النحر في الرابع في غير منى، فاحتاج إلى حمله على
القضاء المحتاج إلى
الدليل ».
وقال المحقّق النراقي: «
المراد باليوم الثالث، الثالث مع الأضحى الذي هو يوم
القدوم ، كما صرّح به في موثّقة
الساباطي المرويّة في
الفقيه عن الأضحى بمنى، فقال: «أربعة أيّام»، وعن الأضحى في سائر
البلدان ، فقال: «ثلاثة أيّام»، وقال:
«لو أنّ رجلًا قدم إلى
أهله بعد الأضحى بيومين ضحّى اليوم الثالث الذي قدم فيه»
».
والتفصيل في محلّه.
من الأيّام التي يحرم على
المكلّفين المقيمين بمنى
صيامها أيّام التشريق، وقد صرّح به أكثر
الفقهاء ضمن الصيام المحرّم.
قال الشيخ الطوسي: «وأمّا
الصوم القبيح فعشرة أيّام: يوم
الفطر ، ويوم الأضحى... وثلاثة أيّام التشريق لمن كان بمنى...».
وقال المحقّق الحلّي: «
المحظورات تسعة: صوم
العيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى...»،
بل ادّعي عليه
إجماع علمائنا.
والدليل عليه بعض الروايات: منها: رواية
معاوية بن عمّار ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن صيام أيّام التشريق، فقال: «أمّا
بالأمصار فلا بأس به، وأمّا بمنى فلا».
ومنها: روايته الاخرى عنه عليه السلام أيضاً قال: «إنّما نهى
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عن صيامها أيّام التشريق بمنى، فأمّا بغيرها فلا بأس».
ومنها: رواية
زياد بن أبي الحلّال ، قال: قال لنا أبو عبد اللَّه عليه السلام: «لا صيام بعد
الأضحى ثلاثة أيّام...».
ومنها: الرواية المتقدّمة
المشتملة على بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم رجلًا لينادي في
الناس أيّام منى : «ألا لا تصوموا، فإنّها أيّام
أكل وشرب».
ثمّ إنّ هذا
التحريم يختصّ بمن كان بمنى كما دلّت عليه الأخبار
السابقة ، بلا خلاف فيه كما ادّعي،
وهو المراد من
إطلاق من أطلق كما صرّح به العلّامة الحلّي،
وإنّما الخلاف في
اعتبار كونه
ناسكاً أيضاً أم لا؟
ظاهر بعض الكلمات
التقييد به،
لكنّه قول
نادر ؛
لخلّوالأخبار عنه.
قال
السيّد اليزدي في الصيام
المحظور :
«الثاني: صوم أيّام التشريق، وهي... لمن كان بمنى، ولا فرق على
الأقوى بين
الناسك وغيره».
وقال
السيّد الخوئي : «يحرم صوم العيدين وأيّام
التشريق لمن كان بمنى، ناسكاً كان أم لا».
وقد مرّت بعض
الكلمات آنفاً، وكلّها خالية عن هذا
القيد .
ولعلّ من قيّده بذلك حمل إطلاق الأخبار على
الغالب ؛ لأن الغالب فيمن كان بمنى كونه ناسكاً. وقد استجود هذا الوجه
المحدّث البحراني .
هذا، وهناك بحث آخر هنا وهو أنّ
حرمة الصوم أيّام التشريق هل يستثنى منها صوم
كفّارة القتل- وهو صوم شهرين متتابعين- في
الأشهر الحرم أم لا؟
ذهب بعضهم إلى
الاستثناء ؛ جمعاً بين روايات المقامين
بالتخصيص ،
ففي رواية
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال:
سألته عن رجل قتل رجلًا خطأً في
الشهر الحرام ، قال: «تغلّظ عليه
الدية ، وعليه
عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم»، قلت: فإنّه يدخل في هذا شيء، قال: «ما هو؟» قلت: يوم
العيد وأيّام التشريق، قال:
«يصومه؛ فإنّه حقّ يلزمه»،
وكذا في غيرها.
وخالفهم أكثر الفقهاء.
قال الشيخ الحرّ العاملي: «ويأتي ما يدلّ على
تحريم صوم العيدين وأيّام التشريق، غير أنّ الشيخ وبعض الأصحاب استثنوا هذه
الصورة وعملوا بظاهر
الحديثين ، وخالفهم أكثر الأصحاب، وحملوهما على صوم ما عدا العيد وأيّام التشريق، وليسا
بصريحين في خلاف ذلك».
وتفصيل الكلام في جميع ما تقدّم يراجع في
محلّه .
من
المناسك في أيّام التشريق:
النفر من منى إلى مكّة لفعل مناسكها من
الطواف و
السعي وغيرها.
والنفر نفران: النفر الأوّل والنفر الثاني أو النفر
الأخير .
فالنفر الأوّل: هو اليوم الثاني من أيّام التشريق والثالث من النحر، أي اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة. وهذا النفر إنّما يجوز لمن لم يصب النساء أو
الصيد في
إحرامه ، أو لم يبق في منى إلى غروب
الشمس ، فإن أصاب أو بقي إلى
الغروب فلا يجوز له النفر هذا اليوم، بل يجب عليه تأخير النفر إلى النفر الثاني، وهو الثالث من أيّام التشريق والرابع من
أيّام النحر والثالث عشر من ذي الحجّة. ويسمّى بالنفر الأخير أيضاً.
وكيف كان،
فالبقاء إلى النفر الأخير أفضل
مطلقاً .
ثمّ إنّ المراد من النفرين
المشار إليهما هو النفر الذي لا يجب معه
الرجوع إلى منى، وكأنّه
اصطلاح فيه.
وأمّا النفر الذي يجب معه الرجوع إلى منى
للبيتوتة فيجوز يوم الحادي عشر، بل العاشر أيضاً، فمن ذكر اليوم الحادي عشر في أيّام النفر إنّما قصد هذا المعنى، وأمّا بمعنى النفر الذي لا رجوع فيه فليس هذا اليوم منها، بل هو يوم
الاستقرار بمنى، ولذا سمّاه بعضهم يوم
القَرّ .
ثمّ إنّ
النافر في النفر الأخير يستحبّ له
التحصيب أيضاً، وهو
النزول بالمحصّب
للاستراحة .
قال
ابن إدريس الحلّي : «ويوم الحادي عشر يسمّى
يوم القرّ ؛ لأنّ الناس يقرّون فيه بمنى لا يبرحونه، و
الثاني عشر يوم النفر الأوّل، و
الثالث عشر يوم النفر الثاني، وليلته تسمّى ليلة التحصيب؛ لأنّه النفر الأخير، والتحصيب يستحبّ لمن نفر في النفر الثاني دون الأوّل... وقال شيخنا في
مبسوطه : وليلة الرابع ليلة التحصيب. فإن أراد رحمه الله الرابع من يوم النحر
فصحيح ، وإن أراد الرابع عشر فغير
واضح ؛ لأنّ التحصيب لا يكون إلّالمن نفر في النفر الأخير، والنفر الأخير- بلا خلاف من
الامّة - هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة، فإن كان ممّن أصاب
النساء في إحرامه أو
صيداً ، لم يجز له أن ينفر في النفر الأوّل، ويجب عليه
المقام إلى النفر الأخير».
والتفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۲۴۶-۲۵۶.